المنشورات

غزوة أحد

ومن الحوادث في هذه السنة: غزاة أحد. وكانت يوم السبت لسبع خلون من شوال، وكان سببها أنه لما رجع من حضر بدرا من المشركين إلى مكة وجدوا العير التي قدم بها أبو سُفْيَان موقوفة في دار الندوة، فمشت أشراف قريش إلى أبي سفيان، فقالوا:نحن طيبوا الأنفس بأن تجهز بربح هذه العير جيشا إلى محمد، فقال أبو سفيان: أنا أول من أجاب إلى ذلك، وبنو عبد مناف معي، فباعوها فصارت ذهبا، وكانت ألف بعير، وكان المال خمسين ألف دينار، فسلم إلى أهل العير رءوس أموالهم، وعزلت الأرباح، وبعثوا الرسل إلى العرب يستنصرونهم، وأجمعوا على إخراج الظعن [1] معهم ليذكرنهم قتلى بدر [فيحفظنهم] [2] فيكون أجد لهم في القتال.
وكتب العباس بن عبد المطلب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبرهم، فخرجت قريش ومعهم أبو عامر الراهب، وكان عددهم ثلاثة آلاف فيهم سبعمائة دارع، ومعهم مائتا فرس وثلاثة آلاف بعير، وكانت الظعن خمسة عشرة امرأة، فساروا حتى نزلوا ذا الحليفة فأقاموا يوم الأربعاء والخميس والجمعة، وبات سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وأسيد بن حضير بباب رسول/ الله صلى الله عليه وسلم فِي عدة من الناس، وحرست المدينة، ورأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأنه في درع حصينة، وكأن سيفه ذا الفقار قد انفصم، وكأن بقرا تذبح، وكأنه مردف كبشا، [فأولها] [3] فقال: أما الدرع فالمدينة، والبقر قتل في أصحابي، وانقصام سيفي مصيبة في نفسي، والكبش كبش الكتيبة نقتله إن شاء اللَّه، وكان رأيه صلى الله عليه وسلم أن لا يخرج من المدينة، وكان ذلك رأي الأكابر من أصحابه، وطلب فتيان أحداث لم يشهدوا بدرا أن يخرجوا حرصا على الشهادة فغلبوا على الأمر، فصلى الجمعة ثم وعظهم وأمرهم بالجد والجهاد، ثم صلى العصر، ثم دخل بيته ومعه أبو بكر، وعمر فعمماه ولبساه وصف الناس له، فخرج صلى الله عليه وسلم قد لبس لأمته وأظهر الدرع، وحزم وسطها بمنطقة من أدم واعتم، وتقلد السيف، وألقى الترس في ظهره، فندموا جميعا على ما صنعوا، وقالوا: ما كَانَ لنا أن نخالفك فاصنع ما بدا لك، فقال: صلى الله عليه وسلم لا ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين أعدائه فامضوا على اسم الله، فلكم النصر إن صبرتم [4] .
فعقد ثلاثة ألوية، فدفع لواء الأوس إلى أسيد بن حضير، ولواء الخزرج إلى الحباب، وقيل: إلى سعد بن عبادة، ولواء المهاجرين إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقيل: إلى مصعب بْن عمير، واستخلف عبد الله بن أم مكتوم على المدينة، ثم ركب صلى الله عليه وسلم فرسه، وتقلد قوسه، وأخذ قناة في يده، وفي المسلمين مائة دارع، وخرج السعدان أمامه: سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، والناس على يمينه وشماله، وعرض من عرض، ورد من رد، وكان فيمن رد: ابن عمر، وزيد بن ثابت [1] ، وأسيد بن ظهير، والبراء بن عازب، وعرابة بن أوس [2] ، وهو [3] الذي قال فيه الشماخ حيث يقول/: [4]
رأيت عرابة الأوسي يسمو ... إلى الخيرات منقطع القرين
إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقاها عرابة باليمين
وأذن بلال المغرب، فصلى بأصحابه واستعمل على الحرس تلك الليلة محمد بن مسلمة في خمسين [رجلا] [5] يطوفون بالعسكر. وبات بالشيخين اطمأن في طرق المدينة، وكان يهودي ويهودية أعميان يقومان عليهما فسميا بالشيخين لذلك، وأدلج رسول الله صلى الله عليه وسلم في السحر، فصلى بأصحابه الصبح وانخزل ابن أبيّ في ثلاثمائة [6] وكان رأيه أن لا يخرج من المدينة فقال: عصاني وأطاع الولدان، فبقي رسول الله في سبعمائة، وأقبل يسوي الصفوف، وجعل أحدا وراء ظهره واستقبل المدينة، وجعل عينين- جبلا بقناة- عن يساره، وجعل عليه خمسين من الرماة، عليهم ابن جبير، واستعمل المشركون [على ميمنتهم] [7] خالد بن الوليد، وعلى الميسرة عكرمة بْن أبي جهل، وعلى الخيل صفوان بن أمية، وقيل عمرو بن العاص، وعلى الرماة عبد الله بن أَبِي ربيعة، وكانوا مائة رام، وقال أبو سفيان بن حرب لبني عبد الدار يومئذ: إنكم أضعتم اللواء يوم بدر، فأصابنا ما رأيتم، فادفعوا إلينا اللواء نكفيكم، وإنما أراد تحريضهم عَلَى الثبات، فغضبوا وأغلظوا له القول، ودفعوا اللواء إلى طلحة بن أبي طلحة، وحضرت الملائكة ولم تقاتل، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفا، وقال: من يأخذ هذا السيف بحقه، قال أبو دجانه: وما حقه؟ قال: أن تضرب به في العدو حتى ينحني، قال: أنا. فأخذه وجعل يتبختر في الصفين، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن» . وكان أول من أنشب الحرب أبو عامر الراهب، طلع في خمسين من قومه، فنادى: أنا أبو عامر/ فقال المسلمون: لا مرحبا بك، فتراموا بالحجارة حتى ولى أبو عامر، وجعل نساء المشركين يضربن بالدفوف والأكبار، ويحرضن ويقلن:
نحن بنات طارق ... نمشي على النمارق
إن تقبلوا نعانق ... أو تدبروا نفارق
فراق غير وامق [1]
فصاح طلحة من يبارز، فبرز إليه علي بن أبي طالب فضربه على رأسه [حتى] [2] فلق هامته- وهو كبش الكتيبة- فسر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبر المسلمون، ثم شدوا على المشركين، وحمل لواءهم أخوه عثمان بن أبي طلحة، فضربه حمزة بالسيف، فقطع يده [3] ، ثم حمله أبو سعد بن أبي طلحة [فرماه سعد بن أبي وقاص فقتله، فحمله مسافع بن طلحة] [4] فرماه عاصم فقتله، [ثم حمله الحارث بْن طلحة فرماه عاصم فقتله] [5] ثم حمله كلاب بن طلحة فقتله الزبير، ثم حمله الجلاس بن طلحة فقتله طلحة بن عبيد الله، ثم حمله أرطأة بن شرحبيل فقتله علي رضي الله عنه، ثم حمله شريح بن فارط، فقتله بعض المسلمين، ثم حمله صؤاب غلام لهم، فقتله بعض المسلمين [1] .
فلما قتل أصحاب اللواء انكشف المشركون منهزمين ونساؤهم يدعون بالويل، وتبعهم المسلمون يضعون فيهم السلاح، ووقعوا ينتهبون العسكر ويأخذون الغنائم.
فلما رأى الرماة ذلك أقبل جماعة منهم وخلوا الجبل، فنظر خالد بن الوليد إلى خلاء الجبل وقلة أهله فكر بالخيل، وتبعه عكرمة فحملوا على من بقي من الرماة فقتلوهم، وقتلوا أميرهم عَبْد اللَّه بن جبير وانتقضت صفوف المسلمين، ونادى إبليس: قتل محمد، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في عصابة من الصحابة أربعة عشر فيهم أبو بكر فأصيبت رباعيته وكلم في وجهه.
وفي الّذي فعل به ذلك قولان: أحدها أنه عتبة بن أبي وقاص، قال سعد بن أبي وقاص: كنت حريصا على قتل عتبة، فكفاني منه قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اشتد غضب الله على من دمى وجه رسوله» . الثاني: أنه ابن قميئة فإنه علا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف، فضربه على شقة الأيمن فاتقاها طلحة بيده فشلت يده.
قال السدي [2] : وابن قميئة هو الذي رمى وجه رسول الله بحجر، فكسر أنفه ورباعيته وشجه في وجهه.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ حَيْوَيْهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْفَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سعيد، عن أبي بشر الْمَازِنِيُّ، قَالَ:
حَضَرْتُ يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا غُلامٌ فَرَأَيْتُ ابْنَ قَمِيئَةٍ عَلا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم بالسيف، فرأيت
رسول الله وَقَعَ عَلَى كَتِفَيْهِ فِي حُفْرَةٍ أَمَامَهُ حَتَّى توارى، فجعلت أَصِيحُ وَأَنَا غُلامٌ حِينَ رَأَيْتُ النَّاسَ ثَابُوا إِلَيْهِ، فَأَنْظُرُ إِلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، أَخَذَ يَحْضُنُهُ حَتَّى قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1] .
أخبرنا أبو منصور عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيم بْنُ مخلد، قال: أخبرنا محمد بن إبراهيم الحكيمي، قال: حدّثنا الفتح ابن شخرف، قال: سَمِعْتُ محمد بن خلف العسقلاني، قال: سمعت محمد بن يوسف الفريابي يقول:
لقد بلغني أن الذين كسروا رباعية رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يولد لهم صبي فثبت له رباعية.
قال علماء السير: وترس أبو دجانة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، وكانت النبل تقع في ظهره وهو منحن عليه.
ومر أنس بن النضر على عمر وطلحة في رجال من المهاجرين والأنصار وهم جلوس، فقال: ما يجلسكم؟ قالوا: أقتل رسول الله، قال: فما تصنعون بالحياة قوموا فموتوا على ما مات عليه، ثم تقدم فقاتل حتى قتل.
[قال المصنف رحمه الله] [2] وكان أربعة نفر قد تحالفوا وتعاقدوا يوم أحد: لئن رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتلنه أو ليقتلن دونه عمرو بن قميئة، وأبي بن خلف، وعبد الله بن شهاب، وعتبة/ بْن أبي وقاص.
وكان أبي قد قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّمَ: لأقتلنك، فلما طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن صاح الشيطان: قتل محمد، رآه أبي، فقال: لا نجوت إن نجوت، فقالت الصحابة: أيعطف عليه أحدنا، فقال: دعوه، فرماه رسول الله صلى الله عليه وسلم بحربة، فكسرت ضلعا من أضلاعه.
أَنْبَأَنَا الحسين بن محمد بن عبد الوهاب، قال: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٌ الْمُخَلِّصُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنُ دَاوِدَ الطُّوسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بكار، قال:
قُتِلَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ بِبَدْرٍ، وَكَانَ أَخُوهُ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ قَدْ أُسِرَ يَوْمَئِذٍ، فَلَمَّا فُدِيَ، قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ عِنْدِي فَرَسًا أَعْلِفُهُ كُلَّ يَوْمٍ فِرَقًا مِنْ ذُرَةٍ أَقْتُلُكَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أنا أقتلك عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَانْحَازُ الْمُسْلِمُونَ إِلَى شِعْبِ أُحُدٍ بَصُرَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمَلَ عَلَيْهِ فَشَدَّ عَلَيْهِ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَمَعَ الزُّبَيْرِ الْحَرْبَةُ، فَأَخَذَهَا مِنْهُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لِلزُّبَيْرِ: دَعْهُ وَشَدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَعَنَهُ بِهَا، فَدَقَّ تَرْقُوَتَهُ، وَخَرَّ صَرِيعًا، وَأَدْرَكَهُ الْمُشْرِكُونَ، فَارْتَثَوْهُ وَلَهُ خُوَارٌ، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: مَا بِكَ بَأْسٌ، فَيَقُولُ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ: أنا أَقْتُلُكَ، فَحَمَلُوهُ حَتَّى مَاتَ بِمَرِّ الظُّهْرَانِ عَلَى أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ.
قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ: وَعَلَى هَذَا جَمِيعُ أَهْلِ التَّارِيخِ أَنَّ الَّذِي قَتَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ، وَأَنَّ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ.
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ قَالَ لأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إنه قَاتِلُكَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ، فَلَمَّا سَارَ النَّاسُ إِلَى بَدْرٍ أَرَادَ أَنْ لا يَخْرُجَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: إِنَّكَ مِنْ أَشْرَافِ الْوَادِي فَسِرْ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ، فَسَارَ حَتَّى قَتَلَهُ اللَّهُ بِبَدْرٍ. فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَ أُمَيَّةَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَتَلَ أُبَيًّا يَوْمَ أُحُدٍ، وَيُحْتَمَلُ/ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ: «إِنَّهُ قَاتِلُكَ» أَيْ بِقَتْلِكَ أَصْحَابِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا كَيْفَ قَتَلَهُ الصَّحَابَةُ.
قال علماء السير: كان اللواء مع مصعب بن عمير، فقتل فأخذ اللواء ملك في صورته.
فَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، قال: أخبرنا ابن حيوية، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ سَعْدٍ النَّوْفَلِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْن ربيعة بْن الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ: أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ اللِّوَاءَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقُتِلَ مُصْعَبٌ، فَأَخَذَهُ مَلَكٌ فِي صُورَةِ مُصْعَبٍ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهُ فِي آخر النهار: « [تقدّم] [1] يا مُصْعَبٌ» ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الْمَلَكُ، فَقَالَ: لَسْتُ بِمُصْعَبٍ، فَعَرِفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَلَكٌ أُيِّدَ بِهِ [1] . قال علماء السير: قتل يومئذ حمزة، وأصيبت عين قتادة بن النعمان، فوقعت على وجنته، فجاء بها إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فردها بيده، فكانت أحسن عينيه.
قال مؤلف الكتاب: وكان ممن جرح فقاتل حميئة، ومات وهو معدود من المنافقين.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عازب، قال [2] : جعل رسول الله عَلَى الرُّمَاةِ يَوْمَ أُحُدٍ- وَكَانُوا خَمْسِينَ رَجُلا- عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ، قَالَ: وَوَضَعَهُمْ مَوْضِعًا وَقَالَ: إِنْ رَأَيْتُمُونَا تَخْطَفُنَا الطَّيْرُ فَلا تَبْرَحُوا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا ظَهَرْنَا عَلَى الْقَوْمِ وَأَوْطَأْنَاهُمْ فَلا تَبْرَحُوا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ، قَالَ:
فَهَزَمُوهُمْ، قَالَ: وَأَنَا وَاللَّهِ رَأَيْتُ النِّسَاءَ يَشْتَدِدْنَ عَلَى الْخَيْلِ وَقَدْ بَدَتْ أَسْوَاقُهُنَّ وَخَلاخِيلُهُنَّ، رَافِعَاتٍ ثِيَابَهُنَّ، فَقَالَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُبَيْرٍ: الْغَنِيمَةَ أَيْ قَوْمٌ الْغَنِيمَةَ، ظَهَرَ أَصْحَابُكُمْ فَمَا تَنْظِرُونَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَيْرٍ: أَنَسِيتُمْ مَا قَالَ لَكُمْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: إِنَّا وَاللَّهِ لَنَأْتِيَنَّ النَّاسَ فَلَنُصِيبَنَّ مِنَ الْغَنِيمَةِ، فَلَمَّا أَتَوْهُمْ صُرِفَتْ/ وُجُوهُهُمْ، فَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ في أُخْراكُمْ 3: 153 [3] . فَلَمْ يَبْقَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلا، فَأَصَابُوا مِنَّا سَبْعِينَ رَجُلا.
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَصَابَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعِينَ وَمِائَةً وَسَبْعِينَ أَسِيرًا وَسَبْعِينَ قَتِيلا، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ [4] : أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ ثَلاثًا، قَالَ: فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجِيبُوهُ، ثُمَّ قَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ أَفِي الَقْوُمِ ابْنُ الْخَطَّابِ؟ فَقَالَ: أَمَّا هَؤُلاءِ فَقَدْ قُتِلُوا وَقَدْ كُفِيتُمُوهُمْ، فما ملك عمر نفسه أن قَالَ: كَذَبْتَ وَاللَّهِ يَا عَدُوَّ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ عَدَدْتَهُمْ لأَحْيَاءٌ كُلُّهُمْ، وَقَدْ بَقِيَ لَكَ مَا يَسُؤُكَ، فَقَالَ: يَوْمُ أُحُدٍ بِيَوْمِ بَدْرٍ وَالْحَرْبُ سِجَالٌ، إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ فِي الْقَوْمِ مَثَلَةً لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْنِي، ثُمَّ أَخَذَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ: اعْلُ هُبَلُ، اعْلُ هُبَلُ.
فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ألا تُجِيبُوهُ» ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا نَقُولُ؟ قَالَ: «قُولُوا: اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ» قَالَ: لَنَا الْعُزَّى وَلا عُزَّى لَكُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلا تُجِيبُوهُ» ، قَالُوا: يا رسول الله وما نَقُولُ؟ قَالَ: «قُولُوا: اللَّهُ مَوْلانَا وَلا مَوْلَى لَكُمْ» [1] .
قال علماء السير: وقامت هند في نسوة معها يمثلن بالقتلى، يجدعن الأنوف والأذان حتى اتخذت هند من ذلك خدما [2] وقلائد، وبقرت عن كبد حمزة فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها [3] فلفظتها.
فلما أراد أبو سفيان أن ينصرف، نادى: موعدكم بدر العام، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لرجل من أصحابه: «قل نعم بيننا موعد» ، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلي: «أخرج في آثار القوم، فإن اجتنبوا الخيل وامتطوا الإبل: فإنهم يريدون مكة وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل فإنّهم يريدون المدينة، فو الّذي نفسي بيده لئن أرادوها لأناجزنهم» .
قال علي رضي الله عنه: فخرجت في آثار القوم، فاجتنبوا الخيل وامتطوا الإبل وتوجهوا إلى مكة [4] .
فصل
ثم أقبل المسلمون/ على قتلاهم، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «من رجل ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع؟ فمضى رجل فوجده جريحا بين القتلى وبه رمق، فَقَالَ أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أمرني أن أنظر أفي الأحياء أنت، أم في الأموات؟ فقال: أنا في الأموات، أبلغ رسول الله عني السلام، وقل له: يقول لك سعد بن الربيع: جزاك الله خير ما جزى نبيا عن أمته، وأبلغ قومك السلام عني، وقل لهم لا عذر لكم عند الله، إن خلص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف» ثم مات [1] .
وخرج رسول الله يلتمس حمزة فوجده ببطن الوادي، وقد بقر بطنه عن كبده ومثل به، فقال: لولا أن تحزن صفية أو تكون سنة من بعدي، لتركته حتى يكون في أجواف السباع وحواصل الطير، ولئن أنا أظهرني الله على قريش، لأمثلن بثلاثين رجلا منهم، فقال المسلمون: والله لئن أظهرنا الله عليهم لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب، فأنزل الله عز وجل: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ به 16: 126 [2] . وأقبلت صفية بنت عبد المطلب لتنظر إلى حمزة، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لابنها الزبير: القها فأرجعها، لا ترى ما بأخيها، فلقيها، فقال لها: يا أمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترجعي، فقالت: ولم، وقد بلغني أنه مثل بأخي، وذلك في الله قليل، فلأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله، فجاءت إليه واستغفرت له [3]
. فصل
قال مؤلف الكتاب [4] : قتل من المسلمين يوم أحد حمزة قتله وحشي، وعبد الله بن جحش قتله أَبُو الحكم بن الأخنس، ومصعب بن عمير قتله ابن قميئة، وشماس بن عثمان قتله أبي بن خلف، وعبد اللَّه وعبد الرحمن ابنا الهبيب، ووهب بن قابوس، وابن أخيه الحارث بن عقبة.
وقتل من الأنصار سبعون، وقتل من المشركين ثلاثة/ وعشرون منهم [5] .
ولما أراد المسلمون دفن قتلاهم قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «احفروا وأعمقوا وقدموا أكثرهم قرآنا» .

عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَعِينٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بن فضالة، عن ليث، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ حَاصَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ حَيْصَةً وَقَالُوا: قُتِلَ مُحَمَّدٌ حَتَّى كَبَّرَتِ الصَّوَارِخُ فِي نَوَاحِي الْمَدِينَةِ، فَخَرَجَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَاسْتُقْبِلَتْ بِأَخِيهَا وَأَبِيهَا وَزَوْجِهَا، لا أَدْرِي بِأَيِّهِمُ اسْتُقْبِلَتْ أَوَّلا، فَلَمَّا مَرَّتْ عَلَى آخِرِهِمْ قَالَتْ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا:
أَخُوكِ وَأَبُوكِ وَزَوْجُكِ وَابْنُكِ، قَالَتْ: فَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُونَ: أَمَامَكِ، حَتَّى ذَهَبَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَتْ بِنَاحِيَةِ ثَوْبِهِ، ثُمَّ قَالَتْ: بأبي أنت وأمي يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أُبَالِي إِذْ سَلِمْتَ مِنْ عَطْبٍ.
قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ: وَلَمَّا انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِهِ نَاوَلَ سَيْفَهُ فَاطِمَةَ، فَقَالَ:
«اغْسِلِي عَنْ هَذَا دَمَهُ يَا بُنَيَّةٌ»






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید