المنشورات

أخبار الأسود العنسي ومسيلمة وسجاح وطليحة

أما الأسود فاسمه عبهلة بن كعب، يقال له: «ذو الخمار» ، لقب بذلك لأنه كان يقول:
يأتيني ذو خمار. وكان الأسود [كاهنا] [4] مشعبذا [5] ويريهم الأعاجيب، ويسبي بمنطقه قلب من يسمعه، وكان أول خروجه بعد حجة رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ فكاتبته مذحج وواعدته [6] بحران، فوثبوا بها وأخرجوا عمرو بن حزم، وخالد بن سعيد بن العاص، وأنزلوه منزلهما، ووثب قيس بن عبد يغوث على فروة بن مسيك وهو على مراد، فأجلاه ونزل منزله، فلم يلبث عبهلة بحران أن سار إلى صنعاء فأخذها، وكتب فروة بن مسيك إلى رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ يخبره، ولحق بفروة من بقي على إسلامه من مذحج/ ولم يكاتب الأسود رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ ولم يرسل إليه لأنه لم يكن معه أحد يشاغبه، وصفا له ملك اليمن وقوي أمره [1] .
واعترض على الأسود وكاثره عامر بن شهر [2] الهمداني في ناحيته وفيروز وداذويه في ناحيتهما، ثم تتابع الذين كتب إليهم على ما أمروا به.
ثم خرج الأسود في سبعمائة فارس إلى شعوب [3] فخرج إليه شهر بن باذام وذلك لعشرين ليلة من خروجه، فقتل شهرا، وهزم الأبناء، وغلب على صنعاء لخمس وعشرين ليلة من خروجه. وخرج معاذ بن جبل هاربا حتى مر بأبي موسى وهو بمأرب [4] ، فاقتحما حضرموت، فنزل معاذ السكون، ونزل أبو موسى السكاسك، ورجع عمرو وخالد إلى المدينة، وغلب الأسود وطابقت [5] عليه اليمن وجعل أمره يستطير استطارة الحريق. ودانت له سواحل البحر، وعامله المسلمون بالتقية.
وكان خليفته في مذحج عمرو بن معديكرب، وكان قد أسند أمر جنده إلى قيس بن عبد يغوث، وأمر الأنباء إلى فيروز وداذويه.
ثم استخف بهم وتزوج امرأة شهر، وهي ابنة عم فيروز، فأرسل رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ إلى نفر من الأبناء رسولا وكتب إليهم أن يجاولوا الأسود إما غيلة وإما مصادمة، وأمرهم أن يستنجدوا رجالا سماهم لهم ممن خرجوا حولهم من حمير وهمدان، وأرسل إلى أولئك النفر أن ينجدوهم، فدعوا قيس بن عبد يغوث حين رأوا الأسود قد تغير عليه، فحدثوه الحديث وأبلغوه عن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، فأجاب ودخلوا على زوجته، فقالوا: هذا قتل أباك، فما عندك؟ قالت: هو أبغض خلق الله إلي وهو متحرز والحرس يحيطون بقصره إلا هذا البيت، فانقبوا عليه فنقبوا ودخل فيروز فخالطه فأخذ برأسه فقتله، فخار كأشد خوار ثور، فابتدر الحرس الباب، فقالوا: ما هذا؟ قالت المرأة: النبي يوحى إليه فإليكم ثم خمد.
وقد كان يجيء إليه/ شيطان فيوسوس له فيغط ويعمل بما قال له، فلما طلع الفجر نادوا بشعارهم الذي بينهم، ثم بالأذان، وقالوا فيه: نشهد أن محمدا رسول الله وأن عبهلة كذاب، وشنوها غارة. وتراجع أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ إلى أعمالهم، وكتبوا إلى رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ بالخبر فسبق خبر السماء إليه، فخرج قبل موته بيوم أو بليلة، فأخبر الناس بذلك، ثم ورد الكتاب، ورسول الله صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قد مات، إلى أبي بكر، وكان من أول خروج الأسود إلى أن قتل أربعة أشهر.
[أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَاجِّيُّ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ السَّمَرَقِنْدِيُّ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنُ بْنُ النَّقُّورِ، أَخْبَرَنَا الْمُخْلِصُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بكر أحمد بن عبد الله بن سيف بن سعد، أَخْبَرَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ أبي القاسم الشَّنَوِيِّ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ زِيَادٍ] [1] ، عَنِ ابْنِ عمر، قال: أتي النبي صلّى الله عليه وآله وسلم الْخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ اللَّيْلَةَ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا الْعَنْسِيُّ فَخَرَجَ لِيُبَشِّرَنَا، فَقَالَ: «قُتِلَ الْعَنْسِيُّ الأَسْوَدُ الْبَارِحَةَ، قَتَلَهُ رَجُلٌ مُبَارَكٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ مُبَارَكِينَ» ، قِيلَ: وَمَنْ [هُوَ] [2] ؟
قَالَ: «فَيْرُوزُ، فَازَ فَيْرُوزُ» . ذكر أخبار مسيلمة [3] قد ذكرنا أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ في وفد بني حنيفة، فلما عاد الوفد ارتد،وكان فيه دهاء فكذب لهم وادعى النبوة، وتسمى برحمان اليمامة، لأنه كان يقول: الذي يأتيني اسمه رحمان، وخاف أن لا يتم له مراده لأن قومه شاغبوه، فقال: هو كما يقولون إلا أنني قد أشركت معه، فشهد لرسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بأنه نبي، وادعى أنه قد أشرك معه في النبوة، وجعل يسجع لهم ويضاهي القرآن، فمن قوله: سبح اسم ربك الأعلى الذي يستر على الحبلى فأخرج منها نسمة تسعى من بين أضلاع وحشي. ويا ضفدعة بنت الضفدعين نقي ما تنقين وسبحي فحسن ما تسبحين للطين تغني سنين والماء تلبسين، ثم لا تكدرين ولا تفسدين فسبحي لنا فيما تسبحين. وكانوا قد سمعوا منه.
ومن قوله لعنه الله: والليل الأطحم [1] ، والذئب الأدلم [2] والجذع الأزلم [3] ما انتهكت أسيد من محرم. وكان يقصد بذلك نصرة أسيد على خصوم لهم.
وقال: / والليل الدامس والذئب الهامس ما قطعت أسيد من رطب ولا يابس.
وقال: والشاة وألوانها، وأعجبها السود وألبانها، والشاة السوداء واللبن الأبيض، إنه لعجب محض، وقد حرم المذق، ما لكم لا تمجعون.
وكان يقول: والمبذرات زرعا، والحاصدات حصدا، والذاريات قمحا، والطاحنات طحنا، والخابزات خبزا، والثاردات ثردا [4] ، واللاقمات لقما، إهالة وسمنا، لقد فضلتم على أهل الوبر، وما سبقكم أهل المدر، ريفكم فامنعوه.
وأتته امرأة، فقالت: ادع الله لنخلنا ولمائنا فإن محمدا دعا لقوم فجاشت آبارهم، فقال: وكيف فعل محمد؟ قالت: دعي بسجل، فدعا لهم فيه ثم تمضمض ومجه فيه، فأفرغوه في تلك الآبار، ففعل هو كذلك فغارت تلك المياه.
وقال له رجل: برك على ولدي، فإن محمدا يبرك على أولاد أصحابه، فلم يؤت بصبي مسح على رأسه أو حنكه إلا لثغ [1] وقرع [2] .
وتوضأ في حائط فصب وضوءه فيه فلم ينبت.
وكانوا إذا سمعوا سجعه، قالوا: نشهد أنك نبي، ثم وضع عنهم الصلاة وأحل لهم الخمر والزنا ونحو ذلك، فأصفقت معه بنو حنيفة إلا القليل وغلب على حجر اليمامة وأخرج ثمامة بن أثال، فكتب ثمامة إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ يخبره- وَكَانَ عامل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ على اليمامة وانحاز ثمامة بمن معه من المسلمين، وكتب مسيلمة إلى رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ:
من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله، أما بعد، فإن لنا نصف الأرض ولقريش نصف الأرض ولكن قريشا قوم لا يعدلون ويعتدون.
وبعث الكتاب مع رجلين: عبد الله بن النواحة، وحجير بن عمير، فقال لهما رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ: «أتشهدان أني رسول الله؟» قالا: نعم، قال: «أتشهد أن مسيلمة/ رسول الله؟» قالا: نعم قد أشرك معك، فقال: «لولا أن الرسول لا يقتل لضربت أعناقكما» . ثم كتب رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ:
«من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب، أما بعد: فإن الأرض للَّه يورثها من يشاء، والعاقبة للمتقين، وقد أهلكت أهل حجر، أقادك الله ومن صوب معك» . ذكر أخبار سجاح بنت الحارث بن سويد بن عقفان التميمية كانت [3] قد تنبّأت في الردة بعد موت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بالجزيرة في بني تغلب فاستجاب لها الهذيّل وترك التنصر وأقبل معها جماعة فقصدت قتال أبي بكر فراسلت مالك بن نويرة فأجابها ومنعها من قصد أبي بكر وحملها على أحياء من بني تميم، فأجابت فقالت: أعدوا الركاب واستعدوا للنهاب، ثم أغيروا على الرباب، فليس دونهم حجاب، فذهبوا فكانت بينهم مقتلة، ثم قصدت اليمامة فهابها مسيلمة، وخاف أن يتشاغل بحربها فيغلبه ثمامة بن [أثال وشرحبيل بْن حسنة] [1] ، فأهدى لها واستأمنها فجاء إليها.
وفي رواية أخرى أنه قال لأصحابه [2] : اضربوا لها قبة وجمروها لعلها تذكر الباه، ففعلوا فلما أتته قالت له: اعرض ما عندك، فقال لها: إني أريد أن أخلو معك حتى نتدارس، فلما خلت معه قالت: اقرأ علي ما يأتيك به جبريل، فقال لها: إنكن معشر النساء خلقتن أفواجا، وجعلتن لنا أزواجا نولجه فيكن إيلاجا، ثم نخرجه منكن إخراجا، فتلدن لنا أولادا ثجاجا فقالت: صدقت، أشهد أنك نبي، فقال لها: هل لك أن أتزوجك فيقال نبي تزوج نبية؟ فقالت: نعم، فَقَالَ:
ألا قومي إلى المخدع ... فقد هيّي لك المضجع
فإن شئت على اثنين ... وإن شئت على أربع
/ وإن شئت ففي البيت ... وإن شئت ففي المخدع
وإن شئت بثلثيه ... وإن شئت به أجمع [3]
فقالت: بل به أجمع فهو أجمع للشمل، فضربت العرب بها المثل، فقالت:
«أغلم من سجاح» . فأقامت معه ثلاثا وخرجت إلى قومها، فقالت: إني قد سألته فوجدت نبوته حقا، وإني قد تزوجته [فقالوا: مثلك لا يتزوج بغير مهر، فقال مسيلمة:
مهرها أني قد رفعت عنكم صلاة الفجر والعتمة] [4] .

ثم صالحته على أن يحمل إليها النصف من غلات اليمامة وخلفت من يقبض ذلك، فلم يفجأهم إلا دنو خالد منهم، فأرفضوا.
وبعث رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ إلى ثمامة بن أثال ومن يجتمع معه أن يجادلوا مسيلمة وأمره أن يستنجد رجالا قد سماهم ممن حولهم من تميم وقيس، وأرسل إلى أولئك النفر أن ينجدوه، وكانت بنو حنيفة فريقين: فرقة مع مسيلمة وهم أهل حجر، وفرقة مع ثمامة.
وأنهم التقوا فهزمهم مسيلمة، ولم تزل سجاح في بني تغلب حتى نقلهم معاوية عام الجماعة في زمانه، فأسلمت وحسن إسلامها






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید