المنشورات

اختط البصرة

وجه عمر بن الخطاب عتبة بن غزوان إلى البصرة، وأمره بنزولها بمن معه، وقيل: كان ذلك في سنة خمس عشرة، وكذلك دخول سعد الكوفة.
وقد زعم سيف أن البصرة مصرت في سنة ست عشرة، وأن عتبة [بن غزوان] خرج إلى البصرة من المدائن بعد فراغ سعد من جلولاء وتكريت، وجهه إليها سعد بأمر عمر.
والأول أثبت، وعليه الجمهور.
وقال عمر لعتبة [1] : إني أريد أن أوجهك إلى أرض/ الهند- وكانت البصرة تدعى أرض الهند، فيها حجارة بيض خشنة- لتمنع أهلها أن يمدوا إخوان فارس، فنزلها في ربيع الأول سنة أربع عشرة، وفيها سبع دساكر، فكتب إليه عمر: اجمع الناس موضعا واحدا وقد كتبت إلى العلاء بن الحضرمي أن يمدك بعرفجة بن هرثمة، وهو ذو مكايدة للعدو، فإذا قدم عليك فاستشره، وادع إلى الله، فمن أجابك فاقبل منه، ومن أبى فالجزية وإلا السيف، واتق مصارع الظالمين.
وفي رواية [2] : أن عمر قال له: انطلق أنت ومن معك حتى إذا كنتم في أقصى أرض العرب، وأدنى أرض العجم فأقيموا. فنزلوا موضع البصرة.
فأقام شهرا [3] ، ثم خرج إليه أهل الأبلة، فناهضهم عتبة، فمنحه الله أكتافهم وانهزموا، فأصاب المسلمون رحلا كثيرا، وفتح الله الفتح على يد أبي بكرة في خمسة أنفس، وشهد فتح الأبلة مائتان وسبعون.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحسين بن أحمد الْقَادِرِ بْنِ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الحسن محمد بن علي بن صخر، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو غِيَاثٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو رَوْقٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ الْمُهَلَّبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ الْمُثَنَّى بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبَّقِ الْهُذَلِيُّ] [4] عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ:
شَهِدْتُ فَتْحَ الأُبُلَّةِ وَأَمِيرُنَا قُطْبَةُ بْنُ قَتَادَةَ السَّدُوسِيُّ، فَاقْتُسِمَتِ الْغَنَائِمُ، فَدُفِعَتْ إِلَيَّ قِدْرٌ مِنْ نُحَاسٍ، فَلَمَّا صَارَتْ فِي يَدِي تَبَيَّنَ لِي أَنَّهَا ذَهَبٌ، وَعَرَفَ ذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ فَنَازَعُونِي إِلَى أَمِيرِنَا، فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: صِرَّ إِلَى يَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا ذَهَبٌ إِلا بَعْدَ مَا صارت إليه، فإن حلف فادفعها إِلَيْهِ، وَإِنْ أَبَى فَاقْسِمْهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَحَلَفَ فَدَفَعَهَا [إِلَيْهِ] ، وَكَانَ فِيهَا أَرْبَعُونَ أَلْفَ مِثْقَالٍ.
قَالَ جَدِّي: فَمِنْهَا أَمْوَالُنَا الَّتِي نَتَوَارَثُهَا إِلَى الْيَوْمِ.
قال علماء السير [1] : ولما فرغ عتبة من الأبلة جمع له المرزبان [دست ميسان] [2] ، فسار إليه عتبة، وقيل لصاحب الفرات: إن ها هنا قوما يريدونك، فأقبل في أربعة آلاف أسوار.
قال المدائني [3] : كتب قطبة بن قتادة- وهو أول من أغار على السواد من ناحية البصرة- إلى عُمَر أنه لو كان معه عدد ظفر بمن/ في ناحيته من العجم، فبعث عمر عتبة بن غزوان أحد بني مازن بن منصور في ثلاثمائة، وانضاف إليه في طريقه نحو من مائتي رجل، فنزل أقصى البر حيث سمع نقيق الضفادع، وكان عمر قد تقدم إليه أن ينزل في أقصى أرض العرب وأدنى أرض العجم، فكتب إلى عمر: إنا نزلنا في أرض فيها حجارة خشن بيض، فقال عمر: الزموها فإنها أرض بصرة، فسميت بذلك، ثم سار إلى الأبلة فخرج إليه مرزبانها في خمسمائة أسوار، فهزمهم عتبة، ودخل الأبلة في شعبان سنة أربع عشرة، وأصاب المسلمون سلاحا ومتاعا وطعامًا، وكانوا يأكلون الخبز وينظرون إلى أبدانهم عل سمنوا؟
وأصابوا براني فيها جوز، فظنوه حجارة، فلما ذاقوه استطابوه، ووجدوا صحناة، فقالوا: ما كنا نظن أن العجم يدخرون العذرة، وأصاب رجل سراويل، فلم يحسن لبسها فرمى بها، وقال: أخزاك الله من ثوب، فما تركك أهلك لخير، فجرى ذلك مثلا، ثم قيل: من شر ما ألقاك أهلك.
وأصابوا أرزا في قشره، فلم يمكنهم أكله، وظنوه سما، فقالت بنت الحارث بن كلدة: إن أبي كان يقول إن النار إذا أصابت السم ذهبت غائلته، فطبخوه فتعلق فلم يمكنهم أكله، فجاء من نقاه لهم فجعلوا يأكلونه ويقدرون أعناقهم ويقولون: قد سمنا.
وبعث عتبة إلى عمر بالخمس مع رافع بن الحارث، ثم قاتل عتبة أهل دست ميسان فظفر بهم، واستأذن عمر في الحج فأذن له. فلما حج رده إلى البصرة حتى إذا كان بالفرع رفسته ناقته فمات وقيل وقصته، فولى عمر البصرة والمغيرة بن شعبة، فرمي بالزنا فعزله وولى أبا موسى.
وقال علماء السير: إن عمر كتب إلى العلاء بن الحضرمي، وهو بالبحرين: أن سر إلى عتبة فقد وليتك عمله، واعلم أنك تقدم على رجل من المهاجرين الأولين الذين سبقت لهم من الله الحسنى، لم أعزله إلا لظني أنك أعنى عن المسلمين في تلك الناحية منه، فاعرف له حقه، ووفد/ عتبة إلى عمر، وأمر المغيرة أن يصلي بالناس حتى قدم مجاشع من الفرات، فإذا قدم فهو الأمير، فظفر مجاشع بأهل الفرات ورجع إلى البصرة. وجمع بعض عظماء فارس للمسلمين، فخرج إليه المغيرة بن شعبة فظفر به، وأمر عتبة أن يرجع إلى عمله، فمات عتبة في الطريق. وكانت ولايته ستة أشهر.
قال الواقدي: ورأيت من عندنا يقول: إنما كان عتبة مع سعد بن أبي وقاص، فوجه به إلى البصرة بكتاب عمر، وما زالت البصرة تعظم وتذكر فضائلها، وأهل البصرة يقولون لنا: الثلاثة عن الثلاثة، الرياشي والسجستاني والأخفش عن أبي زيد، وأبي عبيدة والأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء، وعيسى بن عمر ويونس بن حبيب.
وفي هذه السنة، أعني سنة أربع عشرة [1] حج بالناس عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان على مكة عتاب بن أسيد، وعلى اليمن يعلى بن منبه، وعلى الكوفة سعد، وعلى الشام أبو عبيدة بن الجراح، وعلى البحرين عثمان بن أبي العاص وقيل: بل العلاء بن الحضرمي، وعلى عمان حذيفة بن محصن.
وفي هذه السنة ضرب عمر أبا محجن الثقفي سبع مرات في الخمر، وضرب معه ربيعة بن أمية بن خلف في شراب شربوه في ذلك، وضرب ابنه عبد الرحمن في ذلك [1] .
[أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ، قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي بن ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رِزْقٍ، وَالْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالا: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْهَرَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْحكانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ] [2] ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ:
شَرِبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ، وَشَرِبَ مَعَهُ أَبُو سِرْوَعَةَ عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ، وَنَحْنُ بِمِصْرَ فِي خَلافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَسَكِرَا، فَلَمَّا أَصْبَحُوا انْطَلَقَا إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَهُوَ أَمِيرُ مِصْرَ، فَقَالا: أَطْهِرْنَا فَإِنَّا قَدْ سَكِرْنَا مِنْ شَرَابٍ شَرِبْنَاهُ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: / وَلَمْ أَشْعُرْ أَنَّهُمَا أَتَيَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ. قَالَ: فَذَكَرُوا أَخِي أَنَّهُ قَدْ سَكِرَ، فَقُلْتُ لَهُ: ادْخُلِ الَّدَارَ أُطَهِّرُكَ، فَآذَنَنِي أَنَّهُ حَدَّثَ الأَمِيرَ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لا يحلق اليوم على رءوس النَّاسِ، ادْخُلْ أَحْلِقُكَ- وَكَانُوا إِذْ ذَاكَ يَحْلِقُونَ مع الحد، فدخل معي الدار، فَحَلَقْتُ أَخِي بِيَدِي، ثُمَّ جَلَدَهُمَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَسَمِعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِذَلِكَ، فَكَتَبَ إِلَى عَمْرٍو: أَنِ ابْعَثْ إِلَيَّ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُمَرَ عَلَى قُتْبٍ، فَفَعَلَ ذَلِكَ عَمْرٌو، فَلَمَّا قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَى عُمَرَ جَلَدَهُ وَعَاقَبَهُ مِنْ أَجْلِ مَكَانِهِ مِنْهُ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ، فَلَبِثَ شَهْرًا صَحِيحًا ثُمَّ أَصَابَهُ قَدَرُهُ، فَتَحَسَّبَ عامة النَّاسُ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ جَلْدِ عُمَرَ، وَلَمْ يَمُتْ مِنْ جَلْدِهِ.
قال المؤلف [3] : ولا ينبغي أن يظن بعبد الرحمن أنه شرب الخمر، إنما شرب النبيذ متأولا، فظن أن ما شرب منه لا يسكر، وكذلك أبو سروعة، فلما خرج الأمر بهما إِلى السكر طلبا التطهير بالحد، وقد كان يكفيهما مجرد الندم، غير أنهما غضبا للَّه تعالى على أنفسهما المفرطة، فأسلماها إلى إقامة الحد.
وأما إعادة عمر الضرب فإنما ضربه تأديبا لا حدا





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید