المنشورات

وقعة جلولاء

لما توطن المسلمون المدائن، وبعثوا إلى عمر بالأخماس، أتاهم الخبر بأن مهران قد عسكر بجلولاء وخندق، وأن أهل الموصل قد عسكروا بتكريت. فكتب سعد بذلك إلى عمر رضي الله عنه، فكتب إليه: أن سرح هاشم بن عتبة إلى جلولاء في اثني عشر ألفا، واجعل على مقدمته القعقاع بن عمرو، وعلى ميمنته سعد بن مالك، وعلى ميسرته عَمْرو بن مالك بن عتبة، وعلى ساقته عمرو بن مرة الجهني.
وكان الأعاجم لما هربوا من المدائن إلى جلولاء، قالوا: إن افترقتم لم تجتمعوا أبدا، فهلموا فلنجتمع للعرب ولنقاتلهم، فإن كانت لنا فهو الذي نريد، وإن كانت علينا كنا قد قضينا الذي علينا، فاحتفروا الخندق، واجتمعوا على مهران الرازي، ونفذ [1] يزدجرد إلى حلوان فنزل بها، ورماهم بالرجال والأموال.
ففصل هاشم [2] بن عتبة بالناس من المدائن في صفر سنة ست عشرة، في اثني عشر ألفا، فيهم وجوه المهاجرين والأنصار وأعلام العرب، فقدم جلولاء فحاصرهم [فخرجوا] [3] على المسلمين، فاقتتلوا، وبعث الله عز وجل عليهم ريحا أظلمت عليهم البلاد، فتهافتت فرسانهم في الخندق، ثم اقتتلوا قتالا شديدا لم ير مثله، وانهزموا، / واتبعهم المسلمون وقتل منهم يومئذ مائة ألف، فجللت القتلى المجال، وما بين يديه وما حوله، فسميت جلولاء لما جللها من قتلاهم.
وطلبهم القعقاع حتى بلغ خانقين، فأدرك مهران فقتله، ولما بلغت الهزيمة يزدجرد سار من حلوان نحو الجبل، واقتسم في جلولاء على كل فارس سبعة آلاف وتسعة من الدواب.
[أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَاجِّيُّ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ السمرقندي، قالا:
أخبرنا ابن النقور، أخبرنا المخلص، أخبرنا أحمد بن عبد الله بن سيف، أخبرنا السري بن يحيى، أخبرنا شعيب بن إِبْرَاهيم، عن سيف بن عمر التميمي، عن مجالد] [4] ، عن الشعبي، قال [5] :
اقتسم الناس في جلولاء على ثلاثين ألف ألف، وكان الخمس ستة آلاف ألف.
[وَحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ زُهْرَةَ، وَمُحَمَّدٌ] [1] ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: لَمَّا قُدِمَ عَلَى عُمَرَ بِالأَخْمَاسِ مِنْ جَلُولاءَ، قَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ لا يُجِنَّهُ سَقْفِ بَيْتٍ حَتَّى أُقَسِّمَهُ. فَبَاتَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَرْقَمَ يَحْرُسَانِهِ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ عُمَرُ جَاءَ فَكَشَفَ عَنْهُ الأَنْطَاعَ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى يَاقُوتِهِ وَزَبَرْجَدِهِ وَلُؤْلُؤِهِ وَجَوْهَرِهِ بَكَى، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: مَا يُبْكِيكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَاللَّهِ إِنَّ هذا لموطن شَكْرٌ، فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ مَا ذَاكَ يُبْكِينِي، وتاللَّه مَا أَعْطَى اللَّهُ هَذَا قَوْمًا إِلا تَحَاسَدُوا وَتَبَاغَضُوا، وَلا تَحَاسَدُوا إِلا أَلْقَى بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ.
[أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْن عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيم بْن عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْحُنَيْنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الصَّلْتِ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَمِيعُ بْنُ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ] [2] عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، يَقُولُ:
شَهِدْتُ جَلُولاءَ وَابْتَعْتُ مِنَ الْغَنَائِمِ بِأَرْبَعِينَ أَلْفًا، فَقَدِمْتُ بِهَا إِلَى الْمَدِينَةِ عَلَى عُمَرَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقُلْتُ: ابْتَعْتُ مِنَ الْغَنَائِمِ بِأَرْبَعِينَ أَلْفًا، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، لَوِ انْطُلِقَ بِي إِلَى النَّاسِ كُنْتَ مُفْتَدِي، قُلْتُ: نَعَمْ بِكُلِّ شَيْءٍ أَمْلِكُ، قال: فإنّي مخاصم وكأني بك بتابع وَالنَّاسُ بِجَلُولاءَ يَقُولُونَ: هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَابْنُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَأَكْرَمُ أَهْلِهِ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُرَخِّصُوا عَلَيْكَ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَنْ يَغُلُّوا عَلَيْكَ بِدِرْهَمٍ، وَسَأُعْطِيكَ مِنَ الرِّبْحِ أَفْضَلَ مَا رَبِحَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ. ثُمَّ أَتَى بَابَ صَفِيَّةَ/ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ، فَقَالَ: يَا بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ، اقْتَسَمْتُ عَلَيْكِ أَنْ تُخْرِجِي مِنْ بَيْتِكِ شَيْئًا أَوْ تُخْرُجْنَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ عُنُقَ ظَبْيَةٍ، فَقَالَتْ: يا أمير المؤمنين لَكَ ذَلِكَ.
ثُمَّ تَرَكَنِي سَبْعَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ دعي التُّجَّارَ ثُمَّ قَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ إِنِّي مَسْئُولٌ، قَالَ: فَبَاعَ مِنَ التُّجَّارِ متاعا بأربعمائة ألف، فأعطاني ثمانين ألفا، وأرسل ثلاثمائة وَعِشْرِينَ أَلْفًا إِلَى سَعْدٍ، فَقَالَ: اقْسِمْ هَذَا الْمَالَ فِي مَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ، وَإِنْ كَانَ أحدهم مَاتَ فَابْعَثْ نَصِيبَهُ إِلَى وَرَثَتِهِ.
وَكَانَ فَتْحُ جَلُولاءَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدَائِنِ تَسْعَةُ أَشْهُرٍ






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید