المنشورات

تفريق علي رضي الله عنه عماله فِي الأمصار

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَأَبُو الْقَاسِمِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالا: أخبرنا ابن النقور، قال: أخبرنا المخلص، قال: أخبرنا أحمد بن عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، قال: حدثنا شعيب، عن مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ، قَالا [2] : بَعَثَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عُمَّالَهُ عَلَى الأَمْصَارِ، بَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ حَنِيفٍ عَلَى الْبَصْرَةِ، وَعُمَارَةَ بْنَ حَسَّانِ بْنِ شِهَابٍ عَلَى الْكُوفَةِ، وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَلَى الْيَمَنِ، وَقَيْسَ بْنَ سَعْدٍ عَلَى مِصْرَ [3] ، وسهل/ بن حنيف على الشام [4] . 27/ ب فَأَمَّا سَهْلٌ فَإِنَّهُ خَرَجَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِتَبُوكَ لَقِيَتْهُ خَيْلٌ قَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَمِيرٌ، قَالُوا: عَلَى أَيِّ شَيْءٍ؟ قَالَ: عَلَى الشَّامِ، قَالُوا: إِنْ كَانَ عُثْمَانُ بَعَثَكُمْ فَحَيَّهَلا بِكَ، وَإِنْ كَانَ بَعَثَكَ غَيْرُهُ فَارْجِعْ، قَالَ: أَوَ مَا سَمِعْتُمْ بِالَّذِي كَانَ، قَالُوا: بَلَى، فَرَجَعَ إِلَى عَلِيٍّ.
وَأَمَّا قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ، فَإِنَّهُ لَمَّا انْتَهَى إِلَى أَيَلَةَ لَقِيَتْهُ خَيْلٌ، فَقَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ:
مِنْ قَالَةِ عُثْمَانَ، فَأَنَا أَطْلُبُ مَنْ آوِي إِلَيْهِ وَأَنْتَصِرُ بِهِ، قالوا: من أنت؟ قال: قيس بن سَعْدٍ، قَالُوا: امْضِ، فَمَضَى حَتَّى دَخَلَ مِصْرَ، فَافْتَرَقَ أَهْلُ مِصْرَ فِرَقًا، فِرْقَةٌ دَخَلَتْ فِي الْجَمَاعَةِ وَكَانُوا مَعَهُ، وَفِرْقَةٌ وَقَفَتْ وَاعْتَزَلَتْ، وَقَالُوا: إِنْ قَتْلَ قَتَلَةَ عُثْمَانَ فَنَحْنُ مَعَكُمْ، وَإِلا فَنَحْنُ عَلَى جَدِيلَتِنَا، وَفِرْقَةٌ قَالُوا: نَحْنُ مَعَ عَلِيٍّ مَا لَمْ يُقِدْ إِخْوَانَنَا، فَكَتَبَ قَيْسٌ إِلَى عَلِيٍّ بِذَلِكَ.
وَأَمَّا عُثْمَانُ بْنُ حَنِيفٍ، فَسَارَ فَلَمْ يَرُدَّهُ أَحَدٌ عَنْ دُخُولِ الْبَصْرَةِ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي ذَلِكَ لابْنِ عَامِرٍ رَأْيٌ وَلا حَزْمٌ وَلا اسْتِقْلَالٌ بِحَرْبٍ، فَافْتَرَقَ النَّاسُ فَاتَّبَعَتْ فِرْقَةٌ الْقَوْمَ، وَدَخَلَتْ فِرْقَةٌ فِي الْجَمَاعَةِ، وَفِرْقَةٌ قَالَتْ: نَنْظُرُ مَا يَصْنَعُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فَنَصْنَعُ كَمَا صَنَعُوا.
وَأَمَّا عُمَارَةُ فَأَقْبَلَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِزُبَالَةَ رُدَّ وَانْطَلَقَ عُبَيْدُ اللَّهِ إِلَى الْيَمَنِ، وَلَمَّا رَجَعَ سَهْلُ بْنُ حَنِيفٍ مِنْ طَرِيقِ الشَّامِ دَعَا طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ، فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ [1] قَدْ وَقَعَ، وَسَأَمْسِكُ الْأَمْرَ مَا اسْتَمْسَكَ، فَإِذَا لَمْ أَجِدْ بُدًّا فَآخِرُ الدَّوَاءِ الْكَيُّ. وَكَتَبَ عَلِيٌّ إِلَى أَبِي مُوسَى وَمُعَاوِيَةَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو مُوسَى بِطَاعَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَبَيْعَتِهِمْ، وَبَيَّنَ الْكَارِهَ مِنْهُمْ وَالرَّاضِي، وَكَانَ الرَّسُولُ إِلَى أَبِي مُوسَى مَعْبَدٌ الأَسْلَمِيُّ، وَكَانَ الرَّسُولُ إِلَى مُعَاوِيَةَ سَبْرَةُ الْجُهَنِيُّ، فَلَمَّا قدم على معاوية لم يكتب معه شيء ولم يجبه، حتى إذا كان في الشهر الثَّالِثِ مِنْ مَقْتَلِ عُثْمَانَ فِي صَفَرٍ، دَعَا مُعَاوِيَةُ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي عَبْسٍ يُدْعَى قَبِيصَةُ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ طُومَارًا مَخْتُومًا، عُنْوَانُهُ: مِنْ مُعَاوِيَةَ إلى عليّ، فقال له:
28/ أإذا دَخَلْتَ الْمَدِينَةَ فَاقْبِضْ عَلَى أَسْفَلِ الطُّومَارِ، ثُمَّ أَوْصَاهُ/ بِمَا يَقُولُ، وَسَرَّحَ رَسُولَ عَلِيٍّ مَعَهُ، فَخَرَجَا فَقَدِمَا الْمَدِينَةَ فِي غُرَّةِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، فَلَمَّا دَخَلا الْمَدِينَةَ رَفَعَ الْعَبْسِيُّ الطُّومَارَ كَمَا أَمَرَهُ، وَخَرَجَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَتَفَرَّقُوا إِلَى مَنَازِلِهِمْ وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ مُعَاوِيَةَ مُعْتَرِضٌ، وَمَضَى الرَّسُولُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ الطُّومَارَ، فَفَضَّ خَاتَمَهُ فَلَمْ يَجِدْ فِي جَوْفِهِ كِتَابَةً، فَقَالَ لِلرَّسُولِ: مَا وَرَاءَكَ؟ قَالَ: آمِنٌ أَنَا؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ الرُّسُلَ آمِنَةٌ لا تُقْتَلُ، قَالَ: وَرَائِي أَنِّي تَرَكْتُ قَوْمًا لا يَرْضَوْنَ إِلا بِالْقَوَدِ، قَالَ: مِمَّنْ؟ قَالَ:
مِنْ نَفْسِكَ، وَتَرَكْتُ سِتِّينَ أَلْفَ شَيْخٍ يَبْكِي تَحْتَ قَمِيصِ عُثْمَانَ وَهُوَ مَنْصُوبٌ لَهُمْ، قَدْ أَلْبَسُوهُ مِنْبَرَ دِمَشْقَ، فَقَالَ: أَمِنِّي يَطْلُبُونَ دَمَ عُثْمَانَ، أَلَسْتَ مَوْتُورًا أَكْرَهُ قَتْلَ عثمان، اللَّهمّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِنْ دَمِ عُثْمَانَ، اخْرُجْ، قَالَ: وَأَنَا آمِنٌ؟ قَالَ: وَأَنْتَ آمِنٌ، فَخَرَجَ الْعَبْسِيُّ، فَصَاحَتِ السَّبَئِيَّةُ: هَذَا الْكَلْبُ وَافِدُ الْكِلابِ، اقْتُلُوهُ، فَنَادَى: يَا آلَ مُضَرَ، إِنِّي أَحْلِفُ باللَّه لَيَرُدَّنَّهَا عَلَيْكُمْ أَرَبَعَةُ آلافِ خَصِيٍّ، فَانْظُرُوا كَمِ الْفُحُولَةُ وَالرِّكَابُ فَمَنَعَتْهُ مُضَرُ. وَحَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ أَبِي حَارِثَةَ وَأَبِي عُثْمَانَ، قَالا: أَتَى مُعَاوِيَةَ الْخَبَرُ بِحَصْرِ عُثْمَانَ، فَأَرْسَلَ إِلَى حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْفِهْرِيِّ، فَقَالَ: إِنَّ عُثْمَانَ قَدْ حُصِرَ، فَأَشِرْ عَلَيَّ بِرَجُلٍ يُنْفِذُ لأَمْرِي وَلا يُقَصِّرُ، قَالَ: مَا أَعْرِفُ ذَلِكَ غَيْرِي، قَالَ: أَنْتَ لَهَا، فَأَشِرْ عَلَيَّ بِرَجُلٍ أَبْعَثُهُ عَلَى مُقَدِّمَتِكَ لا تُتَّهَمُ نَصِيحَتُهُ، قَالَ: يَزِيدُ بْنُ شَجَعَةَ الْحِمْيَرِيُّ، فَدَعَا بِهِمَا [1] فَقَالَ: النَّجَاءُ، سِيرَا فَأَعِينَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَتَعَجَّلْ أَنْتَ يَا يَزِيدُ فَإِنْ قَدِمْتَ يَا حَبِيبُ وَعُثْمَانُ حَيٌّ فَالأَمْرُ أَمْرُهُ، فَانْفِذْ لِمَا يَأْمُرُكَ بِهِ، وَإِنْ وَجَدْتَهُ قَدْ قُتِلَ فَلا تَدَعْنَ أَحَدًا أَشَارَ إِلَيْهِ أَوْ أَعَانَ عَلَيْهِ إِلا قَتَلْتَهُ. وَبَعَثَ مَعَ يَزِيدَ أَلْفَ فَارِسٍ، فَسَارَ بَعْضَ الطَّرِيقِ، فَبَلَغَهُ الْخَبَرُ، ثُمَّ لَقِيَهُ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ وَمَعَهُ الْقَمِيصُ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ عُثْمَانُ مُخَضَّبٌ بِالدِّمَاءِ وَأَصَابِعُ امْرَأَتِهِ، فَأَمْضَى حَبِيبٌ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَأَقَامَ فَأَتَاهُ بِرَأْيِهِ فَرَجَعَ حَتَّى قَدِمَ دِمَشْقَ. وَلَمَّا قَدِمَ/ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ عَلَى مُعَاوِيَةَ أَخْرَجَ القميص وأصابع نائلة بنت الفرافصة- 28/ ب أُصْبُعَانِ قَدْ قُطِعَتَا بِبَرَاجِمِهِمَا وَشَيْءٍ مِنَ الْكَفِّ، وَأُصْبُعَانِ مَقْطُوعَتَانِ مِنَ أَصْلِهِمَا مُفْتَرِقَتَانِ، وَنِصْفُ الإِبْهَامِ- فَوَضَعَ مُعَاوِيَةُ الْقَمِيصَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَكَتَبَ بِالْخَبَرِ إِلَى الأَجْنَادِ، وَثَابَ إِلَيْهِ النَّاسُ وَبَكَوْا سَنَةً وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَالأَصَابِعُ مُعَلَّقَةٌ فِيهِ، وَالرِّجَالُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ لا يَأْتُونَ النِّسَاءَ، وَلا يَمَسُّهُمُ الْغُسْلُ إِلا مِنَ الاحْتِلامِ، وَلا يَنَامُونَ عَلَى الْفُرُشِ حَتَّى يَقْتُلُوا قَتَلَةَ عُثْمَانَ، وَمَنْ عَرَضَ دُونَهُمْ بِشَيْءٍ أَوْ يُفْنِي أَرْوَاحَهُمْ، فَمَكَثُوا يَبْكُونَ حَوْلَ الْقَمِيصِ سَنَةً، وَالْقَمِيصُ مَوْضُوعٌ كُلَّ يَوْمٍ، وَفِي أَرْدَافِهِ أَصَابِعُ نَائِلَةَ مُعَلَّقَةٌ.






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید