المنشورات

غزوة حمراء الأسد

وفي هذه السنة: كان غزاة حمراء الأسد.
وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم رجع إلى المدينة يوم السبت يوم الوقعة، فلما كان الغد وهو يوم الأحد لست عشرة ليلة خلت من شوال أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس بطلب العدو، وأذن مؤذنه أن لا يخرج معنا إلا من حضر يومنا بالأمس، وبات المسلمون يداوون جراحاتهم، فكلمه جابر بن عبد الله، فقال: يا رسول الله: إن أبي كان خلفني على أخوات لي، فاذن لي بالخروج معك ولم يخرج معه ممن لم يشهد القتال غيره.
وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مرهبا للعدو ليبلغهم أنه قد خرج في طلبهم ليظنوا به قوة وإن الذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم، فخرج حتى انتهى إلى حمراء الأسد، ودفع لواءه وهو معقود لم يحل إلى علي بن أبي طالب، وقيل:
إلى أبي بكر رضي الله عنهما، واستخلف عَلَى المدينة عبد الله بن أم مكتوم، وخرج وهو مجروح مشجوج مكسور الرباعية وشفته العليا [1] قد كلمت في باطنها وهو متوهن المنكب/ الأيمن من ضربة ابن قميئة، ونزل إليه أهل العوالي، فبعث ثلاثة نفر من أسلم طليعة في آثار القوم فلحق اثنان منهم القوم بحمراء الأسد، وهي من المدينة على عشرة أميال، وقيل: ثمانية وللقوم زجل وهم يأتمرون بالرجوع وصفوان بن أمية ينهاهم، فبصروا بالرجلين، فرجعوا إليهما فقتلوهما، ومضى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حتى عسكروا بحمراء الأسد، فدفن الرجلان في قبر واحد، وأقام بها الاثنين والثلاثاء والأربعاء، وكان [2] المسلمون يوقدون تلك الليالي خمسمائة نار فذهب صوت معسكرهم ونارهم في كل وجه فكبت اللَّه بذلك عدوهم، ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عزة فقتله صبرا، وَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة فدخلها يوم الجمعة، وكانت غيبته خمس ليال.
أَنْبَأَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ محمد بن عبد الوهاب، قال: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة، قال: أخبرنا أبو طاهر المخلص، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن سليمان بن داود، قال: حدثنا الزبير بن بكار، قال:
أَسَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ أَبَا عَزَّةَ الشَّاعِرَ وَاسْمُهُ عَمْرٌو، وكان ذا بنات، فقال له:
دعني لبناتي، فَرَحِمَهُ فَأَطْلَقَهُ وَأَخَذَ عَلَيْهِ أَنْ لا يُكْثِرَ عَلَيْهِ بَعْدَهَا، فَلَمَّا جَمَعَتْ قُرْيَشٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلُوا إِلَيْهِ وَكَلَّمَهُ صَفْوُانُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَسَأَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى بَنِي الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةِ بْنِ كِنَانَةِ وَهُمْ حُلَفَاءُ قُرَيْشٍ يَسْأَلُهُمُ النَّصْرَ فَأَبَى، وَقَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ أَمِنَ عَلَيَّ وَأَعْطَيْتُهُ أَنْ لا أُكْثِرَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ صَفْوَانُ يُكَلِّمُهُ حَتَّى خَرَجَ إِلَى بَنِي الْحَارِثِ، فَحَرَّضَهُمْ عَلَى الخروج مع قريش والنصر لَهُمْ، فَقَالَ فِي ذَلِكَ:
أَنْتُمْ بَنُو الْحَارِثِ وَالنَّاسُ الْهَامٌ ... أَنْتُمْ بَنُو عَبْدِ مَنَاةِ الرِّدَامُ
أَنْتُمْ حُمَاةٌ وَأَبُوكُمْ حَامٍ ... لا تَعِدُوا نَاصِرَكُمْ بَعْدَ الْعَامِ
لا تُسْلِمُونَا لا يَحِلُّ إِسْلامٌ
فَلَمَّا انْصَرَفَتْ قُرَيْشٌ عَنْ أُحُدٍ تَبِعَهُمْ رَسُولُ الله حَتَّى بَلَغَ حَمْرَاءَ الأَسَدِ فَأَصَابَ بِهَا عُمَرَا فَقَالَ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ عَفْوَكَ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/: «لا تَمْسَحْ لِحْيَتَكَ بِمَكَّةَ وتقول، خدعت محمدا مرتين» .قَالَ الزُّبَيْرُ وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الضَّحَّاكِ، عَنْ أَبِيهِ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلامٍ، عَنْ أَبِي جَعْدِيَةَ وَالأَبْرَصُ أَبُو عَزَّةَ الْجُمَحِيُّ فَكَانَتْ قُرَيْشٌ لا تُوَاكِلُهُ وَلا تُجَالِسُهُ، فَقَالَ: الْمَوْتُ خَيْرٌ مِنْ هَذَا، فَأَخَذَ حَدِيدَةً وَدَخَلَ بَعْضَ شِعَابِ مَكَّةَ، فَطَعَنَ بِهَا فِي مَوْضِعِ مَغَدِهِ وَالْمَغَدُ مَوْضِعُ عِقْصِ الرَّاكِبِ مِنَ الدَّابَّةِ فَمَادَتْ الْحَدِيدَةُ بَيْنَ الجلد والصفاق فسال منه ماء أصفر وبريء فَقَالَ:
اللَّهمّ رَبَّ وَائِلٍ وَنَهْدِ ... وَالتَّهِمَاتِ وَالْجِبَالِ الْجُرْدِ
وَرَبَّ مَنْ يُوعَى بَيَاضَ نَجْدِ ... أَصْبَحْتُ عَبْدًا لَكَ وَابْنَ عَبْدِ
أَبْرَأْتَنِي مِنْ وَضَحٍ بجلدي ... من بعد ما طَعَنْتُ فِي مَغْدِي
وفي ذي القعدة من هذه السنة: علقت فاطمة بابنها الحسين رضي الله عنهما، وكان بين ولادتها الحسن وعلوقها بالحسين خمسين ليلة.
وفي هذه السنة: ولد السائب بن يزيد ابن أخت النمر






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید