المنشورات

مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي، ويكنى أبا محمد

تزوج حمنة بنت جحش فولدت له زينب. وكان شابا جميلا عطرا حسن الكسوة، وكانا أبواه ينعمانه، فبلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس في دار الأرقم، فدخل فأسلم وكتم إسلامه من قومه وأمه، وكان يختلف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سرا، فبصر به عثمان بن طلحة يصلي فأخبر أمه وقومه، فأخذوه فحبسوه فلم يزل محبوسا حتى خرج إلى أرض الحبشة في الهجرة الأولى، ثم رجع مع المسلمين/، وأقبل يوما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه قطعة من نمرة قد وصلها بإهاب، فنكس أصحاب رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رءوسهم رحمة له، وليس عندهم ما يغيرون عليه، فسلم فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام، وقال: «لقد رأيت هذا وما بمكة فتى [من قريش] [5] أنعم عند أبويه منه، ثم أخرجه من ذلك الرغبة [في الخير] [6] في حب الله ورسوله» .
ثم هاجر إلى المدينة أول من هاجر، وذلك أن الأنصار كتبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ابعث لنا رجلا يفقهنا في الدين ويقرئنا القرآن، فبعث إليهم مصعب بن عمير، فنزل على أسعد بن زرارة وكان يأتي الأنصار في دورهم وقبائلهم فيدعوهم إلى الإسلام، وأظهر الإسلام فِي دور الأنصار، وكتب إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يستأذن أن يجمع بهم في دار ابن خيثمة، وكانوا يومئذ اثني عشر رجلا، وهو أول من جمع في الإسلام يوم الجمعة.
وقد قيل: إن أول من جمع بهم أبو أمامة أسعد بن زرارة.
ثم خرج مصعب بن عمير من المدينة مع السبعين الذين وافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقبة الثانية، فقدم مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقرب منزله، فجعل يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسراع الأنصار إلى الإسلام فسر بذلك.. وبعثت إليه أمه: يا عاق، أتقدم بلدا أنا به ولا تبدأ بي، فقال: ما كنت لأبدأ بأحد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى أمه فأرادت حبسه [1] ، فقال: إن حبستني لأحرضن على قتل من يتعرض لي، فبكت وقالت: اذهب لشأنك، فقال: يا أماه، إني لك ناصح وعليك شفيق، فأسلمي، قالت: والثواقب لا أدخل في دينك.
وأقام مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة بقية ذي الحجة والمحرم وصفر، وقدم قبل رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم إلى المدينة مهاجرا لهلال ربيع الأول قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم باثنتي عشرة ليلة.
وكان لواء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأعظم لواء المهاجرين يوم بدر معه ويوم أحد.
ولما جال/ المسلمون ثبت به وأقبل ابن قميئة وهو فارس فضرب يده اليمنى فقطعها، ومصعب يَقُولُ: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ... 3: 144 [2] .
فأخذ اللواء بيده اليسرى، وحنا عَلَيْهِ فضرب يده اليسرى فقطعها، فحنا على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره، وهو يقول: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ 3: 144 الآية. ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه واندق الرمح ووقع مصعب وسقط اللواء، فابتدره رجلان من بني عبد الدار: سويبط بن سعد، وأبو الروم بن عمير، فأخذه أبو الروم ولم يزل في يديه حتى دخل به المدينة.
قال محمد بن عمر [1] : قال إبراهيم بن محمد، عن أبيه: ما نزلت هذه الآية:
وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ من قَبْلِهِ الرُّسُلُ 3: 144 [2] يومئذ حتى نزلت بعد ذلك.
ووقف رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم علي مصعب بن عمير، فقرأ: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ من يَنْتَظِرُ 33: 23 [3] .
وقتل وهو ابن أربعين سنة أو يزيد شيئا.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي طَاهِرٍ، قال: أخبرنا الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيوية، قال: أَخْبَرَنَا ابْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الفهم، قال: أخبرنا محمد بن سعد [4] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ، قَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبْتَغِي وَجْهَ اللَّهِ فَوَجَبَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ، فَمِنَّا مَنْ مَضَى وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ [قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ] [5] ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ شَيْءٌ يُكَفَّنُ فِيهِ إِلا نَمِرَةٌ، فَكُنَّا إِذَا وَضَعْنَاهَا عَلَى رَأْسِهِ خَرَجَتْ رِجْلاهُ، وَإِذَا وَضَعْنَاهَا عَلَى رِجْلَيْهِ خرج رأسه، فقال لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اجْعَلُوهَا فِيمَا يَلِي رَأْسَهُ، وَاجْعَلُوا عَلَى رِجْلَيْهِ مِنَ الإِذْخِرِ» . وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فهو يهد بها.






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید