المنشورات

خَالِد بْن الْوَلِيد بْن المغيرة بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم، أَبُو سُلَيْمَان. رضي اللَّه عَنْهُ

وأمه عصماء، وَهِيَ لبابة الصغرى بنت الْحَارِث بْن حرب، وَهِيَ أخت أم الفضل بنت الْحَارِث بْن عَبْد المطلب أم بَنِي العباس بْن عَبْد المطلب [رضي اللَّه عَنْهُ] .
[أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري قال: أخبرنا أَبُو عَمْرو بْن حيوية قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن معروف قال: أخبرنا الحسين بن الفهم قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سعد. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ قَالَ: قَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ] [3] : لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ بِي مَا أَرَادَ مِنَ الْخَيْرِ قَذَفَ فِي/ قَلْبِي حُبَّ الإِسْلامِ، وَحَضَرَنِي رُشْدِي، فَقُلْتُ:
قَدْ شَهِدْتُ هَذِهِ الْمَوَاطِنَ كُلَّهَا عَلَى مُحَمَّدٍ، وَلَيْسَ مَوْطِنٌ أَشْهَدُهُ [4] إِلا انصرفت وأنا أرى فِي نَفْسِي إِلَى مَوْضِعٍ فِي عَرِينِي، وَأَنَّ مُحَمَّدًا سَيَظْهَرُ، وَدَافَعَتْهُ قُرَيْشٌ بِالرِّمَاحِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَقُلْتُ: أَيْنَ أَذْهَبُ [1] ؟ وَقُلْتُ: أَخْرُجُ إِلَى هِرَقْلَ، ثُمَّ قُلْتُ: أَخْرُجُ مِنْ دِينِي إِلَى نَصْرَانِيَةٍ أَوْ إِلَى يَهُودِيَّةٍ، فَأُقِيمُ مَعَ الْعَجَمِ تَابِعًا لَهَا مَعَ عَيْبِ ذَلِكَ عَلَيَّ، وَدَخَلَ رَسُولُ الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ [مَكَّةَ] [2] عَامَ الْقَضِيَّةِ فَتَغَيَّبْتُ، فَكَتَبَ إِلَيَّ أَخِي: لَمْ أَرَ أَعْجَبَ مِنْ ذَهَابِ رَأْيِكَ عَنِ الإِسْلامِ، وَعَقْلُهُ عَقْلُكَ [3] ، وَمِثْلُ الإِسْلامِ جَهِلَهُ أَحَدٌ، وَقَدْ سَأَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ عَنْكَ، فَقَالَ: أَيْنَ خَالِدٌ؟ فَقُلْتُ: يَأْتِي اللَّهُ بِهِ [4] . فَقَالَ: «مَا مِثْلُ خَالِدٍ جَهِلَ الإِسْلامَ» ، فَاسْتَدْرِكْ يَا أَخِي مَا فَاتَكَ. فَلَمَّا جَاءَنِي كِتَابُهُ نَشَطْتُ لِلْخُرُوجِ، وَزَادَنِي رَغْبَةً فِي الإِسْلامِ، وَسَرَّتْنِي مَقَالَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَأَرَى فِي الْمَنَامِ كَأَنِّي فِي بِلادٍ ضيقة جدبة، فخرجت إلى بلد أَخْضَرَ وَاسِعٍ فَقُلْتُ: إِنَّ هَذِهِ لَرُؤْيَا، فَذَكَرْتُ بَعْدُ لأَبِي بَكْرٍ فَقَالَ لِي: هُوَ مَخْرَجُكَ الَّذِي هَدَاكَ اللَّهُ فِيهِ إِلَى الإِسْلامِ، وَالضِّيقُ: الشِّرْكُ. فَأَجْمَعْتُ الْخُرُوجَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَطَلَبْتُ مِنْ أَصَاحِبَ، فَلَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ، فَذَكَرْتُ لَهُ الَّذِي أُرِيدُ، فَأَسْرَعَ الإِجَابَةَ، وَخَرَجْنَا جَمِيعًا، فَأَدْلَجْنَا سَحَرًا، فَلَمَّا كُنَّا بِالْهَدَّةِ إِذَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ، فَقُلْنَا: وَبِكَ. قَالَ: أَيْنَ مَسِيرُكُمْ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ، وَأَخْبَرَنَا أَنَّهُ يُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَاصْطَحَبَنَا حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ عَلَى رَسُولِ الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ صَفَرَ سَنَة ثَمَانٍ، فَلَمَّا طَلَعْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وسلم سلّمت عليه بالنّبوّة، فردّ عليّ السلام بِوَجْهٍ طَلْقٍ، فَأَسْلَمْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: «قَدْ كُنْتُ أَرَى لَكَ عَقْلا رَجَوْتُ أَنْ لا يُسْلِمَكَ إِلا إِلَى خَيْرٍ» وَبَايَعْتُ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ وقلت: استغفر الله لي [5] كلما أُوضِعْتُ فِيهِ مِنْ صَدٍّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى. فَقَالَ: «إِنَّ الإِسْلامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» ثُمَّ اسْتَغْفِرْ لِي، وَتَقَدَّمَ عَمْرٌو، وَعُثْمَانُ بْنُ طلحة فأسلما، فو الله مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وسلم من يوم أسلمت يَعْدِلُ بِي أَحَدًا مِنْ أَصْحَابَهِ فِيمَا يُجْزِيهِ [1] .
[قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَحَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُصْعَبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَحْيَى] [2] بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ مُؤْتَةَ، وَقُتِلَ الأُمَرَاءُ، أَخَذَ اللِّوَاءَ ثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ، وجعل يصيح: يال الأنصار. فَجَعَلَ النَّاسُ يَثِبُونَ [3] إِلَيْهِ، فَنَظَرَ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فَقَالَ: خُذِ اللِّوَاءَ يَا أَبَا سُلَيْمَانَ. فَقَالَ: لا آخُذُهُ، أَنْتَ أَحَقُّ بِهِ، لَكَ سِنٌّ، وَقَدْ شَهِدْتُ بَدْرًا. قَالَ ثَابِتٌ: خذه أيها الرجل، فو الله مَا أَخَذْتُهُ إِلا لَكَ، وَقَالَ ثَابِتٌ لِلنَّاسِ:
اصْطَلَحْتُمْ عَلَى خَالِدٍ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ. فَأَخَذَ خَالِدٌ اللِّوَاءَ، فَحَمَلَهُ [4] .
[قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ] [5] ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ خَالِدَ [بْنَ الْوَلِيدِ يَقُولُ: لَقَدِ انْقَطَعَ فِي يَدِي يَوْمَ مُؤْتَةَ تِسْعَةَ أَسْيَافٍ، وَصَبَرْتُ فِي يَدِي صَفْحَةَ ثَمَانِيَةٍ [6] .
قَالَ علماء السير: دَخَلَ خَالِد بْن الْوَلِيد] [7] يَوْم الفتح من الليط، فوجد جميعا من قريش يمنعونه [8] الدخول، فقاتلهم فَقَالَ رَسُول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: «ألم أنه عَن القتال؟» فقيل:
خَالِد قوتل فقاتل. فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: «قضاء اللَّه خير» . وخرج خَالِد مَعَ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ إِلَى حنين، وإلى تبوك، ثُمَّ بعثه إِلَى أكيدر دومة، وخرج مَعَهُ فِي حجة الوداع، فلما حلق رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ رأسه أعطاه ناصيته، فكانت فِي مقدمة/ قلنسوته، فكان لا يلقى أحدا إلا هزمه. وسماه رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ «سيف الله» .

وَقَدْ سبق ذكر أحواله فِي المجاهدات، وَكَانَ شجاعا، فكان يَقُول: لا أدري من أي يومي أفر، من يَوْم أراد اللَّه أَن يهدي لي فِيهِ شهادة، أَوْ من يَوْم أراد أَن يهدي لي فِيهِ كرامة.
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ قالا: أخبرنا ابن النقور قال:
أخبرنا المخلص قال: أخبرنا أحمد بن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى قال:
حدثنا شعيب قال: حَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ مُبَشِّرٍ،] [1] عَنْ سَالِمٍ قَالَ: حَجَّ عُمَرُ، وَاشْتَكَى خَالِدٌ بَعْدَهُ وَهُوَ خَارِجٌ من المدينة زائرا الأمة، فَقَالَ لَهَا: احْذَرُونِي إِلَى مُهَاجَرَتِي، فَقَدِمَتْ بِهِ الْمَدِينَةَ وَمَرَّضَتْهُ، فَلَمَّا ثَقُلَ وَأَطَلَّ عُمَرُ لَقِيَهُ لاقٍ عَلَى مَسِيرَةِ ثَلاثٍ، صَادِرًا عَنْ حَجِّهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَهْيَمْ. فَقَالَ: خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ. لِمَا بِهِ. فَطَوَى ثَلاثًا فِي لَيْلَةٍ، فَأَدْرَكَهُ حِينَ قَضَى، فَرَقَّ عَلَيْهِ وَاسْتَرْجَعَ، وَجَلَسَ بِبَابِهِ حَتَّى جُهِّزَ، وَبَكَتْهُ الْبَوَاكِي، فَقِيلَ لِعُمَرَ: أَلا تَسْمَعُ؟! أَلا تَنْهَاهُنَّ؟ فَقَالَ: وَمَا عَلَى قُرَيْشٍ أَنْ يَبْكِينَ أَبَا سُلَيْمَانَ مَا لَمْ يَكُنْ نَقْعٌ أَوْ لَقْلَقَةٌ- النَّقْعُ: الشَّقُّ. وَاللَّقْلَقَةُ: الصَّوْتُ] [2]- فَلَمَّا أُخْرِجَ بِجِنَازَتِهِ رَأَى عُمَرُ امْرَأَةً مُحْتَرِمَةً تَبْكِيهِ وَتَقُولُ:
أَنْتَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ أَلْفٍ مِنَ النَّاسِ ... إِذَا مَا كُبَّتْ [3] وُجُوهُ الرِّجَالِ
أَشُجَاعٌ فَأَنْتَ أَشْجَعُ مِنْ لَيْثِ ... عَرِينٍ جَهْمٍ أَبِي أَشْبَالِ
أَجَوَّادٌ فَأَنْتَ أَجْوَدُ مِنْ سَيْلٍ ... دِيَاسٍ يَسِيلُ بَيْنَ الْجِبَالِ
فَقَالَ عُمَرُ: من هذه؟ فقيل: أمه. فقال: أمه والهالة [4]- ثَلاثًا- هَلْ قَامَتِ النِّسَاءُ عَنْ مِثْلِ خَالِدٍ.
وَكَانَ عُمَرُ يَتَمَثَّلُ فِي طَيِّهِ تِلْكَ الثَّلاثِ في ليلة وبعد ما قدم:
تبكّي مَا وَصَلْتَ بِهِ النَّدَامَى ... وَلا تَبْكِي فَوَارِسَ كالجبال
أُولَئِكَ إِنْ بَكَيْتَ أَشَدُّ فَقْدِ ... أَمِنْ إِلا ذَهَاب وَالْفِكْرِ الْحَلالِ
تَمَنَّى بَعْدَهُمْ قَوْمٌ مَدَاهُمْ ... فَلَمْ يُدْنُوا لأَسْبَابِ الْكَمَالِ
وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ.
وَقَالَ الواقدي: مَات بحمص، ودفن فِي قرية عَلَى ميل من حمص. قَالُوا:
ووصى إِلَى عُمَر، فقدم عَلَيْهِ بالوصية فقبلها.
[أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارَكِ قال: أخبرنا جعفر بن أحمد قَالَ: أخبرنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الضراب قال: أخبرنا أبي قال: حدثنا أحمد بْنُ مَرْوَانَ الْمَالِكِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ: حدثنا محمد بن سعد قَالَ:
حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ] [1] أَبِي الزِّنَادِ: أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ بَكَى وَقَالَ: لَقَدْ لَقِيتُ كَذَا وَكَذَا زَحْفًا، وَمَا فِي جَسَدِي شِبْرٌ إِلا وَفِيهِ ضَرْبَةٌ بِسَيْفٍ، أَوْ رَمْيَةٌ بِسَهْمٍ، أَوْ طعنة برمح، وها أنا أَمُوتُ عَلَى فِرَاشِي حَتْفَ أَنْفِي، كَمَا يَمُوتُ الْعِيرُ، فَلا نَامَتْ عَيْنُ الْجُبُنَاءِ






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید