المنشورات
إلقاء رؤسائهم في القليب
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الدَّاوُدِيُّ، قَالَ: أخبرنا الفربري، قال: أخبرنا البخاري، قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ رَوْحَ بْنَ عُبَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عُرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذكر لَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلا مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ فَقُذِفُوا فِي طُوًى مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ خَبِيثٍ مُخَبَّثٍ، وَكَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ أَقَامَ بِالْعَرَصَةِ ثَلاثَ لَيَالٍ، فَلَمَّا كَانَ بِبَدْرٍ الْيَوْمَ الثَّالِثَ أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَشَدَّ عَلَيْهَا رَحْلَهَا ثُمَّ مَشَى وَاتَّبَعَهُ أَصْحَابُهُ، وَقَالُوا: مَا نَرَى يَنْطَلِقُ إِلا لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، حَتَّى قَامَ عَلَى شفة الرّكيّ [2] ، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم: «يا فُلانِ بْنِ فُلانٍ، وَيَا فُلانَ بْنَ فُلانٍ [3] ، أَيَسُّرُّكُمْ أَنَّكُمْ أَطَعْتُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟ فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا، فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقًّا» ؟ فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ لا أَرْوَاحَ فِيهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ» . قَالَ قَتَادَةُ: أَحْيَاهُمُ اللَّهُ حَتَّى أَسْمَعَهُمْ قَوْلَهُ، تَوْبِيخًا وَتَصْغِيرًا وَنِقْمَةً وحسرة وندما.
أخرجاه في الصحيحين [4] .
وروى ابن إسحاق: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمر [أن] [1] يلقوا في القليب، أخذ عتبة بن ربيعة فسحب إلى القليب، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجه أبي حذيفة بن عتبة فإذا هو كئيب قد تغير، فقال: «يا حذيفة لعلك دخلك من شأن أبيك شيء» قال: لا والله يا نبي الله، ولكن كنت أعرف من أبي رأيا وحلما وفضلا، فكنت أرجو أن يهديه ذلك إلى الإسلام، فلما رأيت ما أصابه، وذكرت ما مات عليه من الكفر أحزنني ذلك، فدعا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ بخير ثم أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أمر بما في العسكر فجمع، فقال من جمعه:
هو لنا، قد كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفل كل امرئ ما أصاب، وقال الذين قاتلوا: لولا نحن ما أصبتموه [نحن أحق به] [2] ، وقال الذين يحرسون رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ما أنتم بأحق منا.
قال عبادة بن الصامت: فلما اختلفنا في النفل نزعه الله عز وجل من أيدينا، فجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين على السواء.
قال ابن حبيب: وتنفل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا الفقار، وكان لنبيه بن الحجاج، وغنم جمل أبي جهل، فكان يغزو عليه وكان يضرب في لقاحه
. فصل
ثم بعث [3] رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الفتح [4] عبد الله بن رواحة بشيرا إلى أهل العالية بما فتح الله على رسوله صلّى الله عليه وسلّم [وعلى المسلمين] [5] ، وبعث زيد بن حارثة إلى أهل السافلة.
قال أسامة بن زيد: فأتانا الخبر حين سوينا [التراب] على رقية بنت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم التي كانت عند عثمان بن عفان، وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفني عليها مع عثمان.
فأتيت أبي وهو واقف بالمصلى [1] قد غشيه الناس، وهو يقول: قتل عتبة، وشيبة، وأبو جهل، وأبو البختري [2] ، وأمية بن خلف، ونبيه، ومنبه ابنا الحجاج ( [3] ، فقلت: يا أبه [4] أحق هذا؟ قال: نعم والله يا بني.
ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا إلى المدينة: [فاحتمل معه النفل الذي أصيب من المشركين، وجعل على النفل عبد الله بن كعب بن زيد بن عوف ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا خرج من مضيق الصفراء] [5] ، نزل على كثيب في طريقه، فقسم النفل.
ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم [6] فلقيه المسلمون بالروحاء يهنئونه بما فتح الله عليه، فقال رَجُل [7] : وما الذي تهنئون به، فو الله إن لقينا إلا عجائز ضلعا كالبدن المعقلة، فنحرناها، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: «لا يا ابن أخي أولئك الملأ» [8] . وكان مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأسارى [من المشركين] [9] وهم أربعة وأربعون [10] .
فلما كان بالصفراء أمر عليا بقتل النضر بن الحارث، [11] حتى إذا كان بعرق الظبية [12] ، قتل عقبة بن أبي معيط، فقال حين أمر به أن يقتل: فمن للصبية يا محمد، قال: النار، قال: فقتله عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح.
وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة قبل/ الأسرى بيوم، وقال: «استوصوا بالأسرى خيرا» . فكان أبو عزيز بن عمير بن هاشم، أخو مصعب بن عمير، [فقال أبو عزيز: مر بي أخي مصعب بن عمير] [1] ورجل من الأنصار يأسرني، فقال له: شد يديك به، فإن أمه ذات متاع، لعلها أن تفتديه منك. وكنت فِي رهط من الأنصار، فكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم خصوني بالخبز، وأكلوا التمر لوصية رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياهم بنا، ما يقع في يد رجل منهم كسرة من الخبز إلا نفحني بها، فأستحي فأردها فيردها علي ما يمسها [2]
. فصل
قال ابن إسحاق [3] : وكان أول من قدم مكة بمصاب قريش الحيسمان بن عبد الله بن إياس الخزاعي.
وقال أَبُو رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [4] : كُنْتُ غُلامًا لِلْعَبَّاسِ [بْنِ عَبْدِ المطلب] [5] ، وكان الإسلام قد دخلنا أهل البيت، وأسلمت أم الفضل، وأسلمت، وكان العباس يهاب قومه، ويكره أن يخالفهم، [وكان يكتم] إسلامه، وكان ذا مال كثير متفرق. فلما جاء الخبر عن مصاب أهل بدر [من قريش] [6] وجدنا في أنفسنا قوة وعزّا، فو الله إني لجالس في حجرة زمزم أنحت القداح، وعندي أم الفضل جالسة، وقد سرنا ما جاءنا من الخبر، إذ أقبل أبو لهب يجر رجليه بشر، فجلس، فأقبل أبو سفيان بن الحارث، فقال له أبو لهب: هلم إلي يا ابن أخي، فعندك الخبر، فأقبل فجلس إِلَيْهِ، فقال: أخبرني كيف كان أمر الناس، قال: لا شيء، والله إن كان إلا لقيناهم، فمنحناهم أكتافنا، يقتلون ويأسرون كيف شاءوا، وأيم الله مع ذلك ما لمت الناس، لقينا رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والأرض، ما [تليق شيئا، ولا] [1] يقوم لها شيء.
قال أبو رافع: فقلت: فتلك الملائكة، فرفع أبو لهب يده فضرب وجهي ضربة شديدة، فثاورته، فاحتملني، فضرب بي الأرض ثم برك علي يضربني، فقامت أم الفضل إلى عمود فضربته به ضربة شجته، وقالت: تستضعفه إن/ غاب عنه سيده، فقام موليا ذليلا، فو الله ما عاش إلا سبع ليال حتى مات.
قال ابن إسحاق [2] : وحدثني يحيى بن عباد، عن أبيه، قال: ناحت قريش على قتلاهم، ثم قالوا: لا تفعلوا ذلك فيبلغ محمدا وأصحابه فيشمتوا [3] بنا، ولا تبعثوا في فداء الأسارى حتى تستأنوا [4] بهم لئلا يشتط عليكم في الفداء [5] .
وكان الأسود بن عبد يغوث [6] قد أصيب له ثلاثة من ولده: زمعة، وعقيل، والحارث [7] ، وكان يحب أن يبكي [على] [8] بنيه، فسمع نائحة في الليل، فقال لغلامه: انظر هل أحل النحيب؟ هل بكت قريش على قتلاها لعلي أبكي على زمعة، فإن جوفي قد احترق. فقال الغلام: إنما هي امرأة على بعير [9] لها قد أضلته.
وخرج مطلب بن وداعة بفداء أبيه، فأخذه بأربعة آلاف درهم [10] .
ثم خرج مكرز بن حفص في فداء سهيل بن عمرو، فلما انتهى إلى رضاهم في الفداء، قالوا: هات، قال: ضعوا رجلي مكانه وخلوا سبيله يبعث إليكم بالفداء [1] .
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للعباس [2] : افد نفسك وابني أخيك عقيل بن أبي طالب، ونوفل بن الحارث، وحليفك عتبة بن عمرو، فإنك ذو مال. فقال: [يا رسول الله] [3] إني كنت مسلما ولكن القوم استكرهوني، فقال: الله أعلم بإسلامك إن يكن ما ذكرت حقا فاللَّه يجزيك به، فأما ظاهر أمرك فقد كان علينا، وكان معه عشرون أوقية حين أخذ [4] ، فقال: احسبها لي في فدائي، قال: لا، ذاك شيء أعطاناه الله عز وجل منك، قال: فليس لي مال، قال: فأين المال الذي وضعته بمكة حيث خرجت من عند أم الفضل، ليس معكما [5] أحد. ثم قلت لها: إن أصبت في سفري هذا فللفضل كذا وكذا، ولعبد الله كذا وكذا، ولقثم كذا وكذا، ولعبيد الله كذا وكذا، قال: والذي بعثك بالحق ما علم بهذا أحد غيري وغيرها، وإني أعلم أنك رسول الله حقا، ففدى/ نفسه وابني أخيه [6] وحليفه.
وكان في الأسارى أبو العاص بن الربيع، زوج زينب، وكانت زينب قد آمنت برسول الله، فأقام أبو العاص على شركه معها، فخرج يوم بدر فأسر، فبعثت زينب في فدائه بقلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص، حين بنى بها، فلما رآها رسول الله رق لها رقة شديدة، وقال: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها، وتردوا عليها الذي لها فافعلوا، فقالوا: نعم يا رسول الله، فأطلقوه، وردوا عليها ذلك. وكان قد شرط لرسول الله أن يخلي سبيل زينب إليه، فقدم أبو العاص مكة، وأمر زينب باللحوق برسول الله، فتجهزت وقدم إليها حموها كنانة بن الربيع وزوجها بعيرا فركبته، وأخذ قوسه وكنانته، وخرج بها نهارا يقود بها، وهي في الهودج، فتحدث بذلك رجال قريش، فخرجوا في طلبها فأدركوها بذي طوى، فأول من سبق إليها هبّار بن الأسود بالرمح، وكانت حاملا، فألقت حملها، ونزل حموها فنثر كنانته، وقال، والله لا يدنو مني رجل إلا وضعت فيه سهما، فرجع الناس عنه، فجاء أبو سفيان، فقال ويحك قد عرفت مصيبتنا ثم خرجت بالمرأة علانية، فيظن الناس إن ذلك عن ذل منا، ولعمري ما لنا حاجة فِي حبسها عن أبيها، ولكن ردها، فإذا هدأ الصوت، وتحدث الناس أنا قد رددناها، فسلها سرا فألحقها بأبيها، ففعل وأقام أبو العاص بن الربيع بمكة، وزينب عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة، قد فرق بينهما الإسلام، حتى إذا كان قبيل الفتح، خرج أبو العاص تاجرا، فلما لحقته سرية لرسول الله، فأصابوا ما معه وهرب، فأقبل تحت الليل حتى دخل على زينب فاستجار بها، فلما خرج رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم إلى الصبح صاحت زينب: أيها الناس إني قد/ أجرت أبا العاص بن الربيع، فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، أقبل عليهم، فقال: هل سمعتم ما سمعت، قالوا: نعم، قَالَ: والذي نفسي بيده ما علمت بشيء كان حتى سمعت منه ما سمعتم، إنه يجير على المسلمين أدناهم. ثم دخل على ابنته، فقال: أي بنية أكرمي مثواه، ولا يخلص إليك، فإنك لا تحلين له.
وقال للسرية التي أصابت ماله: إن تحسنوا تردوا عليه، وإن أبيتم فهو فيء، وأنتم أحق بِهِ، قالوا: بل نرده فردوه.
ثم ذهب إلى مكة فرد ما للناس عنده من مال، ثم قال: يا معشر قريش، هل بقي لأحد منكم عندي مال، قالوا: لا، قال: فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وأن محمدا عبده ورسوله، والله ما منعني من الإسلام إلا خوفا أن تظنوا أني إنما أردت أن آكل أموالكم، ثم خرج فقدم عَلَى رسول الله [1] .
قال ابن عباس: فرد رسول الله زينب بالنكاح الأول، لم يحدث شيئا بعد ست سنين ( [2] .
وفي رواية أخرى ردها بنكاح جديد.
قال ابن إسحاق [3] : وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة، قال: جلس عمير بن وهب الجمحي مع صفوان بن أمية بعد مصاب أهل بدر من قريش بيسير، وهو في الحجر، وكان عمير شيطانا من شياطين قريش، وكان يؤذي رسول الله وأصحابه، وكان ابنه وهيب بن عمير في أسارى بدر، فذكر أصحاب القليب ومصابهم، فقال صفوان: والله إن ليس في العيش خير بعدهم، فقال له عمير: صدقت والله أما والله لولا دين علي ليس عندي قضاؤه، وعيال أخشى عليهن الضيعة لركبت إلى محمد حتى أقتله، فإن لي قبلهم علة ابني أسير في أيديهم.
فقال صفوان: فعلي دينك أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيالي أسوتهم ما بقوا، قال عمير: فاكتم علي شأني وشأنك، قال افعل.
ثم إن عميرا أمر بسيفه فشحذ له وسم، ثم انطلق حتى قدم المدينة، فرآه/ عمر قد أناخ بعيره على باب المسجد متوشحا السيف، فقال: هذا عدو الله عمير ما جاء إلا لشر، وهو الَّذِي حرش بيننا، وحزرنا للقوم يوم بدر، ثم دخل عمر على رسول الله، فقال: يا نبي الله، هذا عدو الله عمير، قد جاء متوشحا، قال: فأدخله علي.
قال: فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه، قال: أرسله يا عمر، أدن يا عمير، فدنا ثم قَالَ: أنعموا صباحا، وكانت تحية أهل الجاهلية بينهم، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قد أكرمنا الله بتحية خيرا من تحيتك يا عمير، بالسلام، تحية أهل الجنة، ما جاء بك يا عمير» ؟ قال: جئت لفداء الأسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه، قال: فما بال السيف في عنقك قال: قبحها اللَّه من سيوف، وهل أغنت عنا شيئا، قال: أصدقني بالذي جئت له، قال: ما جئت له، قال: ما جئت إلا لذلك، قال: بلى، قعدت أنت وصاحبك صفوان بن أمية في الحجر، فذكرت ما أصاب أصحاب القليب من قريش، ثم قلت: لولا دين علي وعلي عيال لخرجت حتى أقتل محمدا، فتحمل لك صفوان بدينك وعيالك على أن تقتلني، والله عز وجل حائل بيني وبينك.
فقال عمير: أشهد أنك رسول الله، قد كنا نكذبك، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، فو الله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله، فالحمد للَّه الذي هداني للإسلام، وساقني هذا المساق. ثم تشهد شهادة الحق، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فقهوا أخاكم في دينه، وعلموه القرآن، واطلقوا له أسيره.
ففعلوا، ثم قال يا رسول الله، إني كنت جاهدا في إطفاء نور الله، شديد الأذى لمن كان على دين الله، وإني أحب أن تأذن لي فأقدم مكة فأدعوهم إلى الله وإلى الإسلام، لعل الله أن يهديهم، وإلا آذيتهم في دينهم كما كنت أوذي أصحابك في دينهم.
فأذن لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلحق بمكة، وكان صفوان حين خرج عمير بن وهب يقول لقريش: أبشروا بوقعة تأتيكم الآن في أيام/ تنسيكم وقعة بدر. وكان صفوان يسأل عنه الركبان حتى قدم راكب فأخبره بإسلامه، فحلف أن لا يكلمه أبدا، ولا ينفعه بنفع أبدا، فلما قدم مكة أقام بها يدعو إلى الإسلام، ويؤذي من خالفه، فأسلم على يديه ناس كثير
مصادر و المراجع :
١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك
المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
(المتوفى: 597هـ)
18 ديسمبر 2023
تعليقات (0)