المنشورات

وقعة القرقس

 ثم جاء بهمن جاذويه ومعه راية كسرى والفيل، فقال لأبي عبيد: إما أن تعبروا إلينا، وإما أن تدعونا نعبر إليكم، فقال الناس: لا تعبر أبا عبيد، فقال: لا يكونوا أجرأ على الموت منا، بل نعبر، فعبروا إليهم واقتتلوا- وأبو عبيد فيما بين التسعة والعشرة- وكانت الخيول إذا نظرت إلى الفيلة عليها الحلية والخيل [2] عليها التجافيف [3] لم تقدم خيولهم، وإذا حملوا على المسلمين فرقوهم [4] ورموهم بالنشاب.
فترجل أبو عبيد والناس، ثم قال للناس: أقصدوا الفيلة، وواثب هو الفيل الأبيض، فتعلق ببطانه فقطعه، وفعل القوم مثل ذلك، فما تركوا فيلا إلا حطوا رحله، وقتلوا أصحابه، وقتل من المشركين ستة آلاف في المعركة، ولم ينتظروا غير الهزيمة، فأهوى أبو عبيد، فنفخ مشفر الفيل بالسيف، فخبطه الفيل.
وكان أبو عبيد لما رأى الفيل، قال: ما هذا؟ ولم يكن رآه قط، فقالوا: هذا الفيل، فارتجز وقال:
يا لك من ذي أربع ما أكبرك. ... يا لك من يوم وغى ما أمكنك إني لغال بالحسام مشفرك ... وهالك وفي الهلاك لي درك
ثم ضربه على خرطومه فقطعه ووقع عليه الفيل فقتله. فلما بصر الناس بأبي عبيد تحت الفيل ضعفت/ نفوسهم، ثم حاربوا الفيل حتى تنحى عنه فاجتروه إلى المسلمين، وجال المسلمون، فركبهم أهل فارس، وأخذ اللواء سبعة من المسلمين، كلهم يقتل، فبادر عبد الله بْن مرثد الثقفي الجسر فقطعه وانتهى الناس إليه والسيوف تأخذهم، فتهافتوا في الفرات، فأصابوا يومئذ من المسلمين أربعة آلاف من بين غريق وقتيل، وهرب ألفان، وبقي ثلاثة آلاف، وحمى المثنى الناس وعاصم والكلج الضبي ومذعور، حتى عقدوا الجسر وعبروهم ثم عبروا في آثارهم، وخرج الحماة كلهم.
فبينما أهل فارس يحاولون العبور أتاهم الخبر أن الناس بالمدائن قد ثاروا برستم، ونقضوا الذي بينهم وبينه وبلغ عمر الخبر فاشتد عليه، وقال: لو أن أبا عبيد انحاز إلي لكنت له فئة. وقال للمنهزمين: أنا فئتكم.
وكان بين وقعة اليرموك والجسر أربعون ليلة، فكانت اليرموك في جمادى الآخرة، والجسر في شعبان






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید