المنشورات

مرض أبي بكر رضي الله عنه

 وحدث في مرضه أنه عقد الخلافة من بعده لعمر رضي الله عنهما.
ولما أراد [2] ذلك دعا عبد الرحمن بن عوف، فقال: أخبرني عن عمر [بن الخطاب] [3] ، فقال: هو والله أفضل من رأيك فيه من رجل، [ولكن] [4] فيه غلظة، فقال أبو بكر: ذاك لأنه يراني رقيقا، ولو أفضى الأمر إليه لترك كثيرا مما هو عليه، ثم دعا عثمان [ابن عفان] [5] فقال: أخبرني عن عمر، فَقَالَ: أنت أخبرنا به، فقال: على ذلك [يا أبا عبد الله، فقال عثمان] [6] : اللَّهمّ [علمي به] [7] أن سريرته خير من علانيته، وأنه ليس فينا مثله، فقال أبو بكر رضي الله عنه: [يرحمك الله، والله] [8] لو تركته ما عدوتك.
ثم قال له [9] : اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجا [منها] [1] ، وأول عهده بالآخرة داخلا فيها حين يؤمن الكافر ويوقن الفاجر، [ويصدق الكاذب] [2] ، إني استخلفت عليكم.
ثم أغشي عليه، فكتب عثمان: [إني أستخلف عليكم] [3] عمر بن الخطاب.
فلما أفاق أبو بكر قال: اقرأ علي، فقرأ عليه، فكبر وقال: أراك خفت أن يختلف الناس إن أفلتت نفسي في غشيتي، قال: نعم، قال: جزاك الله خيرا عن الإسلام وأهله، وأقرها أبو بكر رضي الله عنه، وأمره فخرج عَلَى الناس بالكتاب، فبايعوه لمن فيه، قد علموا أنه عمر، ودخل عليه قوم، فقالوا: ما تقول لربك إذا سألك عن استخلافك عمرو أنت ترى غلظته، فقال: أجلسوني، أباللَّه تخوفوني، خاب من تزود من أمركم بظلم، أقول اللَّهمّ استخلفت عليهم خير أهلك. ثم دعا عمر وأوصاه.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الجوهري، قَالَ: أخبرنا أبو عمرو بن حيوية، قال: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا محمد بن سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مُسْرُوقٍ] [4] ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
لَمَّا مَرِضَ أَبُو بَكْرٍ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، قَالَ: انْظُرُوا مَا زَادَ فِي مَالِي مُنْذُ دَخَلْتُ الإِمَارَةَ فَابْعَثُوا بِهِ إِلَى الْخَلِيفَةِ مِنْ بَعْدِي، فَإِنِّي قَدْ كُنْتُ اسْتَصْلَحْتُهُ جَهْدِي، وَكُنْتُ أُصِيبُ مِنَ [الْوَدَكِ نَحْوًا مِمَّا كُنْتُ أُصِيبُ فِي] [5] التِّجَارَةِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَمَّا مَاتَ نَظَرْنَا فَإِذَا عبد/ نوبي كان يحمل صبيانه، وإذا نَاضِحٌ كَانَ يَسْقِي بُسْتَانًا لَهُ، فَبَعَثْنَا بِهِمَا إِلَى عُمَرَ، قَالَتْ: فَأَخْبَرَنِي حَرْبِيٌّ- يَعْنِي رَسُولِي- أَنَّ عُمَرَ بَكَى وَقَالَ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ لَقَدْ أَتْعَبَ مَنْ بَعْدَهُ تَعَبًا شديدا.
[قَالَ مُحَمَّدُ] بْنُ سَعْدٍ: [وَأَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ الْكِلابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلْيَمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ] [1] ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
أَطَفْنَا بِغُرْفَةِ [2] أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فِي مَرَضِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ [3] ، فَقُلْنَا لَهُ: كَيْفَ أَصْبَحَ أَوْ كَيْفَ أَمْسَى خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ؟ فَاطَّلَعَ عَلَيْنَا اطِّلاعَةً، فَقَالَ: أَلَسْتُمْ تَرْضَوْنَ بما أصنع؟ قلنا: بَلَى قَدْ رَضِينَا، قَالَ: وَكَانَتْ عَائِشَةُ هِيَ تُمَرِّضُهُ، [قَالَ] [4] : فَقَالَ: أَمَا إِنِّي قَدْ كُنْتُ حَرِيصًا عَلَى أَنْ أُوَفِّرَ لِلْمُسْلِمِينَ فَيْئَهُمْ مَعَ أَنِّي قَدْ كُنْتُ أَصَبْتُ مِنَ اللَّحْمِ وَاللَّبَنِ، فَانْظُرُوا إِذَا رَجَعْتُمْ مَا كَانَ عِنْدَنَا فَأَبْلِغُوهُ عُمَرَ. قَالَ: فَذَاكَ حِينَ عَرَفُوا أَنَّهُ اسْتَخْلَفَ عُمَرَ.
قَالَ: وَمَا كَانَ عِنْدَهُ دِينَاٌر وَلا دِرْهَمٌ، مَا كَانَ إِلا خَادِمٌ وَلِقْحَةٌ وَمَحْلَبٌ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عُمَرُ يُحْمَلُ إِلَيْهِ، قَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ لَقَدْ أَتْعَبَ مَنْ بَعْدَهُ.
[قَالَ] ابْنُ سَعْدٍ: [أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ] [5] ، عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ:
تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَلَيْهِ سِتَّةُ آَلافِ دِرْهَمٍ [كَانَ] [6] أَخَذَهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، قَالَ: إِنَّ عُمَرَ لَمْ يَدَعْنِي حَتَّى أَصَبْتُ مِنْ بَيْتِ المال ستة آلاف درهم، وإن حائطي الّذي بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا فِيهَا، فَلَمَّا تُوُفِّيَ ذكر ذَلِكَ لِعُمَرَ فَقَالَ:
يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ لَقَدْ أَحَبَّ أَنْ لا يَدَعَ لأَحَدٍ بَعْدَهُ مَقَالا، وَأَنَا وَالِي الأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ وَقَدْ رَدَدْتُهَا عَلَيْكُمْ.
[قَالَ] ابْنُ سَعْدٍ: [وَأَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ يَحْيَى] [7] ، عن قتادة، قال:
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لِي مِنْ مَالِي مَا رَضِيَ رَبِّي مِنَ الْغَنِيمَةِ [1] ، فَأَوْصَى بِالْخُمُسِ [2] .
[قَالَ] ابْنُ سَعْدٍ: [وَأَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ] [3] عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا بَكْرٍ الْوَفَاةُ جَلَسَ فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ يَا بُنَيَّةَ، فَإِنِّ أَحَبَّ النَّاسِ غِنًى إِلَيَّ بَعْدِي أَنْتِ، وَإِنَّ أَعَزَّ النَّاسِ عَلَيَّ فَقْرًا بَعْدِي أَنْتِ، وَإِنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكِ جُدَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِي فَوَدَدْتُ وَاللَّهِ أَنَّكِ حُزْتِيهِ وَأَخَذْتِيهِ [4] ، فَإِنَّمَا [هُوَ مَالُ الْوَارِثِ] [5] وَهُمَا أَخَوَاكِ وَأُخْتَاكِ. قَالَتْ: / قُلْتُ: هَذَانِ أَخَوَايَ فَمَنْ أُخْتَايَ؟ قَالَ: ذُو بَطْنِ ابْنَةِ خَارِجَةَ فَإِنِّي أَظُنُّهَا جَارِيَةً [6] .
[قَالَ] ابْنُ سَعْدٍ: [وَأَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ] [7] ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
مَا تَرَكَ أَبُو بَكْرٍ دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا ضَرَبَ اللَّهُ سِكَّتَهُ [8] .
[قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ الْمِغْوَلِ] [9] ، عَنْ أَبِي السَّفَرِ، قَالَ:
مرض أبو بكر، فقالوا: ألا تدعو الطَّبِيبَ؟ فَقَالَ: قَدْ رَآنِي فَقَالَ إِنِّي فَعَّالٌ لما أريد [10] .





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید