المنشورات

مُعَاوِيَة غزا الصائفة، ودخل بلاد الروم فِي عشرة آلاف من الْمُسْلِمِينَ

[أَنْبَأَنَا أَبُو الْقَاسِمِ زَاهِرُ بْنُ طَاهِرٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عُثْمَانَ الصَّابُونِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ قَالا: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد اللَّهِ الْحَاكِمُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْفَقِيهُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَلِيٍّ النَّوْفَلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَبِيعَةَ الْقُدَامِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ الْعَجْلانِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ] [2] قَالَ: أَسَرَتِ الرُّومُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ السَّهْمِيَّ صَاحِبَ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ الطَّاغِيَةُ: تَنَصَّرْ، وَإِلا قَتَلْتُكَ أَوْ أَلْقَيْتُكَ فِي النُّقْرَةِ النُّحَاسِ [3] . قَالَ: مَا أَفْعَلُ. فدعى بنقرة نحاس فملئت زيتا وأغليت، ودعي رَجُلا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ النَّصْرَانِيَّةَ فَأَبَى، فَأَلْقَاهُ فِي النُّقْرَةِ، فَإِذَا بِعِظَامِهِ تَلُوحُ.
فَقَالَ لعبد اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ: تَنَصَّرْ وَإِلا أَلَقَيْتُكَ. قَالَ: مَا أَفْعَلُ. فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُلْقَى فِي النُّقْرَةِ، فَكَتَفُوهُ فَبَكَى، فَقَالُوا: قَدْ جَزِعَ وَبَكَى. قال: ردّوه. قال: فَقَالَ: لا تَظُنُّ أَنِّي بَكَيْتُ جَزَعًا، وَلَكِنْ بكيت إذا لَيْسَ بِي إِلا نَفْسٌ وَاحِدَةٌ يُفْعَلُ بِهَا هَذَا فِي [سَبِيلِ] [4] اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ لِي مِنَ الأَنْفُسِ عَدَدَ كُلِّ شَعْرَةٍ فِيَّ، ثُمَّ تُسَلَّطَ عَلَيَّ فَتَفْعَلَ بِي هَذَا. قَالَ: فَأُعْجِبَ بِهِ، وَأَحَبَّ أَنْ يُطْلِقَهُ، فَقَالَ: قَبِّلْ رَأْسِي وَأُطْلِقُكَ. قَالَ: مَا أفعل.
قَالَ: تَنَصَّرْ وَأُزَوِّجُكَ ابْنَتِي وَأُقَاسِمُكَ مُلْكِي. قَالَ: مَا أَفْعَلُ. قَالَ: قَبِّلْ رَأْسِي وَأَطْلِقْ مَعَكَ ثَمَانِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. فَقَالَ: أَمَّا هَذَا فَنَعَمْ. فَقَبَّلَ رَأْسَهُ فَأَطْلَقَهُ [1] وَثَمَانِينَ مَعَهُ.
فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى عُمَرَ قَامَ إِلَيْهِ عُمَرُ فَقَبَّلَ رَأْسَهُ، فَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يُمَازِحُونَ عَبْدَ اللَّهِ فَيَقُولُونَ: قَبَّلَ رَأْسَ الْعِلْجِ [2] .
ومن الحوادث فِي هذه السنة: / أَن عُمَر رضي اللَّه عَنْهُ كتب إِلَى نعمي بْن مقرن: أَن سر حَتَّى تأتي همدان، وابعث عَلَى مقدمتك سويد بْن مقرن [3] ، وعلى مجنبتك ربعي بْن عامر، ومهلهل بْن زَيْد الطائي، فخرج حَتَّى نزل ثنية العسل- وسميت «ثنية العسل» لأجل العسل الَّذِي أصابوا فِيهَا عِنْدَ وقعة نهاوند ثُمَّ انحدر نعيم من الثنية حَتَّى نزل عَلَى مدينة همدان، وَقَدْ تحصنوا فِيهَا، فحاصرهم واستولى علي بلاد همدان كلها، فلما رأى ذَلِكَ أَهْل همدان سألوه الصلح فأجابهم، وقبل مِنْهُم الجزية.
وَقَالَ ربيعة بْن عُثْمَان: كَانَ فتح همذان فِي جمادى الأولي عَلَى رأس ستة أشهر من مقتل عُمَر، وجيوشه عَلَيْهَا [4] .
ومنها: فتح الري: قَالُوا: وخرج نعيم بْن مقرن إِلَى الري، فبعث من دَخَلَ عَلَيْهِم من حيث لا يشعرون، ثُمَّ قاتلهم وأخرب مدينتهم.
قَالَ الواقدي: إِنَّمَا فتح همدان والري فِي سَنَة ثَلاث وعشرين [5] .
ومنها: [6] فتح قومس: وكتب عُمَر إِلَى نعيم أَن قدم سويد بْن مقرن إِلَى قومس، فَذَهَبَ وأخذها سلما، وكتب لهم كتاب أمان [7] .
ومنها: [8] أَن عُمَر أمر عَبْد الرَّحْمَنِ بْن ربيعة أَن يغزو الترك، فقصدهم، فحال اللَّه بينهم وبين الخروج عَلَيْهِ، وَقَالُوا: مَا اجترأ عَلَيْنَا هَذَا الرجل إلا ومعهم الملائكة تمنعهم من الْمَوْت، فتحصنوا وهربوا، فرجع بالغنم والظفر فِي إمارة عُمَر. ثُمَّ غزاهم [غزوات] [1] فِي زمن عُثْمَان حَتَّى قتل فِي بَعْض مغازيه إياهم، فهم يستسقون بجسده [2] .
وَفِي هذه السنة: حج عُمَر بْن الْخَطَّاب بالناس [3] وفيها: ولد يَزِيد بْن مُعَاوِيَة، وعبد الْمَلِك بْن مَرْوَان، وقيل: إِنَّمَا/ ولد يَزِيد فِي سَنَة خمس وعشرين.
وَفِي هذه السنة: خرج الأحنف بْن قيس إِلَى خراسان، فحارب يزدجرد.
وبعضهم يَقُول: كان ذلك في سنة ثمان عشرة.
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَن الأحنف أشار عَلَى عُمَر بقصد يزدجرد، وأن عُمَر عقد الألوية، ودفع لواء خراسان إِلَى الأحنف بْن قيس، فافتتح هراة عنوة، ثُمَّ سار نَحْو مرو، وأرسل إِلَى نيسابور مطرف بْن عَبْد اللَّهِ بْن الشخير وكتب يزدجرد وَهُوَ بمرو إِلَى خاقان يستمده، وإلى ملك الصغد يستمده، وإلى ملك الصين يستعين بِهِ [4] ، ولحقت بالأحنف أمداد أَهْل الكوفة، فسار إِلَى موضع، فبلغ يزدجرد، فخرج إِلَى بلخ، فسار أَهْل الكوفة إِلَى بلخ، فالتقوا بيزدجرد، فهزمه اللَّه تَعَالَى، فعبر النهر، ولحق الأحنف بأهل الكوفة، وفتح الله عليهم، وعاد الأحنف إلى مروالروذ، فنزلها، ثُمَّ أقبل يزدجرد ومعه خاقان إِلَى مروالروذ، فخرج الأحنف ليلا فِي عسكره يتسمع، هل يسمع برأي ينتفع بِهِ. فمر برجلين يَقُول أحدهما للآخر: لو أَن الأمير أسندنا إِلى هَذَا الجبل فكان النهر بيننا وبين عدونا خندقا، وَكَانَ الجبل فِي ظهورنا أمنا أَن يأتونا من خلفنا، ورجونا أَن ينصرنا اللَّه تَعَالَى.
فارتحل، فأسندهم إِلَى الجبل، ثُمَّ خرج الأحنف ليلة فرأى كبيرا مِنْهُم فقتله ثُمَّ آخر ثُمَّ آخر، وانصرف إِلَى عسكره وَلَمْ يعلم بِهِ أحد، فخرجوا فرأوا أولئك مقتولين، فقال خاقان:
مَا لنا فِي قتال هؤلاء خير. فانصرف بأَصْحَابه إِلَى بلخ، فَقَالَ يزدجرد: إني أريد أَن/ أتبع خاقان فأكون مَعَهُ. فَقَالُوا: أتدع قومك وأرضك وتأتي قوما فِي مملكتهم، عد بنا إِلَى هؤلاء الْقَوْم [نصالحهم فَإِن عدوا يلينا فِي بلادنا أحب إلينا من عدو يلينا فِي بلاده] [1] .
فأبى عَلَيْهِم، وأبوا عَلَيْهِ إِلَى أَن قَالُوا لَهُ: فدع خزائننا نردها إلى بلادنا. فأبى عليهم وأبوا عليه. فَقَالُوا: إنا لا ندعك. فاعتزلوا وتركوه فِي حاشيته، وقاتلوه فهزموه، وأخذوا الخزائن، واستولوا عَلَيْهَا وركبوه، وكتبوا إِلَى الأحنف بالخبر، ومضى يزدجرد بالأثقال إِلَى فرغانة والترك، فلم يزل مقيما زمان عُمَر كُلهُ، فأقبل أَهْل فارس إِلَى الأحنف بن قيس، وصالحوه، وعاقدوه، ودفعوا إِلَيْهِ الخزائن والأموال، ورجعوا إِلَى بلادهم وأموالهم عَلَى أفضل مَا كَانُوا فِي زمان الأكاسرة، وأصاب الفارس يَوْم يزدجرد كسهم الفارس يَوْم القادسية.
ولما رجع أَهْل خراسان زمان عُثْمَان أقبل يزدجرد حَتَّى نزل قم، واختلف هُوَ ومن مَعَهُ، فقتل ورمي فِي النهر [2] .
وَمَا عرفنا أحدا من الأكابر تُوُفِّيَ فِي هذه السنة.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید