المنشورات

خروج أهل مصر ومن وافقهم على عثمان رضي الله عنه

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ قالا: أخبرنا ابن النقور، قال:
أخبرنا المخلص، قال: أخبرنا أحمد بن عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، قال: حدثنا شعيب، قال: حدثنا سيف، عن عطية، عن يزيد الفقعسي، قَالَ [2] :
كان ابن سبأ يهوديا من أهل صنعاء، أمه سوداء، فأسلم زمان عثمان، ثم تنقل فِي بلدان المسلمين يحاول ضلالتهم، فبدأ بالحجاز، ثم بالبصرة، ثم بالكوفة، ثم بالشام، فلم يقدر على ما يريد، فأخرجوه حتى أتى مصر، فغمز عُثْمَان بْن عَفَّانَ، وأظهر الأمر بالمعروف، وكان عمار بمصر فاستماله ابن السوداء وأصحابه، ودعوه إلى خلع عثمان، فقدم المدينة.
وحَدَّثَنَا سيف عن مبشر بن الفضيل، وسهل بن يوسف، عن مُحَمَّد بن سعد بن أبي وقاص، قَالَ:
قدم عمار من مصر وأبي شاكٍ فبلغه فبعثني إليه أدعوه، فلما دخل على سعد، قَالَ: ويحك يا أبا اليقظان، إن كنت فينا لمن أهل الخير، فما الّذي بلغني من سعيك في فساد بين المسلمين والتأليب [1] على أمير المؤمنين، أمعك عقلك أم لا؟ فأهوى عمار إلى عمامته وغضب فنزعها وقَالَ: خلعت عثمان كما خلعت هذه، فقَالَ سعد: إنا للَّه وإنا إليه راجعون، ويحك حين كبر سنك ورق عظمك ونفد عمرك، خلعت ربقة 17/ أالإسلام من عنقك، فقام عمار مغضبا وأقبل سعد يبكي له، وقَالَ: من يأمن/ الفتنة يا بني لا يخرجن منك ما سمعت منه.
وحَدَّثَنَا سَيْفٌ عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ يَزِيدَ الْفَقْعَسِيِّ، قَالَ [2] :
جَعَلَ أَهْلُ مِصْرَ يَكْتُبُونَ إِلَى الأَمْصَارِ، قَالَ سَيْفٌ: كَاتَبُوا أَشْيَاعَهُمْ مِنْ أَهْلِ الأَمْصَارِ أَنْ يَتَوَافَوْا بِالْمَدِينَةِ لِيَنْظُرُوا فِيمَا يُرِيدُونَ، وَأَظْهَرُوا أَنَّهُمْ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَسْأَلُونَ عُثْمَانَ عَنْ أَشَيْاءَ، فَاجْتَمَعَ الْمِصْرِيُّونَ وَالْكُوفِيُّونَ بِالْمَدِينَةِ، فَخَطَبَهُمْ عُثْمَانُ وَقَالَ: إن هؤلاء قالوا: أتم الصلاة فِي السَّفَرِ، وَكَانَتْ لا تُتَمُّ، أَلا وَإِنِّي قَدِمْتُ بَلَدًا فِيهِ أَهْلِي فَأَتْمَمْتُ، قَالُوا: وَحَمَيْتُ حِمًى، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا حَمَيْتُ إِلا مَا حُمِيَ قَبْلِي. وَقَالُوا: إِنِّي رَدَدْتُ الْحُكْمَ وَقَدْ سَيَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الطَّائِفَ ثُمَّ رَدَّهُ. وَقَالُوا: اسْتَعْمَلْتُ الأَحْدَاثَ وَلَمْ أَسْتَعْمِلْ إِلا مُجْتَمَعًا مَرْضِيًّا، وَقَدْ قِيلَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فِي أُسَامَةَ أَشَدَّ مَا قِيلَ لِي.
وَقَالُوا: أَعْطَيْتَ ابْنَ أَبِي سَرْحٍ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنِّي إِنَّمَا نَفَلْتُهُ خُمُسَ الْخُمُسِ، وَقَدْ أَنْفَذَ مِثْلَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَلَمَّا كَرِهَ الْجُنْدُ ذَلِكَ رَدَدْتُهُ، وَقَالُوا: إِنِّي أُحِبُّ أَهْلَ بَيْتِي وَأُعْطِيهُمْ، فَأَمَّا حُبِّي فَإِنَّهُ لَمْ يَمِلْ مَعِي عَلَى جَوْرٍ، وَإِنَّمَا أُعْطِيهُمْ مِنْ مَالِي وَلا أَسْتَحِلُّ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ لِنَفْسِي وَلا لأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ وَمَا تَبَلَّغْتُ مِنْ مَالِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِفَلْسٍ فَمَا فَوْقَهُ.
وحَدَّثَنَا سيف عن مُحَمَّد وطَلْحَة وأبي عثمان وأبي حارثة، قالوا [3] :
لما كان شوال سنة خمس وثلاثين خرج أهل مصر فِي أربعة رفاق على أربعة أمراء، المقلل يقول: ستمائة، والمكثر يقول: ألف. على الرفاق عَبْد الرَّحْمَنِ بن عديس البكري، وكنانة بن بشر [التجيبي، وعروة بن شبيم] [4] الليثي، [وأبو عمرو بن بديل بن ورقاء الخزاعي، وسواد بن رومان الأصبحي، وزرع بن يشكر اليافعي] [1] ، وقتيرة السكوني، وسودان بن حمران السكوني. وعلى القوم جميعا الغافقي بن حرب العكي، ولم يجترئوا أن يعلموا الناس بخروجهم إلى الحرب، وإنما خرجوا كالحجاج، ومعهم ابن السوداء. وخرج أهل الكوفة فِي أربعة رفاق، وعلى الرفاق زيد بن صوحان العبدي، والأشتر النخعي، وزياد بن النضر الحارثي، وعَبْد اللَّهِ بن الأصم وعليهم جميعا عمرو بن الأصم، وعددهم كعدد أهل مصر، وخرج أهل البصرة فِي أربعة رفاق، وعلى الرفاق حكيم بن/ جبلة العبدي، وذريح بن عباد العبدي، وبشر بن شريح بن 17/ ب الحطم القيسي، وابن محرش بن عبد عمرو الحنفِي، وعددهم كعدد أهل مصر، وأميرهم جميعا حرقوص بن زهير السعدي، سوى من تلاحق بهم من الناس فأما أهل مصر فإنهم كانوا يشتهون عليا، وأما أهل البصرة فإنهم كانوا يشتهون طَلْحَة، وأما أهل الكوفة فإنهم كانوا يشتهون الزبير.
فخرجوا حتى إذا كانوا من المدينة على ثلاث تقدم أناس من أهل البصرة، [فنزلوا ذا خشب، وأناس من أهل الكوفة فنزلوا الأعوص، وجاءهم أناس من أهل مصر] [2] وتركوا عامتهم بذي المروة. ومشى فيما بين أهل مصر وأهل البصرة زياد بن النضر وعَبْد اللَّهِ بن الأصم، وقالا: لا تعجلوا حتى ندخل المدينة ونرتاد.
فدخل الرجلان، فلقيا أزواج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وطَلْحَة والزبير وعليا، وقالا: إنما نؤم هذا البيت، ونستعفِي من هذا الوالي من بعض عمالنا، ما جئنا إلا لذلك، فاستأذنوهم للناس فِي الدخول، فكلهم أبى ونهى، فرجعا فاجتمع من أهل مصر نفر فأتوا عليا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ومن البصرة نفر فأتوا طَلْحَة، ومن أهل الكوفة نفر فأتوا الزبير، وقَالَ كل فريق منهم: إن بايعوا صاحبنا وإلا كدناهم وفرقنا جماعتهم، ثم نبغتهم. فأتى المصريون عليا رضي الله عنه وقد أرسل ابنه الحسن إلى عثمان فيمن اجتمع عند عثمان، فعرضوا له، فصاح بهم [فطردهم] [2] ، وقَالَ: لقد علم الصالحون أن جيش ذي المروة وذي خشب والأعوص ملعونون على لسان مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فارجعوا لا صحبكم الله.
وأتى البصريون طَلْحَة وقد أرسل بنيه إلى عثمان، فعرضوا له، فصاح بهم وطردهم وقَالَ مثل قول علي.
وأتى الكوفيون الزبير وقد سرح ابنه عَبْد اللَّهِ إلى عثمان، فعرضوا له فصاح بهم وطردهم، وقَالَ مثل طَلْحَة.
فخرج القوم وأروهم أنهم يرجعون، فانفشوا عن ذي خشب والأعوص حتى أتوا إلى عساكرهم، وهي ثلاث مراحل كي يفترق أهل المدينة، ثم يكرون فافترق أهل المدينة لخروجهم، فكروا فلم يفجأ أهل المدينة إلا والتكبير فِي نواحي المدينة، فأحاطوا بعثمان وقالوا: من كف يده فهو آمن.
18/ أوأتاهم الناس فكلموهم وفيهم علي، فقَالَ علي: ما ردكم بعد ذهابكم؟ / فقالوا:
أخذنا مع بريد [1] كتابا بقتلنا هذا وعثمان يصلي بالناس وهم يصلون خلفه ويقولون: لا حاجة لنا فِي هذا الرجل، ليعتزلنا.
وكتب عثمان إلى أهل الأمصار يستمدهم، فخرجوا على الصعب والذلول [2] ، فبعث معاوية حبيب بن مسلمة الفهري، وبعث عَبْد اللَّهِ بن سعد بن أبي سرح معاوية بن خديج، وخرج من الكوفة القعقاع بن عمرو. ولما جاءت الجمعة التي على أثر نزول المصريين مسجد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج عثمان رضي الله عنه فصلى بالناس، ثم قام على المنبر، فقَالَ: يا هؤلاء، إن أهل المدينة ليعلمون أنكم ملعونون على لسان مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فامحوا الخطايا بالصواب [3] .
فقام مُحَمَّد بن مسلمة: إنا نشهد بذلك، فأخذه حكيم بن جبلة فأقعده، فقام زيد بن ثابت فقَالَ: ابغني الكتاب [4] ، فثار إليه مُحَمَّد بن أبي قثيرة فأقعده، وثار القوم بأجمعهم، فحصبوهم حتى أخرجوهم من المسجد، وحصبوا عثمان حتى صرع عن المنبر مغشيا عليه، فاحتمل فأدخل داره، وكان المصريون لا يطمعون فِي أحد من أهل المدينة أن يساعدهم إلا فِي ثلاثة نفر، فإنهم كانوا يراسلونهم: مُحَمَّد بن أبي بكر، ومُحَمَّد بن جعفر، وعمار بن ياسر، وشمر أناس من الناس فاستقتلوا منهم سعد بن مالك، وأبو هريرة، وزيد بن ثابت، والحسن بن علي بن أبي طالب، فبعث إليهم عثمان بعزمه لما انصرفوا. ودخل علي وطَلْحَة والزبير على عثمان يعودونه من صرعته، فصلى بهم عثمان بعد ما نزلوا به فِي المسجد ثلاثين يوما ثم منعوه الصلاة، فصلى بالناس أميرهم الغافقي، دان له المصريون والكوفيون والبصريون، وتفرق أهل المدينة إلى حيطانهم، ولزموا بيوتهم، لا يخرج أحد، ولا يجلس أحد إلا وعليه سيفه يمتنع به من رهق القوم، وكان الحصار أربعين يوما، وفيها كان القتل، ومن تعرض لهم وضعوا فيه السلاح، وكانوا قبل ذلك ثلاثين يوما يكفون عن الناس، ويحتملون منهم الكلام.
ولما رأى زيد وزياد وعمر والأصم أن أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع عثمان، / وأنهم 18/ ب لا يجيئونهم رجعوا من بين أهل الكوفة، وأعاد عثمان الكتاب إلى الأمراء: إن أمر هؤلاء قد بان، وأنهم جاولوا الإسلام، ومنعوا الصلاة، وحالوا بيني وبين المسجد، ولما لم يجدوا خرجا، قالوا: لا نرضى إلا بأن يعتزلنا، فأدركوا الفتنة قبل تدفقها، فحرض العمال أهل بلادهم، وجاء سعد، وزيد، وأبو هريرة للقتال، فقَالَ عثمان: إن كنتم ترون الطاعة، فاغمدوا أسيافكم وانصرفوا.
وجاء كثير بن الصلت، فقَالَ لعثمان: لو أريت الناس وجهك، فقد انكسر الناس، فقَالَ: يا كثير، رأيتني البارحة وكأني دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر وعمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فقَالَ: قد صبرت فلن يدركك المسلمون حتى تقتل، فارجع فإنك مفطر عندي يوم كذا وكذا، ولن تغيب الشمس والله يوم كذا وكذا، إلا وأنا من أهل الآخرة، فقالوا: نستقيل، فقَالَ: اخرجوا عني.
ولما رأى القوم أن الناس قد ثابوا إلى عثمان وضعوا على علي بن أبي طالب رقيبا فِي نفر فلازمه، ورقيبه خالد بن ملجم، وعلى طَلْحَة رقيبا فلازمه، ورقيبه سودان بن حمران، وعلى الزبير رقيبا فلازمه، ورقيبه قتيرة وعلى نفر بالمدينة، وقالوا لهم: إن تحركوا فاقتلوهم، فلما لم يستطع هؤلاء النفر غشيان عثمان بعثوا أبناءهم إلى عثمان،فَأَقْبَلَ الحسن بن علي، فقَالَ له: مرنا بأمرك، فقَالَ: يا ابن أخي، أوصيك بما أوصي به نفسي، واصبر وما صبرك إلا باللَّه، وجاء ابن الزبير، فقَالَ له مثل ذلك، وجاء مُحَمَّد بن طَلْحَة فقَالَ له مثل ذلك.
وأشرف عثمان [1] ، فقَالَ: يا أهل المدينة إني أستودعكم الله فارجعوا، ولزم عثمان الدار أربعين ليلة، فلما مضت من الأربعين ثماني عشرة ليلة قدم ركبان من الوجوه فأخبروا خبر من قد تهيأ إليهم من الآفاق: حبيب من الشام، ومعاوية من مصر، والقعقاع بن عمرو من الكوفة، ومجاشع من البصرة، فعندها حالوا بين الناس وبين عثمان، ومنعوه من كل شيء حتى الماء، فبعث إلى علي رضي الله عنه بأنهم قد منعونا 19/ أالماء، وإلى طَلْحَة والزبير وعائشة وأزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ [2] ، فجاء إليهم علي فقَالَ: إن الذي تصنعون لا يشبه أمر المؤمنين ولا أمر الكافرين، فإن الروم لتأسر فتطعم وتسقي، فقالوا:
لا والله ولا نعمة عين، لا نتركه يأكل ولا يشرب، فرجع. وجاءت أم حبيبة [على بغلة لها برحالة] [3] مشتملة على إداوة، فقالت لهم: إن وصايا بني أمية إلى هذا الرجل فأحببت أن ألقاه فأسأله كيلا تهلك أموال اليتامى، فقالوا:
كاذبة، وقطعوا حبل بغلتها بالسيف، فنذرت فتلقاها الناس.
وتجهزت عائشة خارجة إلى الحج هاربة.
وحج بالناس تلك السنة عَبْد اللَّهِ بن عباس بأمر عثمان وهو محصور.
فلما علم المصريون أنهم مقصودون، قالوا: لا ينجينا إلا قتل هذا الرجل، فراموا الباب، فمنعهم الحسن، وابن الزبير، ومُحَمَّد بن طَلْحَة، ومروان، وسعيد بن العاص، وكانوا مقيمين على الباب، فناداهم عثمان: الله الله، أنتم فِي حل من نصرتي، فأبوا، ففتح الباب، وخرج ومعه الترس والسيف، فبارز المصريون، وركبهم هؤلاء فتراجعوا، وأقسم على أصحابه ليدخلن إذ أبوا أن ينصرفوا، فدخلوا فأغلق الباب دون المصريين،واتخذ عثمان القرآن تلك الأيام نجيا، يصلي وعنده المصحف، فإذا أعيا جلس فقرأ فيه.
فجاء المصريون بنار فأحرقوا الباب، وعثمان فِي الصلاة قد افتتح طه، فما كرثه [1] ما سمع، وما تتعتع حتى أتى عليها قبل أن يصلوا إليه. وبارز مروان يومئذ، فاختلف هو ورجل منهم ضربتين، فاجتر هذا أصحابه وهذا أصحابه، واقتحم الناس الدار من الدور التي حولها حتى ملئوها ولا يشعر الذين بالباب، فقَالَ رجل: اخلعها وندعك، فقَالَ: لست خالعا قميصا كسانيه الله، فخرج ودخل آخر فلم يقتله، وجاء ابن سلام ينهاهم، فقالوا: يا ابن اليهودية، ما أنت وهذا. فأتاه الغافقي وبيده حديدة فضرب بها رأسه/ فشجها فقطر [2] دمه على المصحف، وضرب المصحف برجله، ثم تعاونوا 19/ ب عليه [3] ، فضربه سودان بن حمران، فوثبت نائلة بنت الفرافصة فصاحت وألقت نفسها عليه وأخذت السيف بيدها، فتعمدها، فقطع أصابع يدها وقتله، فوثب غلام لعثمان [4] فقتل سودان، فقتل قتيرة الغلام، فوثب غلام آخر وقتل قتيرة، ورموا بهما فأكلتهما الكلاب. ولم يغسل عثمان ولا غلاماه لكونهم شهداء، ودفنا إلى جنب عثمان بالبيت، وانتهبوا متاع البيت، ومر رجل على عثمان ورأسه مع المصحف، فضرب رأسه برجله ونحاه عن المصحف، وتنادوا فِي الدار: أدركوا بيت المال، لا تسبقوا إليه، فأتوه فانتهبوه.
وقتل عثمان يوم الجمعة قبل غروب الشمس لثماني عشرة من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يُوسُفَ الصَّيَّادُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ خَلادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحارث بن مُحَمَّد، قَالَ: حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ الْقَاسِمِ الطَّلْحِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، قال:
حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، أَنَّهُ قَالَ لِعُثْمَانَ حِينُ حُصِرَ:
إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ مِنَ الأَمْرِ مَا تَرَى، فَاخْتَرْ وَاحِدَةً مِنْ ثَلاثٍ: إِنْ شِئْتَ أَنْ نَفْتَحَ لَكَ بَابًا سِوَى الْبَابِ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ فَتَقْعُدَ عَلَى رَوَاحِلِكَ فَتَلْحَقَ بِمَكَّةَ فَلَنْ يَسْتَحِلُّوكَ بِهَا، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَلْحَقَ الشَّامَ وَفِيهَا مُعَاوِيَةُ، وَإِنْ شِئْتَ خَرَجْتَ بِمَنْ مَعَكَ فَقَاتَلْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَى الْحَقِّ وَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ. فَقَالَ عُثْمَانُ: أَمَّا قَوْلُكَ آتِي إِلَى مَكَّةَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يُلْحَدُ بِمَكَّةَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَيْهِ نِصْفُ عَذَابِ الأُمَّةِ» فَلَنْ أَكُونَهُ. وَأَمَّا أَنْ آتِيَ إِلَى الشَّامِ، فَلَنْ أكون لأدع دار هجرتي ومجاورة نبي الله صلّى الله عليه وسلّم وَآتِي الشَّامَ. وَأَمَّا قَوْلُكَ إِنِّي أَخْرُجُ بِمَنْ مَعِي أُقَاتِلُهُمْ فَلَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ يَخْلُفُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته بإراقة محجمة دم.
20/ أوروى الواقدي/، عن أشياخ له، عن مُحَمَّد بن مسلمة، قَالَ [1] : خرجت فِي نفر من قومي إلى المصريين، فعظمت حق عثمان وما فِي رقابهم من البيعة، وخوفتهم الفتنة، وأنه ينزع عن هذه الأمة الخصال التي نقمتم عليه، وأنا ضامن لذلك. قَالَ القوم:
فإن لم ينزع؟ قلت: فأمركم إليكم.
فانصرف القوم وهم راضون، ورجعت إلى عثمان، فقلت: أخلني، فأخلاني، فقلت: الله الله يا عثمان فِي نفسك، إن هؤلاء القوم إنما قدموا يريدون دمك، وأنت ترى خذلان أصحابك لك، فأعطاني الرضا وجزاني خيرا.
ثم خرجت من عنده، فأقمت ما شاء الله فيهم، فعادوا له فقَالَ لي: ارجع إليهم فأرددهم، قلتُ: لا والله، لأني ضمنت لهم أمورا [تنزع عنها] [2] فلم تنزع عن حرف واحد منها. فقَالَ له: الله المستعان.
وجاءني ابن عديس وسودان، فقالا: ألم تعلم أنك زعمت أن صاحبنا نازع عما نكره؟ قلت: بلى فأخرجوا صحيفة صغيرة، وإذا قصبة من رصاص، فقالوا: وجدنا جملا من إبل الصدقة عليه غلام عثمان، ففتشنا متاعه فوجدنا فيه هذا الكتاب:
أما بعد، فإذا قدم عليك عَبْد الرَّحْمَنِ بن عديس فاجلده مائة جلدة، واحلق رأسه ولحيته وأطل حبسه حتى يأتيك أمري، وعمرو بن الحمق فافعل به مثل ذلك، وسودان مثل ذلك، وعروة مثل ذلك.
قلت: وما يدريكم أن عثمان كتب هذا؟ قالوا: فيفتات مروان على عثمان بهذا، فهذا أشر، فيخرج نفسه من هذا الأمر. ودخل علي على عثمان فأخبره بما وجدوا فِي الكتاب، فجعل يقسم باللَّه ما كتب به ولا علم ولا شور.
قَالَ ابن مسلمة: إنه لصادق، ولكن هذا عمل مروان، فقَالَ عليّ: أدخلهم إليك واعتذر إليهم، فدخلوا فما سلموا عليه بالخلافة، بل قالوا: سلام عليكم، فقلنا:
وعليكم السلام، فقدموا فِي كلامهم ابن عديس، فذكر له أشياء من فعله، وقالوا: قد رحلنا نريد دمك فردنا علي، ومُحَمَّد بن مسلمة، وضمن لنا ابن مسلمة النزوع عما نقمناه، فرجعنا إلى بلادنا، فوجدنا غلامك وكتابك وخاتمك إلى/ عاملك بجلد ظهورنا 20/ ب والمثل بنا، فقَالَ عثمان: والله ما كتبت ولا أمرت ولا شورت، قالوا: أيكتب مثل هذا غيرك؟ فليس مثلك يلي، اخلع نفسك، فقَالَ: لا أنزع قميصا ألبسنيه الله عز وجل.
فخرج الكل فحاصروه.






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید