المنشورات

ليلة القادسية

فأصبحوا صبيحة ليلة الهرير- وهي تسمى ليلة القادسية- والناس حسرى لم يغمضوا ليلتهم كلها، ثم اقتتلوا حتى قام قائم الظهيرة، وهبت ريح عاصف [7] فمال الغبار على المشتركين، فانتهى القعقاع وأصحابه إلى سرير رستم، وقد قام عنه، فاستظل في ظل بغل عليه مال، فضرب هِلال بن علفة [8] الحمل الذي رستم تحته، فقطع حباله، ووقع عليه إحدى العدلين، فأزال من ظهره فقارا، ومضى رستم نحو العتيق فرمى نفسه فيه، واقتحمه هلال فأخذ برجله ثم خرج به، فقتله ثم جاء به حتى رمى به بين أرجل البغال، وصعد السرير، ثم نادى: قتلت رستم ورب الكعبة، إلي إلي، فأطافوا به، فانهزم المشركون وتهافتوا في العتيق، فقتل المسلمون منهم ثلاثين ألفا، وقتلوا في المعركة عشرة آلاف سوى من قتل قبل ذلك، وكان المسلم يدعو الكافر فيأتي إليه فيقتله، وثبت جماعة من/ المشركين استحياء من الفرار، فقتلهم المسلمون.
وقتل ليلة الهرير ويوم القادسية من المسلمين ستة آلاف [1] .
ولما انهزموا [2] أمر سعد زهرة بن الحوية باتباعهم، فتبعهم والجالنوس يحميهم، فقتله زهرة وقتل خلقا كثيرا منهم، ثم رجع بأصحابه فبات بالقادسية، واستكثر سعد سلب الجالنوس، فكتب إلى عمر، فكتب إليه: إني قد نفلت من قتل رجلا سلبه، فأعطاه إياه، فباعه بسبعين ألفا، وجمع من الأسلاب والأموال ما لم يجمع مثله.
وكان أهل فارس قد خرجوا بأموالهم ليردوا بها إلى المدينة ليغزوا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقضى الله بها للمسلمين. وكان مع رستم ستمائة ألف ألف، وأصاب صاحب الفرسين يومئذ سبعا وعشرين ألفا، ولم يعبأوا بالكافور لأنهم ما عرفوه، فباعوه من قوم مروا بهم كيلا من الكافور بكيل من الملح الطيب، وقالوا: ذاك ملح مر.
[أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ، قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرني أَبُو الحَسَن مُحَمَّد بْن عبد الواحد، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الحسين بْن حُمَيد بْن الربيع اللخمي، قال: حدثني جدي، قال:
حدثنا إبراهيم بن إسماعيل، قال: حدثنا حفص بْن غياث، عن الأعمش] [3] عن حبيب بن صهبان، قال:
شهدت القادسية، قال: فانهزموا حتى أتوا المدائن، قال: وسبقناهم فانتهينا إليها وهي تطفح، فأقحم رجل منا فرسه وقرأ: وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ الله كِتاباً مُؤَجَّلًا 3: 145 [4] . قال: فعبر ثم تبعوه الناس أجمعون، فعبروا فما فقدوا عقالا ما خلا رجلا منهم انقطع منه قدح كان معلقا بسرجه، فرأيته يدور في الماء. قال: فلما رأونا انهزموا من غير قتال. قَالَ: فبلغ سهم الرجل ثلاث عشرة دابة، وأصابوا من الجامات الذهب والفضة. قال: فكان الرجل منا يعرض الصحفة الذهب يبدلها بصحفة من فضة يعجبه بياضها/ فيقول: من يأخذ صفراء بيضاء.
قال علماء السير [1] : وخرج صبيان العسكر في القتلى ومعهم الأداوي يسقون من به رمق من المسلمين، ويقتلون من به رمق من المشركين، ثم إن الفرس قصدوا المدائن يريدون نهاوند، فاحتملوا معهم الذهب والفضة والديباج والسلاح وبنات كسرى، وخلوا ما سوى ذلك، واتبعهم سعد بالطلب، فبعث خالد بن عرفطة، وعياض بن غنم في آخرين، فلما صلح مرض سعد اتبعهم بمن بقي معه من المسلمين حتى أدركهم دون دجلة على بهرسير، فطلبوا المخاضة فلم يهتدوا [لها] ، فدلهم رجل من أهل المدائن على مخاضة بقطربل، فخاضوا ثم ساروا حتى أتوا جلولاء [2] ، فكانت بها وقعة هزم الله فيها الفرس، وأصاب المسلمون بها من الفيء أفضل ما أصابوا بالقادسية، ثم كتب سعد إلى عمر بالفتح، فكتب إليه عمر: قف مكانك ولا تتبعهم، واتخذ للمسلمين دار هجرة ومنزل جهاد، ولا تجعلن بيني وبين المسلمين بحرا، فنزل الأنبار فاجتواها، فنزل موضع الكوفة اليوم، وخط مسجدها، وخط فيه الخطط للناس.
وقيل: إن بقيلة قال له: ألا أدلك على أرض ارتفعت عن البر وانحدرت عن الفلاة، فدله عَلَى موضع الكوفة اليوم.
وقيل: كان ذلك في سنة خمس عشرة.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيُّ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ النَّقُّورِ، أَخْبَرَنَا أَبُو طاهر المخلص، أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ سَيْفٍ، أَخْبَرَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ عُمَرَ] [3] ، عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ:
لَمَّا أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخبر بنزول رستم القادسية كان يستخبر الرُّكْبَانَ عَنْ أَهْلِ الْقَادِسِيَّةِ مِنْ حِينِ يُصْبِحُ [إِلَى انْتِصَافِ] [1] النَّهَارِ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى أَهْلِهِ، فلما لقيه الْبَشِيرُ سَأَلَهُ: مِنْ أَيْنَ جَاءَ؟ فَأَخْبَرَهُ، قَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي، قَالَ: / هَزَمَ اللَّهُ الْعَدُوَّ، وَعُمَرُ يَحُثُّ مَعَهُ وَيَسْتَخْبِرُهُ، وَالْبَشِيرُ يَسِيرُ يَحُثُّ نَاقَتَهُ [2] لا يَعْرِفُهُ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ، فَإِذَا النَّاسُ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: فَهَلا أَخْبَرَتْنِي رَحِمَكَ اللَّهُ أَنَّكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَجَعَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: لا عَلَيْكَ يَا أَخِي.
وهذه وقعة القادسية قد ذكرنا أنها كانت سنة أربع عشرة.
[وقال ابن إسحاق [3] : كانت سنة خمس عشرة] [4] .
وقال الواقدي [5] : سنة ست عشرة.
قال ابن جرير: وهو الثبت عندنا [6]






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید