المنشورات

عمر و وصيته لعماله وتعاهده إياهم

قال صالح بن كيسان [5] : أول كتاب كتبه عمر حين ولي إلى أبي عبيدة يوليه على جند خالد: أوصيك بتقوى الله الذي يبقى ويفنى ما سواه، الذي هدانا من الضلالة، وأخرجنا من الظلمات إلى النور. وقد استعملتك على جند خالد بن الوليد، فقم بأمرهم الذي يحق [عليك] [1] ، لا تقدم المسلمين إلى هلكة رجاء غنيمة، ولا تنزلهم منزلا قبل أن تستزيده لهم، وتعلم كيف مأتاه، ولا تبعث سرية إلا في كثف من الناس [2] ، وإياك وإلقاء المسلمين في الهلكة، [وقد أبلاك الله بي وأبلاني بك] [3] ، فغمض بصرك عن الدنيا، وإياك أن تهلكك كما أهلكت من كان قبلك، فقد رأيت مصارعهم.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قالا: أخبرنا ابن النقور، أخبرنا المخلص، أخبرنا أحمد بن عبد الله، أَخْبَرَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ عَبْدَةَ بْنِ مُعَتِّبٍ] [4] ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ:
لَمَّا وَلِيَ عُمَرُ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: اقْضِ بَيْنَ النَّاسِ، وَتَجَرَّدْ لِلْحَرْبِ.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، وَحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ] [5] ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ:
كَتَبَ عُمَرُ إِلَى الْقُضَاةِ مَعَ أَوَّلِ قِيَامِهِ: أَنْ لا تَبُتُّوا الْقَضَاءَ إِلا عَنْ مَلأ، فَإِنَّ رَأْيَ الْوَاحِدِ يَقْصُرُ إِذَا اسْتَبَدَّ، وَيَبْلُغُ إِذَا اسْتَشَارَ، وَالصَّوَابُ مَعَ الْمَشُورَةِ. وَقَالَ: يَا مَعَشْرَ الْعَرَبِ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ أَذَلَّ أُمَّةٍ وَأَشْقَاهَا حَتَّى أَعَزَّكُمُ اللَّهُ بِالإِسْلامِ، فَكُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، فَلا تَطْلُبُوا الْعِزَّةَ بِغَيْرِهِ فَتَذِلُّوا.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قالا: أخبرنا ابن النقور، أخبرنا المخلص، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بن يحيى، حدّثنا شعيب،عَنِ الرَّبِيعِ] [1] / وَأَبِي عُثْمَانَ وَأَبِي الْحَارِثَةِ وَأُبَيٍّ المجالد بإسنادهم، قَالُوا:
كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِذَا بَعَثَ عُمَّالَهُ يَشْتَرِطُ عَلَيْهِمِ: أَنْ لا تَتَّخِذُوا عَلَى الْمَجَالِسِ الَّتِي تَجْلِسُونَ فِيهَا لِلنَّاسِ بَابًا، وَلا تَرْكَبُوا الْبَرَاذِينَ، وَلا تَلْبَسُوا الثِّيَابَ الرِّقَاقَ، وَلا تَأْكُلُوا النَّقِيَّ، وَلا تَغِيبُوا عَنْ صَلاةِ الْجَمَاعَةِ، وَلا تُطْمِعُوا فِيكُمُ السُّعَاةَ.
فمر يوما في طريق من طرق المدينة وفي ناحية [منها] [2] رجل يسأل، فقال: يا عمر تستعمل العمال وتعهد إليهم عهدك، ثم ترى أن ذلك قد أجزاك، كلا والله إنك لمأخوذ إذا لم تعاهدهم، قال: وما ذلك؟ قال: عياض بن غنم يلبس اللين، ويفعل ويفعل، فقال: أساع؟ قال: بل مؤدي الذي عليه فبعث إلى محمد بن مسلمة أن الحق بعياض بن غنم فآتني به كما تجده، فانتهى إلى بابه وإذا عليه بواب، فقال له: قل لعياض على الباب رجل يريد أن يلقاك، قال: ما تقول؟ قال: قل له ما أقول لك. فذهب كالمتعجب، فأخبره، فعرف عياض أنه أمر حدث، فخرج فإذا محمد بن مسلمة، فرحب به وقال: ادخل، وإذا عليه قميص رقيق لين، فقال: إن أمير المؤمنين أمرني أن لا يفارق سوادي سوادك حتى أذهب بك كما أجدك، ونظر في أمره فوجد الأمر كما حدثه السائل.
فلما قدم به على عمر وأخبره، دعا بدراعة وكساء وحذاء وعصا، وقال: أخرجوه من ثيابه، فأخرج منها وألبسه ذلك، ثم قال: انطلق بهذه الغنم فأحسن رعيتها وسقيها والقيام عليها، واشرب من ألبانها، واجتز من أصوافها، وارفق بها، فإن فضل شيء فأردده علينا. فلما مضى رده، وقال: أفهمت؟ / قال: نعم، والموت أهون من هذا، قال: كذبت، ولكن ترك الفجور أهون من هذا. ثُمَّ قال له: أرأيت لو رددتك أتراه يكون فيك خير؟ قال: نعم والله يا أمير المؤمنين، ولا يبلغنك عني شيء بعد هذا، فرده ولم يبلغه عنه شيء إلا ما أحب حتى مات.
[وحدثنا سيف، عن عبد الملك] [3] ، عن عاصم، قال: مات عياض بن غنم بعد أبي عبيدة، فأمر عمر على عمله سعيد بن عامر بن جذيم، فمات سعيد فأمر عمر مكانه عمير بن سعيد الأنصاري.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أخبرنا ابن حيويه، أخبرنا أحمد بن معروف، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهِمِ، حَدَّثَنَا] [1] مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَسْعَدَ الْجُهَنِيُّ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ] [2] ، عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ:
أَيُّمَا عَامِلٍ لِي ظَلَمَ [أَحَدًا] فَبَلَغَتْنِي مَظْلَمَتُهُ فَلَمْ أُغَيِّرْهَا فَأَنَا ظَلَمْتُهُ.
قال محمد بن سعد: كان عدي بن فضلة قديم الإسلام بمكة، وهاجر إلى الحبشة ومات هناك أول من مات ممن هاجر، وأول من ورث في الإسلام، ورثه ابنه النعمان، وكان عمر قد استعمل النُّعمان على ميسان، وكان يقول الشعر، فقال:
ألا هل أتى الحسناء أن حليلها ... بميسان يسقى في زجاج وحنتم
إذا شئت غنتني دهاقين قربة ... ورقاصة يحثو على كل ميسم
فإن كنت ندماني فبالأكبر اسقني ... ولا تسقني بالأصغر المتثلم
لعل أمير المؤمنين يسوؤه ... تنادمنا في الجوسق المتهدم
فلما بلغ عمر قوله قال: نعم والله إنه ليسوؤني، من لقيه فليخبره أني قد عزلته.
فقدم عليه رجل من قومه فأخبره بعزله، فقدم على عمر، فقال: والله ما صنعت شيئا مما قلت، ولكن كنت امرأ شاعرا [وجدت فضلا من قول فقلت فيه الشعر] [3] ، فَقَالَ عمر:
والله لا تعمل على عمل ما بقيت وقد قلت ما قلت [4] .
[أَنْبَأَنَا الْحُسَيْنُ بن محمد بن عبد الوهاب، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَر بْن الْمُسْلِمَةِ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْمُخَلِّصُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن سُلَيْمَان بْن دَاوُد، حَدَّثَنَا الزُّبَير بْن بكار، قَالَ:
حدثني محمد بن الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ الْحِزَامِيُّ، عَنْ أَبِيهِ] [5] ، قَالَ:
لَمَّا بَلَغَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ هَذَا الشِّعْرُ كتب إلى النعمان بن فضلة: بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذَّنْبِ/ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ. أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ بَلَغَنِي قَوْلُكَ:
لَعَلَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَسُوؤُهُ ... تَنَادُمُنَا فِي الْجَوْسَقِ الْمُتَهَدِّمِ
وَايْمُ اللَّهِ إِنَّهُ لَيَسُوؤُنِي، وَعَزَلَهُ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بَكَّتَهُ بِهَذَا الشِّعْرِ، فَقَالَ لَهُ: يَا أمير المؤمنين، مَا شَرِبْتُهَا قَطُّ، وَمَا ذَاكَ الشِّعْرُ إِلا شَيْءٌ طَفَحَ عَلَى لِسَانِي، فَقَالَ عُمَرُ:
أَظُنُّ ذَلِكَ وَلَكِنْ لا تَعْمَلْ لِي عَلَى عَمَلٍ أَبَدًا





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید