المنشورات

الحوادث فِي سنة اثنتين وثلاثين من مولده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم

فيها: خلعت الروم ملكها واسمه [7] موريق، وملكوا مكانه فوقا، ثم قتلوه، وأبادوا ورثته [8] سوى ابن له هرب إِلَى كسرى فآواه، وتوجه. وملكه عَلَى الروم، ووجه [9] معه ثلاثة نفر من قواده من جنود كثيفة [10] ، أما أحدهم فكان يقال له: رميوزان، ووجهه [11] إِلَى بلاد الشام فدوخها حَتَّى انتهى إِلَى أرض [12] فلسطين [وورد مدينة بيت المقدس] [13]وأخذ أسقفها ومن كان فيها من القسيسين وسائر النصارى بخشبة الصليب، وكانت قد دفنت فِي بستان فِي تابوت من ذهب، وزرع فوقها مبقلة، فدلوه عليها، فحفر فاستخرجها، وبعث بها إِلَى كسرى فِي سنة أربع وعشرين من ملكه [1] وأما القائد الآخر: فكان يقال له شاهين، فسار حَتَّى احتوى عَلَى مصر والإسكندرية وبلاد النوبة، وبعث إِلَى كسرى بمفاتيح [مدينة] [2] إسكندرية فِي سنة ثمان وعشرين من ملكه.
وأما القائد الثالث فكان يقال له: فرهان، فإنه قصد القسطنطينية حَتَّى أناخ عَلَى ضفة الخليج القريب منها [وخيم هنالك] [3] فأمره كسرى فخرب بلاد الروم غصبا [4] مما انتهكوا من موريق [وانتقاما له منهم، ولم يخضع لابن موريق] [5] من الروم أحد، غير أنهم قتلوا فوقا، وملّكوا عليهم رجلا يقال له: هرقل فلما رأى هرقل ما فيه الروم من تخريب فارس بلادهم، وقتلهم إياهم، وسبيهم لهم، تضرع إِلَى اللَّه تعالى وسأله أن ينقذه وأهل مملكته من جنود فارس، فرأى من منامه [6] رجلا ضخم الجثة عَلَيْهِ بزة، قائما فِي ناحية، فدخل عليهما داخل، فألقى ذلك الرجل عَنْ مجلسه، وَقَالَ لهرقل: إني قد أسلمته فِي يدك. فلم يقصص رؤياه تلك فِي يقظته [7] عَلَى أحد، فرأى الثانية فِي منامه أن الرجل الذي رآه فِي نومه جالسا فِي مجلس رفيع، وأن الرجل الداخل عليهما أتاه وبيده سلسلة طويلة فألقاها فِي عنق صاحب المجلس وأمكنه منه [8] ، وقال له: ها أنا ذا قد دفعت إليك كسرى برمته فأغزه فإن شئت [9] فإنك مدال عَلَيْهِ، ونائل أمنيتك فِي غزاتك

فلما تتابعت عَلَيْهِ هَذِهِ الأحلام قصها عَلَى عظماء الروم وذوي الرأي منهم فأشاروا عَلَيْهِ أن يغزوه، فاستعد هرقل واستخلف ابنا له عَلَى مدينة قسطنطينية، فسار حَتَّى أوغل [1] فِي بلاد أرمينية ونزل نصيبين بعد سنة، فلما بلغ كسرى نزول هرقل فِي جنوده بنصيبين وجّه لمحاربته رجلا من قواده يقال له: راهزار فِي اثني عشر ألف فارس، وأمره [2] أن يقيم بنينوى فِي مدينة [3] الموصل عَلَى شاطئ دجلة، ويمنع الروم أن تجوزها، فنفذ راهزار لأمر كسرى وعسكر حيث أمره، فقطع هرقل دجلة فِي موضع آخر إِلَى الناحية التي كان فيها جند فارس [4] ، فأذكى راهزار عَلَيْهِ العيون، وأخبروه أنه فِي سبعين ألفا وأيقن بالعجز عنه، فكتب إِلَى كسرى يخبره بعجزه، وكتب كسرى: إنكم إن عجزتم عَنِ الروم لم تعجزوا عَنْ بذل دمائكم فِي طاعتي، فناهض الروم، فقتل ومعه ستة آلاف رجل وانهزم الباقون، فبلغ ذلك كسرى فتهيأ [5] وتحصن بالمدائن لعجزه، وسار هرقل حَتَّى قارب المدائن، فلما استعد [6] كسرى لقتاله انصرف إِلَى أرض الروم [7] .
قَالَ عكرمة [8] : كانت فِي فارس امرأة لا تلد إلا الأبطال، فدعاها كسرى، فَقَالَ:
إني أريد أن أبعث إِلَى الروم جيشا وأستعمل عليهم رجلا من بنيك فأشيري علي أيهم أستعمل. فقالت: هَذَا فرخان أنفذ من سنان، وهذا شهربراز [9] أحلم من كذا. قَالَ:
فإني قد استعملت الحليم، فاستعمل شهربراز، فسار إِلَى الروم بأرض فارس وظهر عليهم، فقتلهم وخرب مدائنهم، وقطع زيتونهم.
فلما ظهرت فارس [عَلَى الروم] [10] جلس فرخان يشرب، فَقَالَ لأصحابه: رأيت كأني جالس عَلَى سرير كسرى، فبلغت كسرى فكتب إِلَى شهربراز إذا أتاك كتابي هَذَا فابعث إليَّ برأس فرخان. فكتب إليه: أيها الملك إنك لن تجد مثل فرخان، إن له نكاية وصوتا فِي العدو فلا تفعل. فكتب إليه: إن فِي رجال فارس خلفا منه، فعجل علي برأسه. فراجعه، فغضب كسرى ولم يجبه، وبعث بريدا إِلَى أهل فارس: إني قد نزعت عنكم شهربراز، واستعملت عليكم فرخان. ثم دفع إِلَى البريد صحيفة أخرى صغيرة، وَقَالَ: إذا ولي فرخان الملك وانقاد له أخوه، فأعطه [هَذِهِ الصحيفة] [1] .
فلما قرأ شهربراز الكتاب، قَالَ: سمعا وطاعة، ونزل عَنْ سريره وجلس فرخان، فدفع الصحيفة إِلَيْهِ فَقَالَ: ائتوني بشهربراز فقدمه ليضرب عنقه.
فَقَالَ: لا تعجل علي حَتَّى أكتب وصيتي، قَالَ: نعم. فدعا بالسفط فأعطاه ثلاث صحائف، وَقَالَ: كل هَذَا راجعت فيك الملك، وأنت أردت أن تقتلني بكتاب واحد! فرد الملك إِلَى أخيه، وكتب شهربراز إِلَى قيصر ملك الروم: إن لي إليك حاجة لا تحملها البرد، ولا تبلغها الصحف، فالقني، ولا تلقني إلا فِي خمسين روميا، فإني ألقاك فِي خمسين فارسيا. فأقبل قيصر في خمسمائة ألف رومي وجعل يضع العيون بين يديه فِي الطريق، وخاف أن يكون قد مكر به، حَتَّى أتته عيونه أنه ليس معه إلا خمسون رجلا، ثم بسط لهما والتقيا فِي قبه ديباج ضربت لهما مع كل واحد منهما سكين، فدعا ترجمانا بينهما، فَقَالَ شهربراز: إن الذين خربوا مدائنك أنا وأخي بكيدنا وشجاعتنا، وإن كسرى حسدنا، فأراد أن أقتل أخي، فأبيت، ثم أمر أخي أن يقتلني، فقد خلعناه جميعا، فنحن نقاتله معك. قَالَ: قد أصبتما، ثم أسر أحدهما إِلَى صاحبه:
أن السر بين اثنين، فإذا جاوز اثنين فشا. قَالَ: أجل، فقتلا الترجمان جميعا بسكينيهما، فكان هَذَا أحد أسباب هلاك كسرى [2]





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید