المنشورات

رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ خرج فاقتص من نفسه

[أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ غَيْلانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا علي بن المديني، حدّثنا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الملك الليثي، عن القاسم بن يزيد، عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَخِيهِ] [1] الْفَضْلِ بن العباس قَالَ: جَاءَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ فَوَجَدْتُهُ مَوْعُوكًا قَدْ عَصَّبَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: «خُذْ بِيَدِي [فَضْلُ] [2] ، فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَانْطَلَقَ [3] حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ قَالَ: «نَادِ فِي النَّاسِ» فَلَمَّا اجْتَمَعُوا [4] إِلَيْهِ حَمِدَ الله وأثنى عليه، ثم قَالَ: «أما بعد، أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنَّهُ قَدْ دَنَا مِنِّي حُقُوقٌ [5] مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ، مَنْ كُنْتُ جَلَدْتُ لَهُ ظهرا فهذا/ ظهري فليستفد مِنْهُ، وَمَنْ كُنْتُ أَخَذْتُ لَهُ مَالا فَهَذَا مَالِي فَلْيَأْخُذْهُ [6] ، وَمَنْ كُنْتُ شَتَمْتُ لَهُ عِرْضًا [فَهَذَا عِرْضِي] [7] فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ، وَلا يَقُولَنَّ أَحَدٌ إِنِّي أَخْشَى الشَّحْنَاءَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ [8] ، أَلا وَإِنَّ الشَّحْنَاءَ لَيْسَتْ مِنْ طَبِيعَتِي [9] وَلا مِنْ شَأْنِي، أَلا وَإِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا كَانَ لَهُ [10] أَوْ حَلَّلَنِي فَلَقِيتُ اللَّهَ وَأَنَا طَيُّبُ النَّفْسِ، وَإِنِّي أَرَى [11] أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُغْنٍ [عَنِّي] [12] حَتَّى أَقُومَ فِيكُمْ مِرَارًا» .
ثُمَّ نَزَلَ فصلى الظُّهْرَ، ثُمَّ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَعَادَ لِمَقَالَتِهِ الأُولَى فِي الشَّحْنَاءِ وَغَيْرِهَا، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: إِذَنْ وَاللَّهِ لِي عِنْدَكَ ثَلاثَةُ [13] دَرَاهِمَ، فَقَالَ: «أَمَا إِنَّا لا نكذب قَائِلا وَلا نَسْتَحْلِفُ، فَبِمَ كَانَتْ لَكَ عِنْدِي؟» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَذكر يَوْمَ مَرَّ بِكَ الْمِسْكِينُ فَأَمَرْتَنِي فَأَعْطَيْتُهُ ثَلاثَةَ دَرَاهِمَ [1] ، قَالَ: أَعْطِهِ يَا فَضْلُ، فَأَمَرَ بِهِ فَجَلَسَ ثُمَّ قَالَ:
«أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَلْيُؤَدِّهِ فَلا يَقُولَنَّ رَجُلٌ فُضُوحُ الدُّنْيَا، فَإِنَّ فُضُوحَ الدُّنْيَا أَيْسَرُ مِنْ فُضُوحِ الآخِرَةِ» فَقَام رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي ثَلاثَةُ دَرَاهِمَ غَلَلْتُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: «وَلِمَ غَلَلْتَهَا؟» قَالَ: كُنْتُ مُحْتَاجًا، قَالَ: «خُذْهَا مِنْهُ يَا فَضْلُ» ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ خَشِيَ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئًا فَلْيَقُمْ فَلْنَدْعُ لَهُ» [2] فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَكَذَّابٌ [إِنِّي لَفَاحِشٌ] [3] وَإِنِّي لَنَوَّامٌ [4] ، فَقَالَ: «اللَّهمّ ارْزُقْهُ صِدْقًا وَأَذْهِبْ عَنْهُ النَّوْمَ إِذَا أَرَادَ» .
ثُمَّ قَامَ آخَرُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَكَذَّابٌ وَإِنِّي لَمُنَافِقٌ، وَمَا مِنْ شَيْءٍ [مِنَ الأَشْيَاءِ] [5] إِلا وَقَدْ جَنَيْتُهُ، قَالَ عُمَرُ: فَضَحْتَ نَفْسَكَ أَيُّهَا الرَّجُلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ:
«يا بن الْخَطَّابِ فُضُوحُ الدُّنْيَا أَيْسَرُ مِنْ فُضُوحِ الآخِرَةِ» ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهمّ ارْزُقْهُ صِدْقًا وَإِيمَانًا، وَصَيِّرْ أَمْرَهُ إِلَى خَيْرٍ» قَالَ: فَتَكَلَّمَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِكَلامٍ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ وَقَالَ: «عُمَرُ مَعِي وَأَنَا مَعَ عُمَرَ، وَالْحَقُّ مَعَ عُمَرَ حَيْثُ كَانَ» . قال مؤلف الكتاب: في هذا الحديث/ إشكال، والمحدثون يروونه ولا يعرف أكثرهم معناه، وهو قوله عليه السلام: «من كنت جلدت له ظهرا فليستقد» . وقد أجمع الفقهاء أن الضرب لا يجري فيه قصاص، وإنما أراد أن يعرف الناس أن من فعل ذلك ظلما فينبغي تأديته، وإلا فهو منزه عن الظلم.
ومن الحوادث أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ كان يصلي بالناس في مدة مرضه وإنما انقطع ثلاثة أيام، وقيل: سبع عشرة صلاة، فلما أذن بالصلاة في أول ما امتنع قال: «مروا أبا بكر أن يصلي بالناس» . [أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ المذهب، قال: أخبرنا أحمد بْن جَعْفَر، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أحمد، قال: حدثني أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ] [1] ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ [2] : لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ جَاءَهُ بِلالٌ لِيُؤْذِنَهُ بِالصَّلاةِ، فَقَالَ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، وَإِنَّهُ مَتَى يَقُومُ مَقَامَكَ لا يَسْمَعُ النَّاسُ، فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ، قَالَ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» ، قَالَتْ:
فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ: قُولِي لَهُ [3] ، فَقَالَتْ لَهُ حَفْصَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، وَإِنَّهُ [مَتَى] [4] يَقُومُ مَقَامَكَ لا يَسْمَعُ النَّاسُ، فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ، فَقَالَ: «إِنَّكُنَّ صُوَيْحِبَاتُ يُوسُفَ [5] ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» .
قَالَتْ: فَأَمَرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَلَمَّا دَخَلَ فِي الصَّلاةِ وَجَدَ رَسُولَ الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَقَامَ يَتَهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ [6] وَرِجْلاهُ [7] تَخُطَّانِ فِي الأَرْضِ حَتَّى دَخَلَ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا سَمِعَ أَبُو بَكْرٍ حِسَّهُ ذَهَبَ لِيَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ أَنْ قُمْ كَمَا أَنْتَ، فَجَاءَ رَسُولُ الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ حَتَّى جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ، وكان رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ قَاعِدًا وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمًا يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، وَالنَّاسُ يَقْتَدُونَ بِصَلاةِ أَبِي بَكْرٍ. أَخْرَجَاهُ فِي الصحيحين [8] .





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید