المنشورات

هدم قريش الكعبة.

قَالَ ابن إِسْحَاق: كانت الكعبة رضما [1] فوق القامة، فأرادت قريش رفعها وتسقيفها، وكان نفر من قريش وغيرهم قد سرقوا كنز الكعبة، وكان يكون فِي [بئر فِي جوف الكعبة] [2] فهدموها لذلك، وذلك فِي سنة خمس وثلاثين من مَوْلِدِ رَسُولِ اللَّه [3] صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَرَوَى هشام بْن مُحَمَّد عَنْ أبيه قَالَ: كان إِبْرَاهِيم وابنه إسماعيل يليان البيت، وبعد إِسْمَاعِيل ابنه بنت، ثم مات نبت ولم يكثر ولد إسماعيل فغلبت جرهم عَلَى ولاية البيت، فَقَالَ عمرو بْن الحارث بْن مضاض من ذلك [4] :
وكنا ولاة البيت من بعد نابت ... نطوف بذاك البيت والخير ظاهر
[5] وكان أول من ولي البيت من جرهم مضاض، ثم وليه بعده بنوه كابرا عَنْ كابر، حَتَّى بغت جرهم بمكة واستحلوا حرمتها، وأكلوا مال الكعبة الذي يهدى إليها، وظلموا من دخل مكة، ثُمَّ لم يتناهوا حَتَّى جعل الرجل [منهم] إذا لم يجد [6] مكانا يزني فيه دخل الكعبة فزنى.
فزعموا أن إسافا بغى بنائلة فِي جوف الكعبة فمسخا حجرين، وكانت مكة فِي الجاهلية لا ظلم فيها ولا بغي، ولا يستحل حرمتها ملك إلا هلك مكانه [7] ، فكانت تسمى: الباسة [8] ، وتسمى: بكة، كانت تبك [9] أعناق الجبابرة [10] الذين يبغون فيها، ولما لم تنته جرهم عَنْ بغيها، وتفرق أولاد عمرو بْن عامر عَنِ اليمن، فانخزع بنو حارثة بْن عَمْرو قاطنو تهامة، فسميت خزاعة، لأنهم انخزعوا، وبعث اللَّه عز وجل [1] عَلَى جرهم الرعاف والنمل، فأفناهم، فاجتمعت خزاعة ليجلوا من بقي، ورئيسهم يومئذ عمرو بْن ربيعة بْن حارثة، وأمه فهيرة بنت عامر بْن الحارث [بْن مضاض] [2] ، فاقتتلوا، فلما أحس عامر بالهزيمة خرج بغزالي الكعبة وحجر الركن [3] ، وجعل يلتمس التوبة، فلم تقبل توبته، فألقى غزالي الكعبة وحجر الركن فِي زمزم، وخرج من بقي من جرهم إِلَى أرض الحبشة [4] . فجاءهم سيل فذهب بهم [5] .
وولي البيت عمرو بْن ربيعة.
وقيل: بل وليه عمرو بْن الحارث الغساني.
فَقَالَ عمرو بْن الحارث فِي ذلك:
كأن لم يكن بين الحجون إِلَى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر
بلى نحن كنا أهلها فأزالنا ... صروف الليالي والجدود العواثر
[6] وَقَالَ عمرو أيضا:
يا أيها الناس سيروا إن قصركم ... أن تصبحوا ذات يوم لا تسيرونا
[حثوا المطي وأرخوا من أزمتها ... قبل الممات وقضوا ما تقضونا] [7]
كنا أناسا كما كنتم فغيرنا ... دهر فأنتم كما كنا تكونونا
[8] .
وكان يقول: اعملوا لآخرتكم، وأفرغوا من حوائجكم فِي الدنيا.
فوليت خزاعة البيت، غير أنه كان فِي قبائل مضر ثلاث خلال: الإجارة بالحج للناس من عرفة، وكان ذلك إِلَى الغوث بْن مر، وهو صوفة، فكانت إذا كانت الإجارة قالت العرب: أجيري صوفة [1] .
والثانية: الإفاضة من جمع غداة النحر إِلَى منى، فكان ذلك إِلَى بني زيد بْن غزوان، فكان آخر من ولي ذلك منهم أَبُو سيارة عميلة بْن الأعزل بْن خالد بْن سعد بْن الحارث بْن وابش بْن زيد.
والثالثة: النسيء للشهور الحرم، وكان ذلك إِلَى القلمس، وهو حذيفة بْن فقيم بْن عدي من بني مالك بْن كنانة، ثم فِي بيته حَتَّى صار ذلك إِلَى جرهم أبي ثمامة، وهو جنادة بن عوف بن أمية بن قلع بْن حذيفة فقام عَلَيْهِ [2] الإسلام [فلما] [3] كثرت معه تفرقت [4] .
وأما قريش: فلم يفارقوا مكة، فلما حفر عَبْد المطلب زمزم وجد غزالي الكعبة اللذين كانت جرهم دفنتهما فيه، فاستخرجهما.
قَالَ ابن إِسْحَاق: وكان الذي وجد عنده كنز الكعبة دويك مولى لبني ملج من خزاعة، فقطعت قريش يده، وكان البحر قد رمى سفينة إِلَى جدة، فتحطمت، فأخذوا خشبها فأعدوه لتسقيفها، وكان بمكة رجل قبطي نجار، وكانت حية تخرج من بئر الكعبة التي يطرح فيها ما يهدى لها كل يوم، فتتشرق عَلَى جدار الكعبة [5] ، وكانوا يهابونها، ذلك أنه كان لا يدنو منها أحد إلا احزألت وكشت [6] وفتحت فاها، فبينا هي يوما تتشرق عَلَى جدار الكعبة، بعث اللَّه عليها طائرا فاختطفها، فذهب بها، فقالت قريش:
إنا لنرجو أن يكون اللَّه قد رضي ما أردنا عندنا عامل رفيق، وعندنا خشب، وقد كفانا الله الحيّة [7] .
وذلك بعد الفجار بخمس عشرة سنة، ورسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم عامئذ ابن خمس وثلاثين سنة، فلما أجمعوا [1] أمرهم فِي هدمها وبنائها، قام أَبُو وهب بْن عمرو بْن عمير [2] بْن عائذ بْن عِمْرَانَ بْن مخزوم، فتناول من الكعبة حجرا فوثب من يده حَتَّى رجع إِلَى موضعه، فَقَالَ: يا [معشر] [3] قريش، لا تدخلوا فِي بنائها من كسبكم إلا طيبا، ولا تدخلوا فيها [مهر بغي، ولا بيع ربا، ولا] [4] مظلمة أحد من الناس. قَالَ: والناس يبخلون هَذَا الكلام للوليد بن المغيرة، وأبي وهب خال [أبي] [5] رسول الله صلى الله عليه وسلم [6] :
ثم إن الناس هابوا هدمها وفرقوا منه. فَقَالَ الوليد بْن المغيرة: أنا أبدأ فِي هدمها فأخذ المعول، ثم قام عليها وهو يقول: اللَّهمّ لا ترع اللَّهمّ لا نريد إلا الخير، ثم هدم من ناحية [7] الركنين فتربص الناس به تلك الليلة، وَقَالُوا: ننظر، فإن أصيب لم نهدم منها شيئا، ورددناها كما كانت، وإن لم يصبه شَيْء [8] ، فقد رضي اللَّه عز وجل ما صنعناه. فأصبح الوليد غاديا عَلَى عمله، فهدم والناس معه، وتحرك حجر فانتقضت مكة [9] بأسرها وما زالوا حَتَّى انتهى الهدم إِلَى الأساس، فأفضوا إِلَى حجارة خضر كأنها أسنمة ثم بنوا، حَتَّى إذا بلغ البنيان موضع الركن اختصموا فيه كل قبيلة تريد أن ترفعه، حَتَّى تواعدوا للقتال، وقربت بنو عَبْد الدار جفنة مملوءة دما، وأدخلوا أيديهم فِي الدم، وتعاقدوا عَلَى الموت، فسموا لعقة الدم، فمكثوا أربع ليال أو خمس ليال كذلك، ثم تشاوروا وكان أَبُو أمية بْن المغيرة أمير قريش [حينئذ] [10] فَقَالَ: اجعلوا بينكم أوّل من يدخل من
باب هَذَا المسجد، فكان أول من دخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأوه قالوا: هَذَا الأمين، قد رضينا به، هَذَا مُحَمَّد، فلما انتهى إليهم وأخبروه الخبر قَالَ: «هلم إلي ثوبا. فأتي به، فأخذ الركن فوضعه فيه بيده، ثم قَالَ: «لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب، ثم قَالَ:
«ارفعوه جميعا» حَتَّى إذا بلغوا به موضعه وضعه بيده، ثم بنى [1] عَلَيْهِ وكانت قريش تسمي رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم قبل أن ينزل الوحي: الأمين [2] . أَخْبَرَنَا أبو بكر بن أبي طاهر قال: أخبرنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ حَيُّوِيَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قَالَ: حدثنا محمد بن سعد. قال: أخبرنا محمد بن عُمَرَ بْنِ وَاقِدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْهُذَلِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْهُذَلِيُّ، عَنْ أَبِي غَطَفَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [3] قَالَ:
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ قالوا: كَانَتِ الْجَرْفُ [4] مُطِلَّةٌ عَلَى مَكَّةَ، وَكَانَ السَّيْلُ يَدْخُلُ [5] مِنْ أَعْلاهَا حَتَّى يَدْخُلَ الْبَيْتَ، فَانْصَدَعَ فَخَافُوا أَنْ يَنْهَدِمَ، وَسُرِقَ مِنْهُ حُلِيُّهُ وَغَزَالٌ مِنْ ذَهَبٍ كَانَ عَلَيْهِ دُرٌّ وَجَوْهَرٌ، وَكَانَ مَوْضُوعًا بِالأَرْضِ، فَأَقْبَلَتْ سَفِينَةٌ فِي الْبَحْرِ فِيهَا رُومٌ، وَرَأْسُهُمْ بَاقُومُ، وَكَانَ بَانِيًا فَجَنَحَتْهَا الرِّيحُ إِلَى الشُّعَيْبَةِ، وَكَانَتْ مَرْسَى [6] السُّفُنِ قَبْلَ جِدَّةَ فَتَحَطَّمَتِ السَّفِينَةُ، فَخَرَجَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةَ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى السَّفِينَةِ [7] فَابْتَاعُوا خَشَبَهَا وَكَلَّمُوا الرُّومِيَّ بَاقُومَ، فَقَدِمَ مَعَهُمْ، وَقَالُوا: لَوْ بَنَيْنَا بَيْتَ رَبِّنَا. فَأَمَرُوا بِالْحِجَارَةِ تُجْمَعُ، فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْقُلُ معهم- وهو يومئذ ابن خمس وثلاثين سنة- وَكَانُوا يَضَعُونَ أُزُرَهُمْ عَلَى [1] عَوَاتِقِهِمْ، وَيَحْمِلُونَ الْحِجَارَةَ، فَفَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلُبِطَ بِهِ وَنُودِيَ: عَوْرَتُكَ فَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلُ مَا نُودِيَ. فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: يَا ابْنَ أَخِي، اجْعَلْ إِزَارَكَ عَلَى رَأْسِكَ، قَالَ: مَا أَصَابَنِي مَا أَصَابَنِي إِلا فِي تَعَدِّيِّ، فَمَا رُئِيَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَوْرَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى هَدْمِهَا قَالَ بَعْضُهُمْ: لا تُدْخِلُوا فِي بِنَائِهَا مِنْ كَسْبِكُمْ إِلا طَيِّبًا مَا لَمْ تَقْطَعُوا فيه رَحِمًا، وَلَمْ تَظْلِمُوا فِيهِ أَحَدًا، فَبَدَأَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةَ بِهَدْمِهَا، فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ، ثُمَّ قَامَ عليها يطرح الحجارة وهو يقول: اللَّهمّ اللَّهمّ لا تُرَعْ إِنَّمَا نُرِيدُ الْخَيْرَ، فَهَدَمَ وَهَدَمَتْ مَعَهُ قُرَيْشٌ، ثُمَّ أَخَذُوا فِي بِنَائِهَا وَمَيَّزُوا الْبَيْتَ وَاقْتَرَعُوا عَلَيْهِ، فَوَقَعَ لِعَبْدِ مَنَافٍ وزهرة ما بين الركن الأَسْوَدِ إِلَى رُكْنِ [2] الْحَجَرِ وَجْهُ الْبَيْتِ، وَوَقَعَ لِبَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى وَبَنِي عَبْدِ الدَّارِ مَا بَيْنَ رُكْنِ الْحَجَرِ إِلَى [رُكْنِ الْحَجَرِ الآخَرِ، وَوَقَعَ لِتَيْمٍ وَمَخْزُومٍ مَا بَيْنَ ركن الحجر إلى الركن] [3] الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ. وَوَقَعَ لِسَهْمٍ وَجُمَحٍ وَعَدِيٍّ وَعَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ إِلَى الرُّكْنِ [4] الأَسْوَدِ فَبَنَوْا، وَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى حَيْثُ يُوضَعُ الرُّكْنُ مِنَ الْبَيْتِ. قَالَتْ كُلُّ قَبِيلَةٍ: نَحْنُ أَحَقُّ بِوَضْعِهِ، فَاخْتَلَفُوا حَتَّى خَافُوا الْقِتَالَ، ثُمَّ جَعَلُوا بَيْنَهُمْ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ، فَيَكُونُ هُوَ الَّذِي يَضَعُهُ قَالُوا:
رَضِينَا وَسَلَّمْنَا [5] . فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَ مَنْ دَخَلَ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ [6] ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: هَذَا هُوَ [7] الأَمِينُ قَدْ رَضِينَا بِمَا قَضَى [بَيْنَنَا] [8] ، ثم أخبروه، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم رِدَاءَهُ وَبَسَطَهُ فِي الأَرْضِ، ثُمَّ وَضَعَ الرُّكْنَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: لِيَأْتِ مِنْ كُلِّ رُبُعٍ مِنْ أَرْبَاعِ قُرَيْشٍ رَجُلٌ، وَكَانَ فِي رُبُعِ عَبْدِ مَنَافٍ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَكَانَ فِي الربع الثاني: أبو زمعة، وكان من الرُّبُعُ الثَّالِثُ: أَبُو حُذَيْفَةَ [بْنُ الْمُغِيرَةِ] [9] ، وَكَانَ في الربع الرابع: قيس بن عَدِيٍّ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِزَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَا الثَّوْبِ، ثُمَّ ارْفَعُوهُ جَمِيعًا» . فَرَفَعُوهُ، ثُمَّ وَضَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ فِي مَوْضِعِهِ ذَلِكَ، فَذَهَبَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ لِيُنَاوِلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَرًا يَشُدُّ بِهِ الرُّكْنَ [1] فَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: لا، وَنَاوَلَ الْعَبَّاسُ حَجَرًا فَشَدَّ بِهِ الرُّكْنَ [2] فَغَضِبَ النَّجْدِيُّ حِينَ نَحَّى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ لَيْسَ يَبْنِي مَعَنَا فِي الْبَيْتِ إِلا مِنَّا، ثُمَّ بَنَوْا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى مَوْضِعِ السَّقْفِ وَسَقَفُوا الْبَيْتَ وَبَنَوْهُ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ وَأَخْرَجُوا الْحِجْرَ مِنَ الْبَيْتِ [3] . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَأَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَطَاءٍ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن أبي ربيعة، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ان قَوْمَكِ اسْتَقْصَرُوا مِنْ بُنْيَانِ الْكَعْبَةِ، وَلَوْلا حَدَاثَةُ عَهْدِهِمْ بِالشِّرْكِ [4] أَعَدْتُ فِيهِ مَا تَرَكُوا مِنْهُ فَإِنْ بَدَا لِقَوْمِكِ [مِنْ] [5] بَعْدِي أَنْ يَبْنُوهُ فَهَلُمِّي أُرِيكِ مَا تَرَكُوا مِنْهُ» فَأَرَاهَا قَرِيبًا مِنْ سَبْعِ أَذْرُعٍ فِي الْحَجَرِ. قَالَتْ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حَدِيثِهِ: «وَلَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ مَوْضُوعَيْنِ فِي الأَرْضِ شَرْقِيًّا وَغَرْبِيًّا أَتَدْرِينَ لِمَ كَانَ قَوْمُكِ رَفَعُوا بَابَهَا؟ فَقُلْتُ: لا أَدْرِي، [فَقَالَ:] [6] «تَعَزُّزًا أَلا يَدْخُلَهَا إِلا مَنْ أَرَادُوا» ، وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا كَرِهُوا أَنْ يَدْخُلَ تَرَكُوهُ حَتَّى إِذَا كَادَ يَدْخُلُ [7] دَفَعُوهُ حَتَّى يَسْقُطَ [8] .
أَخْبَرَنَا إسماعيل بْن أحمد قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو منصور بْن عَبْد العزيز العكبريّ قال:
أخبرنا أبو الحسين بن بشران قال: أَخْبَرَنَا عمر بْن الحسين الشيباني قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو بكر بن أبي الدنيا قال: أخبرني مُحَمَّد بْن صالح القرشي قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابن أبي سبرة، عن أبي جعفر محمد بن علي [9] قال: بنيت الكعبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن خمس وثلاثين سنة [1]
. فصل [2]
في هذه السنة:
ولدت فاطمة بْنت رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم.
وفيها: مات زيد بْن عمرو بْن نفيل، وكان يطلب الدين وقدم الشام فسأل اليهود والنصارى عن الدين والعلم، فلم يعجبه دينهم فَقَالَ له رجل من النصارى: أنت تلتمس دين إِبْرَاهِيم. فَقَالَ زيد [3] : وما دين إِبْرَاهِيم؟
قَالَ: كان حنيفا لا يعَبْد إلا اللَّه وحده لا شريك له، كان يعادي من عَبْد من دون اللَّه شيئا، ولا يأكل ما ذبح عَلَى الأصنام. فَقَالَ زيد: هَذَا الذي أعرف، وأنا عَلَى هَذَا الدين، فأما عبادة حجر أو خشبة أنحتها بيدي فهذا ليس بشَيْء. فرجع [4] زيد إِلَى مكة، وهو عَلَى دين إِبْرَاهِيم، وكان يقول: هَذِهِ الشاة خلقها الله، وأنزل من السماء ماء فأنبت لها الأرض [5] ثم تذبحونها عَلَى غير اسمه- ينكر عليهم ذلك- ولقي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقدم إليه [رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [6] . سفرة فيها لحم فَقَالَ: إني لا آكل مما تذبحون عَلَى أصنامكم ولا آكل مما لم يذكر اسم اللَّه عَلَيْهِ [7] . أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أبي طاهر قَالَ: أَخْبَرَنَا الجوهري قال: أخبرنا ابن حيوية قال:
أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحسين بن الفهم قال: أخبرنا محمد بن سعد قال: أخبرنا محمد بن عمر قَالَ: حدثني علي بْن عِيسَى الحكمي، عَنْ أبيه، عن عامر بن ربيعة قال: كان زيد بْن عمرو بْن نفيل يطلب الدّين، وكره النصرانية واليهودية، وعبادة الأوثان. والحجارة، وأظهر خلاف قومه واعتزل آلهتهم، وما كان يعَبْد آباؤهم ولا يأكل ذبائحهم. فَقَالَ لي: يا عامر، إني خالفت قومي واتبعت ملة إِبْرَاهِيم، وما كان يعَبْد ولده إسماعيل من بعده. فَقَالَ: وكانوا يصلون إِلَى هَذِهِ القبلة، وأنا انتظر نبيا من ولد إسماعيل يبعث، ولا أراني أدركه، فأنا أؤمن به، وأصدقه، وأشهد أنه نبي، فإن طالت بك مدة فرأيته، فأقرئه مني السَّلَامُ.
قَالَ عامر: فلما تنبأ [1] رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْلَمْتَ وأخبرته بقول زيد وأقرأته منه السلام، فردّ عليه رسول الله السلام، وترحم عَلَيْهِ، وَقَالَ: «قد [2] رأيته فِي الجنة يسحب ذيولا» [3] .
أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْفَقِيهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بن النقور قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ بْنُ هَارُونَ الضَّبِّيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ التمار وقال: أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عن أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ [4] قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو مرد في خَلْفَهُ، فَلَقِيَهُ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ فقال له رسول الله: «ما لي أَرَى قَوْمَكَ قَدْ سَبَقُوكَ؟» قَالَ: لأَنِّي أَرَاهُمْ على ضلال، فَخَرَجْتُ أَبْتَغِي [5] الدِّينَ، فَأَتَيْتُ عَلَى أَحْبَارِ يَثْرِبَ فَوَجَدْتُهُمْ يَعْبُدُونَ اللَّهَ وَيُشْرِكُونَ بِهِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا بِالدِّينِ الَّذِي [6] أَبْتَغِي فَخَرَجْتُ [حَتَّى أَحْبَارِ الشام، فَوَجَدْتُهُمْ يَعْبُدُونَ اللَّهَ وَيُشْرِكُونَ بِهِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا الَّذِي أَبْتَغِي مِنَ الدِّينِ فَخَرَجْتُ] [7] حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى أَحْبَارِ وَائِلَةَ فَوَجَدْتُهُمْ كَذَلِكَ، فَقَالَ لِي حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ أَهْلِ الشَّامِ: إِنَّكَ لتسأل عن دين ما نعلم أحدا يَعْبُدُ اللَّهَ بِهِ إِلا شَيْخًا بِالْحِيرَةِ [فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّكَ لَتَسْأَلُ عَنْ دِينٍ هُوَ دِينُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَدِينُ مَلائِكَتِهِ، وَإِنَّهُ خَرَجَ فِي زَمَانِكَ نَبِيٌّ- أَوْ خَارِجٌ-] [1] قَدْ خَرَجَ نَجْمُهُ، ارْجِعْ فَصَدِّقْهُ وَآمِنْ بِهِ. فَرَجَعْتُ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَزَيْدٌ: «يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَّةً وَحْدَهُ» [2] .
قَالَ أَبُو داود: وَحَدَّثَنَا يحيى بْن معين قَالَ: حَدَّثَنَا الحجاج بْن مُحَمَّد قَالَ: أَخْبَرَنَا المسعودي، عن نفيل بْن هشام بْن سَعِيد بْن زيد، عَنْ جده قَالَ:
خرج زيد بْن عمرو وورقة بْن نوفل يطلبان الدين، حَتَّى أتيا الشام فتنصر ورقة، ومضى زيد حتى انتهى إِلَى [3] الموصل، فمر عَلَى راهب فَقَالَ له الراهب: من أين أقبل صاحب البعير؟ قال: من بني إِبْرَاهِيم. قَالَ: وما الذي تطلب؟ قَالَ: الدين. قَالَ، الذي تطلب يوشك أن يظهر بأرضك، فعاد فسجد نحو الكعبة.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ [4] : وَأَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ:
أَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرٍو وَوَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلٍ ذَهَبَا نَحْوَ الشَّامِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَلْتَمِسَانِ الدِّينَ، فَأَتَيَا عَلَى رَاهِبٍ فَسَأَلاهُ عَنِ الدِّينِ فَقَالَ: إِنَّ الدِّينَ الَّذِي تَطْلُبَانِ لَمْ يَجِئْ بَعْدُ وَهَذَا زَمَانُهُ، فَإِنَّ الدِّينَ يَخْرُجُ مِنْ قِبَلِ تَيْمَاءَ، فَرَجَعَا، فَقَالَ وَرَقَةُ: أَمَّا أَنَا قَائِمٌ عَلَى نَصْرَانِيَّتِي حَتَّى يُبْعَثَ هَذَا الدِّينُ وَقَالَ زَيْدٌ: أَمَّا أَنَا فَأَعْبُدُ رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ حَتَّى يُبْعَثَ هَذَا الدِّينُ.
وَمَاتَ زَيْدٌ فَرَثَاهُ وَرَقَةُ فَقَالَ [5] :
رَشَدْتَ وَأَنْعَمْتَ ابْنَ عَمْرٍو وَإِنَّمَا ... تجنبت تنورا من النار حاميا
دعاءك رَبًّا لَيْسَ رَبٌّ كَمِثْلِهِ ... وَتَرْكُكَ أَوْثَانَ الطَّوَاغِي كَمَا هِيَا
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هشام، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قالت:لَقَدْ رَأَيْتُ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنَ نُفَيْلٍ قَائِمًا مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، مَا مِنْكُمُ الْيَوْمَ [أَحَدٌ] عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ غَيْرِي. وَكَانَ يُحْيِي الْمَوْءُودَةَ، يَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ ابْنَتَهُ: مَهْلا لا تَقْتُلْهَا، أَنَا أَكْفِيكَ مَئُونَتَهَا. فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا تَرَعْرَعَتْ قَالَ لأَبِيهَا: إِنْ شِئْتَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكَ، وَإِنْ شِئْتَ كَفَيْتُكَ مَئُونَتَهَا.
ومن شعر زيد بْن عمرو بْن نفيل حيث يقول [1] :
وأنت الذي من فضل من ورحمة ... بعثت إِلَى موسى رسولا مناديا
فقلت له: فاذهب وهارون فادعوا ... إِلَى اللَّه فرعون الذي كان طاغيا
وقولا له: أأنت أمسكت هَذِهِ ... بلا عمد أكرم بمن كان بانيا
وقولا له أأنت سويت هَذِهِ ... بلا وتد حَتَّى استقرت كما هيا
وقولا له من ينبت الحب فِي الثرى ... فتصبح منه البقل تهتز رابيا
[2] ومن شعره: [3]
وأسلمت وجهي لمن أسلمت ... له الأرض تحمل صخرا ثقالا
دحاها فلما رآها استوت ... عَلَى الماء أرسى عليها الجبالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت ... له الريح تصرف حالا فحالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت ... له المزن تحمل عذبا زلالا [4]
إذا هي سيقت إِلَى بلدة ... أناخت فصبت عليها سجالا







مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید