المنشورات

ما جرى من هؤلاء الملوك حين/ بعث إليهم

قال مؤلف الكتاب [4] :
أما المقوقس [5] فإنه لما وصل إليه حاطب بن أبي بلتعة أكرمه وأخذ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتب في جوابه:
«قد علمت أن نبيا قد بقي، وقد أكرمت رسولك» ، وأهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع جوار، منهن مارية أم إبراهيم [ابْن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ] [6] ، وحمارا يقال له: عفير [7] ، وبلغة يقال لها: الدلدل، ولم يسلم.
فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم هديته، وقال: «ضن الخبيث بملكه ولا بقاء لملكه» .
واصطفى مارية لنفسه، وأما الحمار فنفق في منصرفه من حجة الوداع، وأما البغلة فبقيت إلى زمن معاوية.
أخبرنا محمد بن عبد الباقي، قال: أخبرنا الجوهري، قال: أخبرنا ابن حيوية، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، قَالَ: حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: أخبرنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
لما رجع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقِعْدَةِ سَنَةَ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ بَعَثَ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُقَوْقِسِ الْقِبْطِيِّ صَاحِبِ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَكَتَبَ إليه معه كتابا يدعوه إلى الإسلام، فلما قَرَأَ الْكِتَابَ قَالَ لَهُ خَيْرًا، وَأَخَذَ الْكِتَابَ- وَكَانَ مَخْتُومًا- فَجَعَلَهُ فِي حُقٍّ مِنْ عَاجٍ وَخَتَمَ عَلَيْهِ وَدَفَعَهُ إِلَى جَارِيَةٍ لَهُ، وَكَتَبَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوَابَ كِتَابِهِ وَلَمْ يُسْلِمْ وَأَهْدَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ مؤلف الكتاب [1] : إِلا أَنَّ هَذِهِ الْهَدِيَّةَ وَصَلَتْ فِي سَنَةِ سَبْعٍ، وَسَنَذكر هَذَا.
وأما قيصر وهو هرقل ملك الروم [2] فإنه كان قد ظهر على من كان بأرضه من فارس، وأخرجهم منها، وانتزع [له منهم] [3] صليبه الأعظم، وكانوا قد استلبوه إياه، فخرج من حمص يمشي على قدميه شكرا للَّه حين رد عليه ما رد تبسط له البسط، وتلقى عليها الرياحين حتى انتهى إلى إيلياء وقضى فيها صلاته، وأنه أصبح يوما مهموما يقلب طرفه في السماء، فقالت له بطارقته:
لقد أصبحت أيها الملك مهموما، قال: / أجل أريت في هذه الليلة أن ملك الختان ظاهر، قالوا: ما تعلم أمة تختتن إلا يهود، وهم في سلطانك وتحت يدك، فابعث إلى من لك عليه سلطان في بلادك، فمره أن يضرب أعناق من تحت يده من يهود، واسترح من هذا الهم، فبينما هم في ذلك من رأيهم أتاه رسول صاحب بصرى برجل من العرب يقوده، فقال: أيها الملك إن هذا من العرب يحدث عن أمر يحدث ببلاده عجب، قال هرقل لترجمانه: سله ما هذا الحدث الذي كان ببلاده؟ فسأله فقال: خرج من بين أظهرنا رجل يزعم أنه نبي فاتبعه ناس وخالفه آخرون، وكانت بينهم ملاحم فتركتهم على ذلك،فقال: جردوه، فجردوه، فإذا هو مختون، فقال هرقل: هذا والله الذي رأيت، أعطوه ثوبه، انطلق عنا ثم دعي صاحب شرطته، فقال: قلب لي الشام ظهرا وبطنا حتى تأتيني برجل من قوم هذا الرجل- يعني النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبو سفيان: وكنت قد خرجت في تجارة في زمان الهدنة، فهجم علينا صاحب شرطته، فقال: أنتم قوم هذا الرجل؟ قلنا: نعم فدعانا.
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ علي التميمي، قَالَ: أخبرنا أحمد بن جعفر بْنُ حَمْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ [بْنِ مَسْعُودٍ] [1] ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ:
أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى قَيْصَرَ يَدْعُوهُ إِلَى الإِسْلامِ، وَبَعَثَ بِكِتَابِهِ [2] مَعَ دِحْيَةَ الْكَلْبِيُّ، وَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى [لِيَدْفَعَهُ] [3] إِلَى قَيْصَرَ، [فَدَفَعَهُ عَظِيمُ بُصْرَى] [4] ، وَكَانَ قَيْصَرَ لَمَّا كَشَفَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ جُنُودَ فَارِسَ مَشَى مِنْ حِمْصَ إِلَى إِيلِيَا [5] ، عَلَى الزَّرَابِيِّ [6] تُبْسَطُ لَهُ.
قَالَ [عَبْدُ اللَّهِ] بْنُ عَبَّاسٍ: فَلَمَّا جَاءَ قَيْصَرَ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ قَرَأَهُ:
الْتَمِسُوا لِي مِنْ قَوْمِهِ مَنْ/ أَسْأَلُهُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ صَخْرُ بْنُ حَرْبٍ أَنَّهُ كَانَ بِالشَّامِ فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدِمُوا تُجَّارًا وَذَلِكَ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وبين كفار [قريش] [7] .
فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَأَتَى رَسُولُ قَيْصَرَ، فَانْطَلَقَ بِي وَبِأَصْحَابِي، حَتَّى قَدِمْنَا إِيلْيَا، فَأَدْلَجْنَا عَلَيْهِ [1] فَإِذَا هَوُ جَالِسٌ فِي مَجْلِسِ مُلْكِهِ، عَلَيْهِ التَّاجُ، وَإِذَا حَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ، فَقَالَ لِتُرْجُمَانِهِ: سَلْهُمْ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذَيِ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَقُلْتُ: أَنَا أَقْرَبُهُمْ [إِلَيْهِ] [2] نَسَبًا، قَالَ: مَا قَرَابَتُكَ مِنْهُ؟ [قَالَ] [3] : قُلْتُ: هُوَ ابْنُ عَمِّي.
قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَلَيْسَ فِي الرَّكْبِ يَوْمَئِذٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ غَيْرِي. [قَالَ:] [4] فَقَالَ قَيْصَرُ: أَدْنُوهُ [مِنِّي] [5] ، ثُمَّ أَمَرَ بِأَصْحَابِي فَجُعِلُوا خَلْفَ ظَهْرِي [عِنْدَ كَتِفِي] [6] ، ثُمَّ قَالَ لِتُرْجُمَانِهِ: قُلْ لأَصْحَابِهِ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنِ الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُم أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَإِنْ كَذَبَ فَكَذِّبُوهُ.
قَالَ أبو سفيان: فو الله لولا استحيائي يومئذ يَأْثِرَ أَصْحَابِي عَنِّي الْكَذِبَ لَكَذَبْتُهُ حِينَ سَأَلَنِي، وَلَكِنِّي اسْتَحْيَيْتُ أَنْ يَأْثِرُوا عَنِّي الْكَذِبَ، فَصَدَقْتُهُ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ لِتُرْجُمَانِهِ:
قُلْ لَهُ كَيْفَ نَسَبُ هَذَا الرَّجُلِ فِيكُمْ؟ [قَالَ] [7] قَلْتُ: هَوُ فِينَا ذُو نَسَبٍ، قَالَ: فَهَلْ [قَالَ] [8] هَذَا الْقَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ [قَطُّ] [9] قَبْلَهُ؟ قَالَ: قَلُتْ: لا، قَالَ: [فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ قَالَ: قُلْتُ: لا، قَالَ:] [10] فَأَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ قَالَ: قُلْتُ:
بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ، قَالَ: فَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ قَالَ: قُلْتُ: [بَلْ] [11] يَزِيدُونَ، قَالَ: فَهَلْ يَرْتَدَّ أَحَدٌ سَخَطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ قُلْتُ: لا، قَالَ: فَهَلْ يَغْدِرُ؟ [قَالَ:] [12] قُلْتُ:
لا، وَنَحْنُ الآنَ منه في مدة، ونحن نخاف ذلك.
قَالَ: قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا أَنْتَقِصُهُ بِهِ غَيْرَهَا، لا أَخَافُ أَنْ يَأْثِرُوا عَنِّي. قَالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ أَوْ قَاتَلَكُمْ؟ [قَالَ] : [1] قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: كَيْفَ كَانَتْ حَرْبُكُمْ وَحَرْبُهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: كَانَتْ دُوَلا سِجَالا نُدَالُ عَلَيْهِ الْمَرَّةَ، وَيُدَالُ عَلَيْنَا الأُخْرَى، قَالَ: فَبِمَ يَأْمُرُكُمْ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَأْمُرُنَا أَنْ نَعْبَدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَيْنَهَانَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلاةِ/ وَالصِّدْقِ، وَالْعَفَافِ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ، وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ.
قَالَ: فَقَالَ لِتُرْجُمَانِهِ حِينَ قُلْتُ لَهُ ذَلِكَ: قُلْ [2] لَهُ إِنِّي سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ فِيكُمْ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا، وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ هَذَا الَقْوَلَ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَطُّ قَبْلَهُ فَزَعَمْتَ أَنْ لا. فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ قُلْتُ: رَجُلٌ يَأْتَمُّ بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لا، فَقَدْ عَرِفْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ، وَيَكْذِب عَلَى اللهَ تَعَالَى، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لا، فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ مَنْ آبائه ملك قُلْتُ:
رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ آبَائِهِ، وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمُ اتَّبَعُوهُ وَهُمْ أَتْبَاعُ الرَّسُلِ، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حِينَ يُخَالِطُ بَشَاشَةَ الْقُلُوبِ لا يَسْخَطُهُ أَحَدٌ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لا، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَاتَلْتُمُوهُ وَقَاتَلَكُمْ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ قَدْ فَعَلَ، وَأَنَّ حَرْبَكَمُ وَحَرْبَهُ يَكُونُ دُوَلا يُدَالُ عَلَيْكُمُ الْمَرَّةَ وَتُدَالُونَ عَلَيْهِ الأُخْرَى، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى وَيَكُونُ لَهَا الْعَاقِبَةُ، وَسَأَلْتُكَ بِمَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟
فَزَعَمْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَحْدَهُ لا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [3] وَيَنْهَاكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالصِّدْقِ وَالصَّلاةِ، وَالْعَفَافِ، وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ، وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ، وَهَذِهِ صِفَةُ نَبِيٍّ قَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ، وَلَكِنْ لَمْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ، فَإِنْ يَكْنُ مَا قُلْتَ فِيهِ [4] حَقًّا فَيُوشِكُ أَنْ يَمْلِكَ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ، وَاللَّهِ لَوْ أَرْجُو أَنْ أَخْلُصَ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لُقْيَهُ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمَيْهِ.
قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِهِ، فَقُرِئَ فَإِذَا فِيهِ:
«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ ورسوله إلى هرقل عظيم الروم،سلام على من اتبع الهدى أما بعد. فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدَاعِيَةِ الإِسْلامِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ/ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَعَلَيْكَ إثم الأريسيّين [1]- يعني الأكّارة يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ 3: 64 [2] . قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَلَمَّا قَضَى مَقَالَتَهُ عَلَتْ أَصْوَاتُ الَّذِينَ حَوْلَهُ مِنْ عُلَمَاءِ الرُّومِ، وَكَثُرَ لَغَطُهُمْ فَلا أَدْرِي مَاذَا قَالُوا. وَأَمَرَ بِنَا فَأُخْرِجْنَا.
قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَلَمَّا خَرَجْتُ مَعَ أَصْحَابِي وَخَلَصْتُ قُلْتُ لَهُمْ: أُمِرَ أَمْرُ ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ [3] ، هَذَا مَلِكُ بَنِي الأَصْفَرِ [4] يَخَافُهُ.
قال أبو سفيان: فو الله مَا زِلْتُ ذَلِيلا مُسْتَيْقِنًا أَنَّ أَمْرَهُ سَيَظْهَرُ، حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَلْبِي الإِسْلامَ وَأَنَا كَارِهٌ [5] .
قال مؤلف الكتاب: وروينا عن الزهري، قال [6] : حدثني أسقف النصارى: أن هرقل قدم عليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعله بين فخذيه وخاصرته. ثم كتب إلى رجل برومية كان يقرأ من العبرانية ما يقرءونه يخبره بما جاء إليه صاحب رومية: إنه للنبي الذي كنا ننتظر، لا شك فيه، فاتبعه وصدقه.

فأمر ببطارقة الروم، فجمعوا له في دسكرة [1] ، فأشرجت [2] أبوابها [عليهم] [3] ، ثم اطلع عليهم من عَلَيْهِ له، وقد خافهم على نفسه، وقال: يا معشر الروم، إنه قد أتاني هذا الرجل يدعوني إلى دينه، وإنه والله للنبي الذي كنا ننتظره ونجده في كتبنا، فهلموا فلنتبعه فتسلم لنا دنيانا وآخرتنا.
فنخروا نخرة رجل واحد، ثم ابتدروا أبواب الدسكرة فوجدوها قد أغلقت، فقال:
ردوهم، ثم قَالَ: يا معشر الروم، إنما قلت لكم [ما قلت] [4] لأنظر كيف صلابتكم على دينكم، وقد رأيت منكم الَّذِي أسر به، فوقعوا له سجودا؟ وانطلقوا.
وروى ابن إسحاق عن بعض أهل العلم [5] ، أن هرقل قال لدحية: والله إني لأعلم أن صاحبك نبي مرسل، وإنه الذي كنا ننتظره، ولكني أخاف الروم على نفسي، ولولا ذلك لا تبعته، فاذهب إلى فلان الأسقف فاذكر له أمر صاحبك، فهو والله أعظم في الروم/ مني.
فجاءه دحية، فأخبره، فقال له: صاحبك والله نبي مرسل نعرفه. ثم دخل فألقى ثيابا سودا كانت عليه، ولبس ثيابا بيضاء، ثم خرج، فقال: قد جاءنا كتاب من أحمد يدعونا فيه إلى اللَّه عز وجل، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن أحمد عبده ورسوله.
فوثبوا عليه [وثبة رجل واحد] [6] ، فضربوه حتى قتلوه. فرجع دحية فأخبر هرقل، فقال: قد قلت ذَلكَ، إنا نخافهم على أنفسنا.
وذكر ابن إسحاق، عن خالد بن يسار [7] ، عن رجل من قدماء أهل الروم [8] ، قال: لما أراد هرقل الخروج من أرض الشام إلى القسطنطينية، لما بلغه من أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جمع الروم، وقال: إني عارض عليكم أمورا، فانظروا [فيم قد أردتها] [1] قالوا: وما هي؟ قَالَ: تعلمون والله أن هذا الرجل لنبي مرسل نجده في كتبنا ونعرفه بصفته، فهلم نتبعه. فقَالُوا: نكون تحت أيدي العرب، قال: فأعطيه الجزية كل سنة، اكسروا عني شوكته وأستريح من حربه، قالوا: نعطي العرب الذل والصغار، لا والله، قال: فأعطيه أرض سورية- وهي فلسطين، والأردن، ودمشق، وحمص، وما دون الدرب- قالوا: لا نفعل، قال: أما والله لترون أنكم قد ظفرتم إذا امتنعتم منه في مدينتكم. ثم جلس على بغل له، [فانطلق] [2] حتى إذا أشرف على الدرب استقبل أرض الشام، فقال: السلام عليك أرض سورية سلام الوداع، ثم ركض يطلب القسطنطينية.
وأما كسرى فإن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث إليه بكتاب مع عبد الله بن حذافة.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذْهِبِ، [قَالَ: أخبرنا أحمد بن جَعْفَرٍ] [3] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قال: حدثني أبي، قال: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ حَدَّثَنِي صَالِحُ [بْنُ كَيْسَانَ] ، [4] وَابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْد الله/ بن حُذَافَةَ بِكِتَابِهِ إِلَى كِسْرَى، [فَدَفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِ، فَدَفَعَهُ عَظِيمُ الْبَحْرَيْنِ إِلَى كِسْرَى] [5] ، فَلَمَّا قَرَأَهُ كِسْرَى خَرَّقَهُ [6] . قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَحَسِبْتُ ابْنَ الْمُسَيِّبِ قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [بِأَنْ] يُمَزَّقُوا كُلَّ ممزق [7] .
أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارَكِ الأَنْمَاطِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ فُهَيْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ مُحَمَّدُ بْنُ فَارِسٍ الْغُورِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي قُبَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَّمَدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ:
بَعَثَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْد الله بْنَ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسٍ إِلَى كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ مَلِكِ فَارِسٍ، وَكَتَبَ:
«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرحيم، من محمد رسول الله إِلَى كِسْرَى عَظِيمِ فَارِسٍ، سَلامُ اللَّهِ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى وَآَمَنَ باللَّه وَرَسُولِهِ، وَشَهِدَ أَنَّ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَدْعُوكَ بِدَاعِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنِّي أنا رَسُولُ اللَّهِ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً لأُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيِحِقُّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ، فَأَسْلِم تَسْلَمْ، فَإِنْ أَبَيْتَ، فَإِنَّ إِثْمَ الْمَجُوسِ عَلَيْكَ» .
فَلَمَّا قَرَأَ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَقَّقَهُ [1] ، وَقَالَ: يَكْتُبُ إِلَيَّ بِهَذَا الْكِتَابِ وَهُوَ عَبْدِي. فَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مُزِّقَ مُلْكُهُ» حِينَ بَلَغَهُ أَنَّهُ شَقَّقَ كِتَابَهُ [2] .
ثُمَّ كَتَبَ كِسْرَى إِلَى بَاذَانَ، وَهُوَ عَلَى الْيَمَنِ، أَنِ ابْعَثْ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي بِالْحِجَازِ رَجُلَيْنِ مِنْ عِنْدِكَ جَلْدَيْنِ، فَلْيَأْتِيَانِي بِهِ، فَبَعَثَ بَاذَانُ قَهْرَمَانَهُ، وَهُوَ ابْنُ بَابَوَيْهِ- وَكَانَ كَاتِبًا حَاسِبًا- وَبَعَثَ معه بِرَجُلٍ مِنَ الْفُرْسِ يُقَالَ لَهُ: خَرَخْسَرَه، وَكَتَبَ مَعُهَما إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُهُ أَنْ يَنْصَرِفَ مَعَهُمَا إِلَى كِسْرَى، وَقَالَ لِبَابَوَيْهِ: وَيْلَكَ انْظُرْ مَا الرَّجُلُ؟ وَكَلِّمْهُ وَاتِنِي بِخَبَرِهِ، فَخَرَجَا حَتَّى قَدِمَا الطَّائِفَ، فَسَأَلا عَنْهُ، فَقَالُوا هُوَ بِالْمَدِينَةِ/ وَاسْتَبْشَرُوا، وَقَالُوا: قَدْ نَصَبَ [3] لَهُ كِسْرَى مَلِكُ الْمُلُوكِ، كَفَيْتُمُ الرَّجُلَ، فَخَرَجَا حَتَّى قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَلَّمَهُ بَابَوَيْهِ، وَقَالَ لَهُ: إِنَّ شَاهَانْشَاهَ مَلِكَ الْمُلُوكِ كِسْرَى قَدْ كَتَبَ إِلَى الْمَلِكِ بَاذَانَ يَأْمُرُهُ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْكَ بِأَمْرِهِ أَنْ يَأْتِيَهُ بِكَ، وَقَدْ بَعَثَنِي إِلَيْكَ لتنطلق معي، فإن فَعَلْتَ كُتِبَ فِيكَ إِلَى مَلِكِ الْمُلُوكِ بِِكِتَابٍ يَنْفَعُكَ وَيُكُفُّ عَنْكَ بِهِ، وَإِنْ أَبَيْتَ فَهُوَ مَنْ قَدْ عَلِمْتَ، فَهُوَ مُهْلِكُكَ وَمُهْلِكُ قَوْمِكَ، وَمُخْرِبُ دِيَارِكَ. وَكَانَا قَدْ دَخَلا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ حَلَقَا لِحَاهُمَا وَأَعْفَيَا شَوَارِبَهُمَا، فَكَرِهَ النَّظَرَ إِلَيْهِمَا، وَقَالَ: «وَيْلَكُمَا، مَنْ أَمَرَكُمَا بِهَذَا؟» قَالا: أَمَرَنَا بِهَذَا رَبُّنَا- يَعْنِيَانِ كِسْرَى- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ِصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَكِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي بِإِعْفَاءِ لِحْيَتِي وَقَصِّ شَارِبِي» . ثُمَّ قَالَ لَهُمَا: «ارْجِعَا حَتَّى تَأْتِيَانِي غَدًا» . وَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَبَرُ [مِنَ السَّمَاءِ] [1] : أَنَّ اللَّهَ قَدْ سَلَّطَ عَلَى كِسْرَى ابْنَهُ شِيرَوَيْهِ، فَقَتَلَهُ فِي شَهْرِ كَذَا وَكَذَا مِنْ لَيْلَةِ كَذَا وَكَذَا مِنَ اللَّيْلِ.
فَلَمَّا أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمَا: «إِنَّ رَبِّي قَدْ قَتَلَ رَبَّكُمَا لَيْلَةَ كَذَا وَكَذَا مِنْ شَهْرِ كَذَا وَكَذَا بَعْدَ مَا مَضَى مِنَ اللَّيْلِ، سَلَّطَ عَلَيْهِ ابْنَهُ شِيرَوَيْهِ فَقَتَلَهُ، فَقَالا: هَلْ تَدْرِي مَا تَقُوِلُ، إِنَّا قَدْ نَقَمْنَا مِنْكَ مَا هُوَ أَيْسَرُ مِنْ هَذَا، أَفَنَكْتُبُ بِهَا عَنْكَ، وَنُخْبِرُ الْمَلِكَ. قَالَ:
نَعَمْ أَخْبِرَاهُ ذَلِكَ عَنِّي، وَقُولا لَهُ: إِنَّ دِينِي وَسُلْطَانِي سَيَبْلُغُ مَا بَلَغَ مُلْكُ كِسْرَى، وَيَنْتَهِي إِلَى مُنْتَهَى الْخُفِّ وَالْحَافِرِ، قُولا لَهُ: إِنَّكَ إِنْ أَسْلَمْتَ أَعْطَيْتُكَ مَا تَحْتَ يَدَيْكَ وَمَلَّكْتُكَ عَلَى قَوْمِكَ مِنَ الأَبْنَاءِ، ثم أعطى خرّ خسره مِنْطَقَةً فِيهَا ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ كَانَ أَهْدَاهَا لَهُ بَعْضُ الْمُلُوكِ. فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ حَتَّى قَدِمَا عَلَى بَاذَانَ، فَأَخْبَرَاهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا هَذَا بِكَلامِ مَلِكٍ وَإِنِّي لأَرَى الرَّجُلَ نَبِيًّا/ كَمَا يَقُولُ وَلْتَنْظُرَنَّ مَا قَدْ قَالَ وَلَئِنْ كَانَ مَا قَدْ قَالَ حَقًّا مَا فِيهِ كَلامٌ إِنَّهُ لَنَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَسَنَرَى فِيهِ رَأْيَنَا. فَلَمْ يَلْبَثْ بَاذَانُ أَنْ قَدِمَ عَلَيْهِ كِتَابُ شِيرَوَيْهِ:
«أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي قَدْ قَتَلْتُ أَبِي كِسْرَى، وَلَمْ أَقْتُلْهُ إِلا غَضَبًا لًفاَرسً لِمَا كَانَ اسْتَحَلَّ مِنْ قَتْلِ أَشْرَافِهِمْ وَتَجْمِيرِهِمْ فِي ثُغُورِهِمْ [2] ، فَإِذَا جَاءَكَ كِتَابِي هَذَا فَخُذْ لِي الطَّاعَةَ مِمَّنْ قِبَلَكَ، وَانْظُرِ الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ كِسْرَى كَتَبَ إِلَيْكَ فِيهِ فلا تهجه حتى يأتيك أمري فيه.
فلما انْتَهَى كِتَابُ شِيرَوَيْهِ إِلَى بَاذَانَ، قَالَ: إِنَّ هذا الرجل لرسول الله، فأسلم الأبناء من فارس من كان منهم باليمن [3]
قَالَ الْقُرَشِيُّ: وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنِ الْمَقْبَرِيِّ، قَالَ:
جَاءَ فَيْرُوزُ الدَّيْلَمِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ كِسْرَى كَتَبَ إِلَى بَاذَانَ: بَلَغَنِي أَنَّ فِي أَرْضِكَ رَجُلا نَبِيًّا فَارْبُطْهُ وَابْعَثْهُ إِلَيَّ، فَقَالَ: إِنَّ رَبِّي غَضِبَ عَلَى رَبِّكَ فَقَتَلَهُ وَدَمُهُ يَثْخِنُ السَّاعَةَ، فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ، فَسَمِعَ الْخَبَرَ فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلامُهُ.
قال علماء السير [1] : كان أبرويز قد جمع من الأموال ما لم يجمعه أحد، ومن الجواهر والأمتعة والكراع، وافتتح من بلاد أعدائه، وبلغت خيله القسطنطينية وإفريقية، وكان شديد الفطنة، قوي الذكاء، بعث الإصبهبذ مرة إلى الروم فأخذ خزائن الروم وبعثها إلى كسرى، فخاف كسرى أن يتغير عليه الإصبهبذ لما قد نال من الظفر، فبعث من يقتله، فجاء إِلَيْهِ الرجل، فرأى من عقله وتدبيره، فقال: مثل هذا لا يقتل، فأخبره بما جاء لأجله، فبعث إلى قيصر: إني أريد أن ألقاك.
فالتقيا فقال له: إن الخبيث قد هم بقتلي، وإني أريد إهلاكه، فاجعل لي من نفسك ما أطمأن إِلَيْهِ، وأعطيك من بيوت أمواله مثل ما أصبت منك. فأعطاه المواثيق.
فسار قيصر في أربعين ألفا فنزل بكسرى، / فعلم كسرى كيف جرت الحال، فدعا قسا نصرانيا، فقال: إني كاتب معك كتابا لطيفا لتبلغه إلى الإصبهبذ ولا تطلعن على ذلك أحدا، فأعطاه ألف دينار، وقد علم كسرى أن القس يوصل كتابه إلى قيصر لأنه لا يحب هلاك الروم، وكان في الكتاب: إن الله قد أمكن منهم بتدبيرك فلا عدمت صواب الرأي، وأنا ممهل قيصر حتى يقرب من المدائن، ثم أغافصه في يوم كذا فأغير على من قبلك فإنه استئصالهم، فخرج القس بالكتاب فأوصله إلى قيصر، فقال قيصر:
ما أراد إلا هلاكنا. فانهزم واتبعه كسرى فنجى في شرذمة، وبلغ من فطنة كسرى أن منجميه قالوا: إنك ستقتل، فقال: لا قتلن من يقتلني [2] .
فلما بعث ابنه إليه ليقتله قال للرجل: إني أدلك على شيء فيه غناك الصندوق الفلاني. فذهب إلى شيرويه فأخبره، فأخرج الصندوق وفيه حق وفي الحق حب، وهناك مكتوب: من أخذ منه حبة افتض عشرة أبكار، فأخذه شيرويه وأعطى الرجل مالا، ثم أخذ منه حبة، فكان فيها هلاكه.
فكان كسرى أول ميت أخذ بثأره من حي.
قالوا: كان كسرى يشتي بالمدائن، ويصيف ما بينها وبين همذان، وكانت له اثنا عشر ألف امْرَأَة وجارية.
وقال بعض العلماء: كان في قصره ثلاثة آلاف امرأة يطؤهن، وألوف جواري [اتخذهن] للخدمة والغناء، وثلاثة آلاف رجل يقومون بخدمته، وثمانية آلاف وخمسمائة دابة لمراكبه، واثني عشر ألف بغلا لثقله، وكان له خمسون ألف دابة، وألف فيل إلا واحدا.
وبعضهم يقول: سبعمائة وستون فيلا، وبنى بيوت النيران، وأقام فيها اثني عشر ألف موبذ للزمزمة، وأحصي ما جبي من خراج بلاده وغير ذلك من المال المرتفع في سنة ثمان عشرة من ملكه، فكان/ أربعمائة ألف ألف مثقال وعشرين ألف ألف مثقال من الورق.
ثم حسد الناس على ما في أيديهم من المال وولي جباية الخراج من يظلم، واحتقر الأشراف، وأمر بقتل من في السجون وكانوا ستة وثلاثين ألفا، فتعلل المأمور وذهب الناس من العظماء إلى بابل وفيه شيرويه ابنه فأقبلوا به فلزموه ودخلوا به المدائن ليلا، فأطلق الأشراف، ودخل دار المملكة، واجتمع إليه الوجوه فملكوه، وأرسل إلى أبيه يقرعه بما كان منه.
واسم شيرويه [1] قباذ بن أبرويز، فلما ملك وحبس أباه دخل عليه عظماء الفرس، فقالوا له: إنه لا يستقيم أن يكون لنا ملكان، فإما أن تقتل كسرى ونحن راجعون لك [2] بالطاعة، وإما أن نخلعك ونعطيه الطاعة على ما كنا عليه، فكسرته هذه المعادلة، وأمر بتحويل كسرى من دار المملكة إلى دار رجل يقال له مارسفند، فحمل كسرى على برذون، وقنع رأسه، وسير به إلى تلك الدار ومعه ناس من الجند، فمروا به على إسكاف [جالس] [1] في حانوت عَلَى الطريق، فعرفه فحذفه بقالب، فعطف إليه رجل من الجند فضرب عنقه.
وقال شيرويه لرجل [2] : انطلق إلى الملك أبينا فقل له: إنا لم نكن للبلية التي أصبحت فيها ولا أحد من رعيتنا سببا، ولكن الله قضاها عليك جزاء لسيئ عملك وفتكك بأبيك هرمز، وإزالتك الملك عنه، وسملك عينيه، وقتلك إياه شر قتلة، ومنها سوء صنيعك إلى أبنائك، ولقد حظرت علينا مجالسة الأخيار، وكل من لنا فيه دعة وغبطة. ومنها إساءتك إلى أهل السجون فلقوا الشدائد، ومنها حبسك النساء لنفسك مكرهات مع ترك العطف عليهن، ومنها ما انتهكت من رعيتك في أمر الخراج وجمعك الأموال من وجوه المضار، وعدد عَلَيْهِ من هذا الفن، ثم قال: فإن كانت لك حجة فاذكرها، وإلا فتب إلى الله تعالى حتى نأمر فيك بأمرنا.
فمضى الرجل، فاستأذن عليه/ الحاجب، فقال كسرى: إن كان له إذن فليس لشيرويه ملك، وإن كَانَ لشيرويه ملك فلا إذن لنا معه. فدخل الرجل فبلغ الرسالة، وكانت بيد أبرويز سفرجلة فتدحرجت وتلوثت بالتراب، فقال كسرى: الأمر إذا أدبر فاتت الحيلة في إقباله، وإذا أقبل أعيت الحيلة في إدباره، فإن هذه السفر جلة سقطت من علو ثم لم تلبث أن تلطخت بالتراب، وفي ذلك دليل على سلب الملك، فإنه لا يلبث في أيدي عقبنا حتى يصير إلى من ليس من أهل المملكة.
فلما سمع الرسالة، قال: بلغ عني شيرويه القصير العمر أنه لا ينبغي [لذي عقل أن يبث من أحد الصغير من الذنب، ولا اليسير من السيئة] [3] إلا بعد تحقق ذلك عنده، ثم أخذ يعتذر عن ما نسب إليه.
فعاد بالجواب، فعاد عظماء الفرس تقول: لا يستقيم لنا ملكان، فأمر شيرويه بقتل كسرى، فانتدب لقتله رجال كان وترهم كسرى، فلما دخلوا عليه شتمهم فلم يقدموا على قتله، فتقدم منهم شاب كان كسرى قد قطع يد أبيه، فضربه بطبرزين على عاتقه فلم يحك فيه، ففتش كسرى، فإذا به قد شد على عضده خرزة لا يحبك السيف في من علقت عليه، فنحيت عنه، ثم ضربه أخرى فهلك.
وبلغ شيرويه فخرق جيبه وبكى منتحبا، وأمر بحمل جثته إلى الناووس، وشيعها العظماء، وأمر بقتل قاتل كسرى.
وكان ملك كسرى ثمانيا وثلاثين سنة، وخلف في بيت المال يوم قتل من الورق أربعمائة ألف بدرة، سوى الكنوز والذخائر والجواهر وآلات الملوك، فلما ملك شيرويه لم يتمتع بشيء من اللذات، بل جزع وبكى وعاش مهموما حزينا، ثم مات بعد ثمانية أشهر، ويقال: ستة أشهر.
أنبأنا مُحَمَّد بْن ناصر، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن الْحَسَن بْن خيرون، قال: أخبرنا الحسن بن الحسين بن دوما، قال: أخبرنا جدي لأبي إسحاق بن محمد الثعالبي، قال:
أخبرنا عبد الله بن إِسْحَاق المدائني، قال: أخبرنا/ قعنب بن المحور قال أخبرنا بكار، قال حدثنا عوف، عن غالب بْن عجرد، قال:
وجدنا صرة من حنطة في كنوز كسرى بن هرمز بن زياد، فإذا كل حبة مثل النواة، ووجدنا فيها كتابا: هذا ما كانت تنبت الأرض حين كان يعمل فيها بالصلاح زمن سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام.
وأما النجاشي فقال ابن إسحاق [1] : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي في شأن جعفر بن أَبِي طالب وأصحابه، وكتب معه:
«بسم الله الرحمن الرحيم، من مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى النجاشي ملك الحبشة، فإني أحمد إليك اللَّه الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن، وأشهد أن عيسى ابن مريم روح الله وكلمته، ألقاها إلى مريم البتول الطيبة، فحملت بعيسى، وإني أدعوك إلى اللَّه وحده لا شريك له، [والموالاة على طاعته] [1] ، وأن تتبعني وتؤمن بالذي جاءني، فإني رسول اللَّه، وقد بعثت إليك ابن عمي جعفرا ومعه نفر من المسلمين، والسلام على من اتبع الهدى» .
فكتب النجاشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم:
بسم الله الرحمن الرحيم، إلى محمد رسول الله، من النجاشي، سلام عليك يا نبي الله ورحمة الله وبركاته الذي لا إله إلا هو الذي هداني إلى الإسلام.
أما بعد، فقد بلغني كتابك يا رسول الله فيما ذكرت من أمر عيسى عليه السلام، فو ربّ السماء والأرض إن عيسى ما يزيد على ما ذكرت ثفروقا [2] ، إنه كما قلت، وقد عرفنا ما بعثت بِهِ إلينا، وقد قرينا [3] ابن عمك وأصحابه، وأشهد أنك رسول الله، وقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأسلمت على يديه للَّه رب العالمين، وقد بعثت إليك يا نبي الله فإن شئت أن آتيك يا رسول الله فعلت، وإني أشهد أن ما تقول حق، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
قال ابن إسحاق: وذكر أنه بعث ابنه في ستين من الحبشة في سفينة حتى إذا توسطوا البحر غرقتهم سفينتهم فهلكوا.
وقال الواقدي عن أشياخه [4] : إن أول/ [رسول] [5] بعثه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمرو بن أمية إلى النجاشي، وكتب إليه كتابين يدعوه في أحدهما إلى الإسلام، ويتلو عليه القرآن، فأخذ كتاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فوضعه على عينيه، ونزل عن سريره وجلس على الأرض متواضعا ثم أسلم وشهد شهادة الحق، وقال: لو كنت أستطيع أن آتيه لأتيته، وكتب إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بإجابته وتصديقه وإسلامه على يدي جعفر بن أبي طالب.
وفي الكتاب الآخر [يأمره] أن يزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب، وكانت قد هاجرت إلى الحبشة مع زوجها عبيد الله بن جحش الأسدي، فتنصر هناك ومات، وأمره صلى الله عليه وسلم في الكتاب أن يبعث لمن قبله من أصحابه وعلمهم، ففعل ذلك.
قال مؤلف الكتاب: وهذه الأخبار دالة على أن النجاشي هو الذي كانت الهجرة إلى أرضه.
وَقَدْ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا نَصْرُ بْنُ الْحَسَنِ، قال: أخبرنا عبد الغفار بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَد الْجَلْوَدِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، قال: حدّثنا مسلم بْنُ الْحَجَّاجِ، قَالَ: حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ:
أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَإِلَى النَّجَاشِيِّ، وَإِلَى كُلِّ جَبَّارٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَيْسَ بِالنَّجَاشِيِّ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ مُؤَلِّفُ الْكِتَابِ: فَعَلَى هَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَتَبَ إِلَى آَخَرٍ مِنْ مُلُوكِ الْحَبَشَةِ بَعْدَ أَنْ كَتَبَ إِلَى ذَاكَ.
وأما الحارث بن أبي شمر الغساني فروى الواقدي عن أشياخه [1] ، قَالُوا: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم شجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث بن أَبِي شمر الغساني يدعوه إلى الإسلام، وكتب معه كتابا، قال شجاع: فأتيت إليه وهو بغوطة دمشق، وهو مشغول بتهيئة الإنزال والإلطاف لقيصر، وهو جاء من حمص إلى إيلياء، فأقمت/ على بابه يومين أو ثلاثة، فقلت [لحاجبه] [2] : إني رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [إليه] ، فقال [3] : لا تصل إليه حيث يخرج يوم كذا وكذا، وجعل حاجبه- وكان روميا- يسألني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدعو إليه، فكنت أحدثه عن صفة رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يدعو إليه، فيرق حتى يغلبه البكاء، ويقول: إني قرأت الإنجيل فأجد صفة هذا النبي بعينه، فأنا أومن به وأصدقه، وأخاف من الحارث أن يقتلني، وكان يكرمني ويحسن ضيافتي. وخرج الحارث يوما فجلس ووضع التاج على رأسه، فأذن لي،فدفعت إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأه ثم رمى به، وقال: من ينتزع مني ملكي، أنا سائر إِلَيْهِ ولو كان باليمن جئته. علي بالناس. فلم يزل يعرض حتى قام، وأمر بالخيول تنعل، ثم قَالَ: أخبر صاحبك ما ترى.
وكتب إلى قيصر يخبره خبري وما عزم عليه، فكتب إليه قيصر ألا تسير إليه وأله عنه ووافني بإيلياء، فلما جاءه جواب كتابه دعاني فقال: متى تريد أن تخرج إلى صاحبك؟ فقلت: غدا، فأمر لي بمائة مثقال ذهب، ووصلني حاجبه بنفقة وكسوة، وقال: أقرئ على رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام، فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته فقال: «باد ملكه» . ومات الحارث بن أبي شمر عام الفتح.
وأما هوذة بن علي الحنفي قال مؤلف الكتاب: كان من الملوك العقلاء، إلا أن التوفيق عزيز، دخل على كسرى أبرويز، فقال له: أي أولادك أحب إليك، قال: الصغير حتى يكبر، والغائب حتى يقدم، والمريض حتى يبرأ، فقال: ما غذاؤك؟ قال: الخبز، فقال كسرى: هذا عقل الخبز لا عقل اللبن والتمر. وكان من يأكل الخبز عندهم ممدوحا.
وروى الواقدي عن أشياخه، قال [1] : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سليط بن عمرو العامري إلى هوذة بن علي الحنفي يدعوه إلى الإسلام، وكتب معه كتابا فقدم عليه فأنزله وحباه، وقرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، [وكتب إليه] وقال: ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله، وأنا شاعر قومي/ وخطيبهم، والعرب تهاب مكاني، فاجعل لي بعض الأمر أتبعك، وأجاز سليط بن عمرو جائزة، وكساه أثوابا من نسج هجر، فقدم بذلك كله على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره عنه بما كان وما قال، وقرأ كتابه، وقال: «لو سألني سيابة من الأرض ما فعلت، باد وباد ما في يديه» . فلما انصرف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم الفتح جاءه جبريل عليه السلام، وأخبره أنه قد مات.
وفي هذه السنة: أهدى ابن أخي عيينة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناقة يقال لها «السمراء» ،فأثابه ثلاثا، فسخط وقال: «لقد هممت أن لا أقبل هدية إلا من قرشي، أو ثقفي، أو دوسي» . وفي هذه السنة: أجدبت الأرض فاستسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس في رمضان.
وفيها: سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الإبل، فسبقت القصواء، وسبق بالخيل فسبق فرس أبي بكر.
وفيها: استجار أبو العاص بن الربيع بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجارته.
قال مؤلف الكتاب: وردها إليه على ما أشرنا إليه في ذكر غزوة بدر، وقد ذكرنا فيما تقدم أنه استجار بها، فلعله أشير إلى هذه الحالة.
وفيها: جاءت خولة بنت ثعلبة، وكان زوجها أوس بن الصامت، فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه ظاهر منها.
وفيها: تزوج عمر بن الخطاب رضي الله عنه جميلة بنت ثابت، فولدت له عاصما، وطلقها عمر.
وفيها: وقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمواله بثمغ








مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید