المنشورات

عزل أبي مُوسَى عن البصرة

أن عثمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عزل أبا مُوسَى عن البصرة، وولى عبد الله بن عامر بن كرز وهو يومئذ ابن خمس وعشرين سنة.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قالا: أخبرنا ابن النقور، أخبرنا المخلص، أخبرنا أحمد بن عَبْدِ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ، قَالا [3] :
لَمَّا وُلِّيَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ أَقَرَّ أَبَا مُوسَى عَلَى الْبَصْرَةِ ثَلاثَ سِنِينَ، وَعَزَلَهُ فِي الرَّابِعَةِ، وَأَمَّرَ عَلَى خُرَاسَانَ عُمَيْرَ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ سَعْدٍ، وَعَلَى سِجِسْتَانَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيَّ، فَأَثْخَنَ فِيهَا إِلَى كَابُلَ، وَأَثْخَنَ [عُمَيْرٌ فِي خُرَاسَانَ حَتَّى بَلَغَ فَرْغَانَةَ، فَلَمْ يَدَعْ دُونَهَا كُورَةً إِلا أَصْلَحَهَا، وَبَعَثَ إِلَى مَكْرَانَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ مَعْمَرٍ التَّيْمِيَّ، فَأَثْخَنَ] [4] فِيهَا حَتَّى بَلَغَ النَّهْرَ. وَبَعَثَ إِلَى كِرْمَانَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ غُبَيْسٍ، وَبَعَثَ إِلَى فَارِسَ وَالأَهْوَازَ نَفَرًا، وَضَمَّ سَوَادَ الْبَصْرَةِ إِلَى الْحُصَيْنِ بْنِ [أَبِي] [5] الْحُرِّ، ثُمَّ عَزَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَيْرٍ، وَاسْتَعَمَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ [6] فَأَقَرَّهُ عَلَيْهَا سَنَةً ثُمَّ عَزَلَهُ، وَاسْتَعْمَلَ عَاصِمَ بن عمرو،[وَعَزَلَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ غُبَيْسٍ] [1] ، وَأَعَادَ عَدِيَّ بْنَ سُهَيْلِ بْنِ عَدِيٍّ.
فَلَمَّا كَانَ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ كَفَرَ أَهْلُ إِيذجَ وَالأَكْرَادَ، فَنَادَى أَبُو مُوسَى فِي النَّاسِ، وَحَضَّهُمْ وَنَدَبَهُمْ، وَذكر مِنْ فَضْلِ الْجِهَادِ فِي الرُّجْلَةِ [2] حَتَّى حَمَلَ رِجَالٌ عَلَى دَوَابِّهِمْ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنْ يَخْرُجُوا رِجَالا. وقَالَ آخَرُونَ: لا وَاللَّهِ لا نُعَجِّلُ بِشَيْءٍ حَتَّى نَنْظُرَ مَا صَنِيعُهُ؟ فَإِنْ أَشْبَهَ قَوْلُهُ فِعْلَهُ فَعَلْنَا كَمَا فَعَلَ أَصْحَابُنَا.
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ خَرَجَ أَخْرَجَ ثَقْلَةً مِنْ قَصْرِهِ عَلَى أَرْبَعِينَ بَغْلا، فَتَعَلَّقُوا بِعَنَانِهِ، وَقَالُوا: احْمِلْنَا عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الْفُضُولِ، وَارْغَبْ مِنَ الرُّجْلَةِ فِيمَا رَغَّبْتَنَا فِيهِ، فَقَنِعَ الْقَوْمَ حَتَّى تَرَكُوا دَابَّتَهُ وَمَضَوْا، فَأَتَوْا عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، فَاسْتَعْفَوْهُ مِنْهُ وَقَالُوا: [مَا كُلُّ مَا نَعْلَمُ نُحِبُّ أَنْ نَقُولَهُ] [3] ، فَأَبْدِلْنَا بِهِ، فَقَالَ: مَنْ تُحِبُّونَ؟ فقَالَ غَيْلانُ بْنُ خَرَشَةَ: [4] [فِي كُلِّ أَحَدٍ عِوَضٌ مِنْ هَذَا الْعَبْدِ الَّذِي قَدْ أَكَلَ أَرْضَنَا، وَأَحْيَا أَمْرَ الْجَاهِلِيَّةِ فِينَا، فَلا نَنْفَكُّ مِنْ أَشْعَرِيٍّ كَانَ يُعَظِّمُ مُلْكَهُ عَنِ الأَشْعَرِيِّينَ، وَيَسْتَصْغِرُ مُلْكَ الْبَصْرَةِ، وَإِذَا أَمَّرْتَ عَلَيْنَا صَغِيرًا كَانَ فِيهِ عِوَضٌ مِنْهُ، أَوْ مُهْتَرًا كَانَ فِيهِ عِوَضٌ مِنْهُ، وَمِنْ بَيْنِ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ خَيْرٌ مِنْهُ] [5] .
فَدَعَا عَبْدَ اللَّهِ بنَ عَامِرٍ، فَأَمَّرَهُ عَلَى الْبَصْرَةِ، وَصَرَفَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ مَعْمَرٍ إِلَى فَارِسَ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى عَمَلِهِ عُمَيْرَ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ سَعْدٍ، فَجَاشَتْ فَارِسُ، وَانْتَقَضَتْ بِعُبَيْدِ اللَّهِ، فَاجْتَمَعُوا لَهُ بِإِصْطَخِرَ، فَالْتَقَوْا عَلَى بَابِ إِصْطَخِرَ، فَقُتِلَ عُبَيْدُ اللَّهِ وَهُزِمَ جُنْدُهُ، وَبَلَغَ الْخَبَرُ عَبْدَ اللَّهِ بنَ عَامِرٍ، فَاسْتَنَفَرَ أَهْلَ الْبَصْرَةِ، وَخَرَجَ مَعَهُ بِالنَّاسِ وَعَلَى مُقَدِّمَتِهِ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ، فَالْتَقَى هُوَ وَهُمْ بِإِصْطَخِرَ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ مَقْتَلَةً لَمْ يَزَالُوا مِنْهَا فِي ذُلٍّ، وَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى عثمان رضي الله عنه.
وفِي هذه السنة رجم عثمان امرأة من جهينة دخلت على زوجها فولدت له فِي ستة أشهر، فدخل عليه علي فقَالَ: إن الله يقول: وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً 46: 15 [1] . فأرسل فِي أثرها فإذا قد رجمت. قاله محمد بن حبيب وفِي هذه السنة ضاق مسجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الناس، فوسعه عُثْمَان بْن عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وابتدأ فِي بنائه فِي شهر ربيع الأول، وكانت القصة [2] تحمل إلى عثمان من بطن نخل، وبناه بالحجارة المنقوشة، وجعل عمده من حجارة فيها رصاص، وسقفه ساجا، وجعل طوله ستين ومائة ذراع، وعرضه خمسين ومائة ذراع، وجعل أبوابه على ما كانت على عهد عمر رضي الله عنه ستة أبواب.
وَرَأَيْتُ لأبي ألوفا بْنِ عَقِيلٍ فِي ذكر مَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلامًا حَسَنًا، قَالَ فِي قَوْلِهِ: «صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاةٍ فِي غَيْرِهِ إِلا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» قَالَ:
هَذَا يَتَعَلَّقُ بِمَسْجِدِ الرَّسُولِ الَّذِي فِي زمانه لا بما زيد فيه بعد.
وفِي هذه السنة حج عثمان بالناس وضرب بمنى فسطاطا، وأتم الصلاة بها وبعرفة، قَالَ: إني اتخذت بمكة أهلا فصرت من أهلها.






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید