المنشورات

أمارات النبوة

قَالَ مؤلف الكتاب: ما زالت الأنبياء قبل ظهور نبيّنا صلى الله عليه وسلم وعلماء الكتب تعد به، حتى كانوا يقولون: قد قرب زمانه، وَفِي هَذَا الزمان [6] يظهر.
أخبرنا ابن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بْن مالك قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: أخبرنا أبي، عن ابن إسحاق قال: حدثني صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ سَلامَةَ بْنِ وَقْشٍ قَالَ:
كَانَ لَنَا جَارٌ مِنَ الْيَهُودِ [1] فِي بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ قَالَ: فَخَرَجَ عَلَيْنَا يَوْمًا مِنْ بَيْتِهِ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [بِيَسِيرٍ] [2] حَتَّى وَقَفَ عَلَى [مَجْلِسِ] [3] بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ- قَالَ سَلَمَةُ: وأنا يومئذ أحدث من فيه سِنًّا عَلَي بُرْدَةٍ مُضْطَجِعٌ فِيهَا بِفِنَاءِ أَهْلِي- فذكر البعث والقيامة والحساب والميزان والجنة وَالنَّارَ.
فَقَالَ: ذَلِكَ لِقَوْمٍ أَهْلُ شِرْكٍ وَأَصْحَابُ أَوْثَانٍ لا يَرَوْنَ أَنَّ الْبَعْثَ [كَائِنًا] [4] بَعْدَ الْمَوْتِ.
فَقَالُوا لَهُ: وَيْحَكَ يَا فُلانُ، تَرَى هَذَا كَائِنًا بِأَنَّ النَّاسَ يُبْعَثُونَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ إِلَى دَارٍ فِيهَا جَنَّةٌ وَنَارٌ يُجْزَوْنَ [فِيهَا] [5] بِأَعْمَالِهِمْ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَالَّذِي نَحْلِفُ بِهِ لَوَدَّ أَنَّ لَهُ بِحَظِّهِ مِنْ تِلْكَ النَّارِ أَعْظَمُ تَنُّورٍ فِي الدُّنْيَا [6] تُحْمُونَهُ ثُمَّ تُدْخِلُونَهُ إِيَّاهُ، فَتُطْبِقُونَهُ عَلَيْهِ، وَأَنْ تَنْجُوا مِنْ بَيْنِ [تِلْكَ] [7] النَّارِ غَدَاً. قَالُوا لَهُ: وَيْحَكَ وَمَا آَيَةُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَبِيٌّ يُبْعَثُ مِنْ نَحْوِ هَذِهِ البلاد.
وأشار بيده نَحْوَ مَكَّةَ وَالْيَمَنِ. قَالُوا: وَمَتَى نَرَاهُ؟ قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيَّ وَأَنَا أَحْدَثُهُمْ سِنًّا فَقَالَ:
إِنْ يَسْتَنْفِذْ هَذَا الْغُلامُ عُمْرَهُ يُدْرِكْهُ. قَالَ سَلَمَةُ: فو الله مَا ذَهَبَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ [8] رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ حَيٌّ بَيْنَ أَظْهُرِنَا فَآَمَنَّا بِهِ وَكَفَرَ بِهِ بَغْيًا وَحَسَدًا. فَقُلْنَا:
وَيْلَكَ يَا فُلانُ، ألست الّذي قُلْتَ لَنَا فِيهِ مَا قُلْتَ؟ قَالَ: بَلَى وَلَيْسَ بِهِ [9] .
أَنْبَأَنَا عَبْد الوهاب بْن المبارك قال: أخبرنا عاصم بن الحسين قال: أخبرنا أَبُو الحسين بْن بشران قَالَ: أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَد الدَّقَّاقُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو الحسن بن البراء قَالَ، أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ غَانِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن إِسْحَاق، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ [1] قَالَ:
إِنَّ مِمَّا دَعَانَا إِلَى الإِسْلامِ مَعَ رَحْمَةِ اللَّهِ إِيَّانَا وَهُدَاهُ لَمَا كُنَّا نَسْمَعُ مِنْ يَهُودٍ، كُنَّا أَهْلَ شِرْكٍ أَصْحَابَ أَوْثَانٍ، وَكَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ عِنْدَهُمْ [2] عِلْمٌ لَيْسَ عِنْدَنَا، وَكَانَتْ لا تَزَالُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ شُرُورٌ، فَإِذَا نِلْنَا مِنْهُمْ بَعْضَ مَا يَكْرَهُونَ قَالُوا لَنَا: إِنَّهُ قَدْ تَقَارَبَ زَمَانُ نَبِيٍّ يبعث [3] الآن نتبعه، فَنَقْتُلَكُمْ مَعَهُ قَتْلَ عَادٍ وَإِرَمَ، وَكُنَّا كَثِيرًا مَا نَسْمَعُ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رَسُولَهُ أَجَبْنَاهُ حِينَ دَعَانَا إِلَى اللَّهِ، وَعَرَفْنَا مَا كَانُوا يَتَوَاعَدُونَا، فَبَادَرْنَاهُمْ إِلَيْهِ، وَآَمَنَّا بِهِ، وَكَفُروا، فَفِينَا وَفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَاتُ، وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ 2: 89 إلى قوله، فَلَعْنَةُ الله عَلَى الْكافِرِينَ 2: 89 [4] .
وعن عاصم عَنْ شيخ من بني قريظة قَالَ: قَالَ لي: هل تدرون عما كان إسلام ثعلبة بْن سَعِيد وأسيد بْن سَعِيد، وأسد بْن عبيد، نفر من بني ذهل أخوة بني قريظة، كانوا معهم فِي جاهليتهم ثُمَّ كانوا ساداتهم فِي الإسلام. قَالَ، قلت: لا أدري. قَالَ:
فإن رجلا من يهود من أهل الشام يقال له: ابن الهيبان، قدم علينا قبل الإسلام بسنين، فحل بين أظهرنا، لا والله ما رأينا رجلا قط كان يصلي الخمس أفضل منه، فأقام عندنا، فكنا إذا قحط عنا المطر قلنا لَهُ: أخرج يا بن الهيبان فاستسق لنا. فيقول: لا والله حَتَّى تقدموا بين يدي مخرجكم صدقة [فنقول له: كم؟ فيقول:] [5] صاعا من تمر أو مدين من شعير. قَالَ: فيخرج ذلك [6] ، ثم يخرج بنا إلى ظاهر حرتنا فيستسقي لنا، فو الله ما يبرح مجلسه حَتَّى يمر السحاب ويسقى، قد فعل ذلك غير مرة، ولا مرتين، ولا ثلاثا. قَالَ:
ثم حضرته الوفاة عندنا، فلما عرف أنه ميت قَالَ، يا معشر يهود ما ترونه أخرجني من أرض الخمر والخمير إِلَى أرض الجوع والبؤس؟ قَالَ: قلنا: أنت أعلم. قَالَ: فإني إنما قدمت هَذِهِ البلدة أتوكف خروج نبي قد أظلكم [زمانه، هَذِهِ البلدة مهاجره، فكنت أرجو أن يبعث فأتبعه وقد أظلكم] [1] زمانه فلا يسبقنكم أحد إليه [2] يا معشر اليهود، فإنه يبعث يسفك الدماء، ويسبي الذراري والنساء، ممن خالفه فلا يمنعنكم ذلك منه. فلما بعث اللَّه رسوله وحاصر بني قريظة قَالَ هَؤُلاءِ الفتية وكانوا شبابا أحداثا: يا بني قريظة، والله إنه النَّبِيّ الذي عهد إليكم فيه ابن الهيبان. قالوا: ليس به. قالوا: بلى والله إنه لهو بصفته.
فنزلوا فأسلموا فأحرزوا دماءهم وأموالهم وأهاليهم.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید