المنشورات

حجة الوداع

 قال المؤلف [4] : لما عزم رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ على الحج أذن بالناس بذلك، فقدم المدينة خلق كثير ليأتموا برسول الله صَلَّى الله عليه وآله وسلم في حجته، فخرج رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ من المدينة مغتسلا مدهنا مترجلا متجردا في ثوبين إزار ورداء، وذلك في يوم السبت لخمس [ليال] [5] بقين من ذي القعدة، فصلى الظهر بذي الحليفة ركعتين، وأخرج معه نساءه كلهن في هوادج، وأشعر هديه وقلده، ثم ركب ناقته، فلما استوى بالبيداء أحرم من يومه ذلك.
وكان يوم الاثنين بمر الظهران فغربت له الشمس بسرف، ثم أصبح واغتسل ودخل مكة نهارا وهو على راحلته، فدخل من أعلى مكة من كداء حتى انتهى إلى باب بني شيبة، فلما رأى البيت رفع يديه، وقال: «اللَّهمّ يزد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة، وزد من عظمه ممن حجه واعتمره تشريفا وتكريما ومهابة وتعظيما وبرا» . ثم بدأ فطاف بالبيت، ورمل ثلاثة أشواط من الحجر إلى الحجر وهو مضطبع بردائه، ثم صلى خلف المقام ركعتين، ثم سعى بين الصفا والمروة على راحلته من فوره ذلك.
وخطب بمكة خطبا في أيام حجه.
قال المؤلف:
ومما جرى بعد حجه صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ.
أن باذام والي اليمن مات، ففرق رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ عمالها بين شهر بن باذام/ وعامر بن شهر الهمداني، وأبي موسى الأشعري، وخالد بن سعيد بن العاص، ويعلى بن أمية، وعمرو بن حزم، وزياد بن لبيد البياضي على حضرموت، وعكاشة بن ثور على السكاسك والسكون.
وبعث معاذ بن جبل معلما لأهل البلدين: اليمن وحضرموت، وقال له: «يا معاذ إنك تقدم على قوم أهل كتاب وإنهم سائلوك عن مفاتح الجنة، فأخبرهم أن مفاتح الجنة لا إله إلا الله، وأنها تخرق كل شيء حتى تنتهي إلى الله عز وجل، لا تحجب دونه، من جاء بها يوم القيامة مخلصًا رجحت بكل ذنب» فقال: أرأيت ما سئلت عنه واختصم إلي فيه مما ليس في كتاب الله ولم أسمع منك سنة [1] ؟ فقال: «تواضع للَّه يرفعك، ولا تقضين إلا بعلم، فإن أشكل عليك أمر فسل ولا تستحي، واستشر ثم اجتهد، فإن الله إن يعلم منك الصدق يوفقك، فإن التبس عليك فقف حتى تتبينه أو تكتب إلي فيه، واحذر الهوى فإنه قائد الأشقياء إلى النار وعليك بالرفق» . وروى الإمام أحمد [في المسند] [1] ، قال: إن معاذ بن جبل لما بعثه رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ إلى اليمن خرج معه رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ يوصيه ومعاذ راكب ورسول الله صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ يمشي تحت راحلته، فلما فرغ،: قال: «يا معاذ إنك عسى ألا تلقاني بعد عامي هذا ولعلك تمر بمسجدي هذا وقبري، فبكى معاذ خشعا لفراق رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ ثم التفت وأقبل بوجهه نحو المدينة، فقال: «إن أولى الناس بي المتقون من كانوا وحيث كانوا» . وروي عن عبيد بن صخر، قال: أمر رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ عمال اليمن جميعا، فقال:
تعاهدوا الناس بالتذكرة واتبعوا الموعظة فإنها أقوى للعاملين على العمل بما يحب الله






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید