المنشورات

اجتماع المنحرفين على عثمان

أن المنحرفين عن عثمان [2] تكاتبوا للاجتماع لمناظرته فيما نقموا عليه، وتذاكر قوم أعمال عثمان، فأجمعوا رأيهم على أن يبعثوا إليه رجلا يكلمه ويخبره بأحداثه، فأرسلوا إليه عامر بن عبد قيس، فدخل عليه، فقَالَ: إن ناسا من المسلمين اجتمعوا ونظروا فِي أعمالك فوجدوك قد ركبت أمورا عظاما فاتق الله وانزع عنها، فأرسل عثمان إلى معاوية بن أبي سفيان، وإلى عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وإلى سعيد بن العاص، وعمرو بن العاص، وعَبْد اللَّهِ بن عامر، فجمعهم فشاورهم فِي أمره، فقَالَ عَبْد اللَّهِ بن عامر: إني أرى أن تأمرهم بجهاد يشغلهم عنك، فلا يهم أحدهم إلا نفسه.
وقَالَ ابن أبي سرح: أعطهم المال تعطف عليك قلوبهم. وقَالَ معاوية: تأمر أجنادك يكفيك كل منهم من قبله. وقَالَ عمرو بن العاص: اعتدل أو اعتزل، فإن أبيت فاعتزم 15/ أعزما وامض قدما، فردهم عثمان إلى أعمالهم، / وأمرهم بالتضييق على من قبلهم، وتجمير الناس فِي البعوث، ورد سعيد بن العاص أميرا على الكوفة، فخرج أهل [3] الكوفة فردوه، وهم يزيد بن قيس، والأشتر، وذلك يوم الجرعة، والجرعة مكان مشرف قرب القادسية، وهناك تلقاه أهل الكوفة. فرجع إلى عثمان، وضرب الأشتر عنق غلام كان مع سعيد، فقَالَ عثمان لسعيد: ما يريدون؟ قَالَ: البدل، قَالَ: فمن يريدون؟ قَالَ:
أبا مُوسَى، فجعله عليهم.
وروى الواقدي عن أشياخه [1] : أن جماعة اجتمعوا فكلموا علي بن أبي طالب فِي أمر عثمان، فدخل عليه وقَالَ: الناس من ورائي وقد كلموني فيك، وما أعرف شيئا تجهله، ولا أدلك على أمر لا تعرفه، وقد صحبت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونلت صهره، وما ابن أبي قحافة بأولى بعمل الحق منك، ولا ابن الخطاب. وأنت أقرب إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رحما، وقد نلت من صهره ما لم ينالا. فقَالَ عثمان: والله لو كنت مكاني ما عنفتك ولا عبت عليك إن وصلت رحما، وسددت خلة، أنشدك الله يا علي، أتعلم أن عمر ولى المغيرة أو ليس ذلك؟ قَالَ: بلى، قَالَ: فلم تلومني إن وليت ابن عامر فِي رحمه وقرابته؟
قَالَ: سأخبرك، إن عمر كان كل من ولي فإنما يطأ على صماخه، إن بلغه عنه حرف [جلبه ثم بلغ به أقصى غاية] [2] ، وأنت لا تفعل رفقة بأقربائك، قَالَ عثمان: فهل تعلم أن عمر ولى معاوية خلافته كلها؟ قَالَ: نعم، قَالَ علي: فهل تعلم أن معاوية كان أخوف لعمر من غلامه يرفأ؟ قَالَ: نعم فهو يقطع الأمور دونك وأنت تعلمها، فيبلغك ولا تغير عليه. ثم خرج علي، فخرج عثمان فجلس على المنبر، ثم قَالَ: لقد عبتم علي ما أقررتم لابن الخطاب بمثله، ولكنه وطئكم برجله، وضربكم بيده، وقمعكم بلسانه فدنتم له على ما أحببتم وكرهتم، ولنت لكم، وأوطأت لكم كنفِي، وكففت يدي ولساني عنكم، فاجترأتم علي، فكفوا عليكم ألسنتكم، وطعنكم على ولاتكم، وما لي لا أصنع فِي فضل المال ما أريد، فلم كنت إماما.
فقام مروان بن الحكم، فقَالَ: إن شئتم حكمنا/ بيننا وبينكم السيف. فقال 15/ ب عثمان: اسكت لا سكتّ، دعني وأصحابي، ثم نزل عثمان.
وفِي هذه السنة:
حج بالناس عثمان، وحج أزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معه كما فعل عمر رَضِيَ اللهُ عنهما.






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید