المنشورات

غزاة بني لحيان

/ وكانوا بناحية عسفان في ربيع الأول سنة ست، وذلك أن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وسلم وجد
عَلَى عاصم بن ثابت وأصحابه وجدا شديدا- وكانوا قتلوا في غزاة الرجيع- فأظهر أنه يريد الشأم، وعسكر لغرة هلال ربيع الأول في مائتي رجل، ومعهم عشرون رجلا، واستخلف عبد الله بْن أم مكتوم، ثم أسرع السير حتى انتهى إلى بطن غران [1]- وبينها وبين عسفان [2] خمسة أميال- حيث كان مصاب أصحابه، فترحم عليهم ودعا لهم، فسمعت بهم بنو لحيان، فهربوا في رءوس الجبال، فلم يقدروا منهم على أحد، ثم خرج حتى أتى عسفان، فبعث أبا بكر في عشرة فوارس لتسمع به قريش فيذعرهم، فأتوا الغميم [3] ، ثم رجعوا ولم يلقوا أحدا، ثم انصرف صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وغاب أربع عشرة ليلة، وقال في رجوعه: «آئبون تائبون [لربنا حامدون] » [4] فكان أول من قالها.
وفي هذه الغزاة جاز على قبر أمه صلى الله عليه وسلم:
أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَلافُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْحِمَامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَرِيرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِبْرَاهِيمَ التُّرْجُمَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُشَمْعِلُ بْنُ مِلْحَانَ [5] ، عَنْ صَالِحِ بْنِ حَيَّانَ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ وَقَفَ عَلَى عَسَفَانَ، فَنَظَرَ يَمِينًا وَشِمَالا فَأَبْصَرَ قَبْرَ أُمِّهِ آمِنَةَ فَوَرَدَ الْمَاءَ، فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَلَمْ يُفَاجِئْنَا إِلا بِبُكَائِهِ، فَبَكَيْنَا لِبُكَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ثُمَّ انْصَرَفَ إلينا فَقَالَ: «مَا الَّذِي أَبْكَاكُمْ؟» قَالُوا: بَكَيْتَ فَبَكَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ] [1] وَقَالَ «وَمَا ظَنَنْتُمْ؟» قَالُوا:
ظَنَنَّا أَنَّ الْعَذَابَ نَازِلٌ عَلَيْنَا، قَالَ: «لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ» ، قَالُوا: فَظَنَنَّا أَنَّ أُمَّتَكَ كُلِّفُوا [2] مِنَ الأَعْمَالِ مَا لا يُطِيقُونَ، قَالَ: «لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَلَكِنِّي مَرَرْتُ بِقَبْرِ أُمِّي، فصليْتُ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَنُهِيتُ فَبَكَيْتُ ثُمَّ عُدْتُ فصليْتُ رَكْعَتَيْنِ، وَاسْتَأْذَنْتُ/ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لها، فزجرت زجرا، فعلا بكائي» ثم دعي بِرَاحِلَتِهِ فَرَكِبَهَا فَمَا سَارَتْ إِلا هَيْنَةَ حَتَّى قَامَتِ النَّاقَةُ بِثِقَلِ الْوَحْيِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ... 9: 113 [3] إِلَى آخِرِ الآيَتَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُشْهِدُكُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْ آمِنَةَ كَمَا تَبَرَّأَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ أَبِيهِ





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید