المنشورات

اجتمعت الخوارج على حرب علي رضي الله عنه وتأهبوا لذلك

وشرح القصة: أنه لما أراد علي رضي الله عنه أن يبعث أبا مُوسَى للحكومة أتاه رجلان من الخوارج: زرعة بن البرج الطائي، وحرقوص بن زهير السعيدي، فدخلا عليه، فقالا: لا حكم إلا للَّه، فقَالَ علي: لا حكم إلا للَّه، فقَالَ له حرقوص: تب من خطيئتك وارجع عن قضيتك واخرج بنا إلى عدونا نقاتلهم حتى نلقى ربنا، قَالَ لهم: قد أردتكم على ذلك فعصيتموني، وقد كتبنا بيننا وبين القوم كتابا وشرطنا شروطا وأعطينا عليها عهودا ومواثيقا، وقد قال الله تعالى: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا 16: 91 الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ الله يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ 16: 91 [1] ، فقَالَ حرقوص: ذلك ذنب ينبغي أن تتوب منه، فقَالَ له علي: ما هو ذنب ولكن عجز من الرأي، 51/ ب وضعف من العمل وقد/ نهيتكم عنه، فقَالَ له زرعة: أما والله يا علي، لئن لم تدع تحكيم الرجال في كتاب الله قاتلتك أطلب بذلك وجه الله ورضوانه، فقَالَ علي: بؤسا لك، ما أشقاك، كأني بك قتيلا تسفِي عليك الريح، فقَالَ: وددت أن قد كان ذلك.
فخرج علي يوما فخطب، فقالوا من جوانب المسجد: لا حكم إلا الله، وصاح منهم رجل بعلي رضي الله عنه، فقَالَ: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ من الْخاسِرِينَ 39: 65 [2] فقَالَ علي: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ 30: 60 [3] . فاجتمعت الخوارج فِي منزل عَبْد اللَّهِ بن وهب الراسبي، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قَالَ: ما ينبغي لقوم يؤمنون بالرحمن، وينيبون إلى حكم القرآن أن تكون هذه الدنيا التي [الرضا بها والركون بها والإيثار إياها عناء وتبار] [4] آثر عنده من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقول بالحق، فاخرجوا بنا إلى إخواننا من بين أهل هذه القرية الظالم أهلها إلى جانب هذا السواد، وإلى بعض كور الجبال أو إلى بعض هذه المدائن منكرين لهذه البدع المضلة، والأحكام الجائرة.
فقَالَ حرقوص بن زهير: إن المتاع بهذه الدنيا قليل، وإن الفراق لها وشيك، فلا تدعونكم زينتها وبهجتها إلى المقام بها، ولا تلفتنكم عن طلب الحق وإنكار الظلم، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.
فقَالَ حمزة بن سنان الأسدي: يا قوم، إن الرأي ما رأيتم، وإن الحق ما ذكرتم، فولوا أمركم هذا رجلا منكم، فإنه لا بد لكم من عماد وسناد وراية تحفون بها، وترجعون إليها.
فبعثوا إلى زيد بن حصن الكناني [1] ، وكان من رءوسهم، فعرضوها عليه فأبى، وعرضوها على عَبْد اللَّهِ بن وهب الراسبي، فقَالَ: هاتوها، أنا والله لا آخذها رغبة فِي الدنيا ولا أدعها فرقا من الموت، وذلك بعد ما عرضوها على حرقوص، فأبى وعرضوها على حمزة فأبى، وعرضوها على شريح بن أوفى/ العبسي فأبى ولم يقبلها غير ابن 52/ أوهب الراسبي، وقَالَ ما قَالَ.
ثم إنهم اجتمعوا فِي منزل زيد بن حصن، فقَالَ: إن الله قد أخذ عهودنا ومواثيقنا على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد قَالَ: وَمن لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ 5: 44 [2] وَمن لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ 5: 45 [3] وَمن لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ 5: 47 [4] فاشهد على أهل دعوتنا من أهل قبلتنا أنهم قد اتبعوا الهوى ونبذوا حكم الكتاب، وجاروا فِي القول والفعل، وإن جهادهم حق على المؤمنين، وأقسم بالذي تعنو له الوجوه، وتخشع له الأبصار إني لو لم أجد على تغيير الجور، وقتال القاسطين أحدا مساعدا لمضيت فردا حتى ألقى ربي ليرى أني قد عبرت إرادة رضوانه.
فقَالَ عَبْد اللَّهِ بن وهب: اشخصوا بنا إلى بلدة نجتمع فيها [5] . فقَالَ شريح:
اخرجوا إلى المدائن فلننزلها ولنأخذ بأبوابها، ونخرج منها سكانها، ونبعث إلى إخواننا من أهل البصرة فيقدمون علينا، فقَالَ زيد: إنكم إن خرجتم يرى لكم جماعة تبعتم، ولكن اخرجوا وحدانا، فأما المدائن فإن بها قوما يمنعونها منكم، ولكن اكتبوا إلى إخوانكم من أهل البصرة فأعلموهم بمخرجكم، وسيروا حتى تنزلوا جسر النهروان، قالوا: هذا الرأي.
وأجمعوا على ذلك، وكتبوا إلى أهل البصرة، وخرجوا ليلة السبت وحدانا يتسللون، فبلغ خبرهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فكتب إليهم وهو بالنهر.
بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى زيد بن حصن وعبد الله بن وهب ومن معهما من الناس. أما بعد، فإن هذين الرجلين الذين ارتضينا حكمين قد خالفا كتاب الله، واتبعا أهواءهما بغير هدى من الله، فلم يعملا بالسنة، ولم ينفذا للقرآن حكما، فبرئ الله منهما ورسوله والمؤمنون، فإذا بلغكم كتابي هذا فأقبلوا 52/ ب فإنا/ سائرون إلى عدونا ونحن على الأمر الأول الذي كنا عليه [والسلام] [1] . فكتبوا إليه: أما بعد، فإنك لم تغضب لربك، وإنما غضبت لنفسك، فإن شهدت [على نفسك] [2] بالكفر، واستقبلت التوبة، نظرنا فيما بيننا وبينك، وإلا فقد نابذناك على سواء إن الله لا يحب الخائنين.
فلما قرأ كتابهم أيس منهم.
ولقي الخوارج [3] فِي طريقهم عَبْد اللَّهِ بن خباب، فقالوا: هل سمعت من أبيك حديثا يحدثه عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم تحدثناه؟ قَالَ: نعم، سمعته يُحَدِّثُ عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه ذكر فتنة القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، قَالَ: فإن أدركت ذلك فكن عَبْد اللَّهِ المقتول. قالوا: أنت سمعت هذا من أبيك يحدثه عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نعم، فقدموه على شفير النهر فضربوا عنقه، فسال دمه كأنه شراك نعل، ونقروا أم ولده عما فِي بطنها، وكانت حبلى، ونزلوا تحت نخل مواقر [4] ، فسقطت رطبة، فأخذها أحدهم فقذف بها فِي فيه، فقَالَ أحدهم: بغير حلها وبغير ثمن، فلفظها من فيه. واخترط أحدهم سيفه فأخذ يهزه، فمر خنزير لأهل الذمة [5] ، فضربه، فقالوا له: هذا فساد فِي الأرض، فلقي صاحب الخنزير فأرضاه من خنزيره.
وكان علي رضي الله عنه قد تجهز للخروج إلى قتال الشام، وندب الناس،فاجتمع معه ثمانية وستون ألفا، فلما سمع الناس خبر هؤلاء قالوا: لو سار بنا إلى هؤلاء فبدأنا بهم [1] ثم وجهنا إلى المحلين [2] ، فبلغه قولهم، فقَالَ: إن غير هؤلاء أهم إلينا، فسيروا إلى قوم يقاتلونكم كيما يكونوا جبارين، فقالوا: سر بنا حيث أحببت.
فلما بلغه قتلهم عَبْد اللَّهِ بن خباب بعث إليهم الحارث بن مرة العبدي ليأتيه بخبرهم، فلما دنا منهم يسألهم قتلوه. فأتى الخبر عليا، فقام الناس/ إليه، فقالوا: يا 53/ أأمير المؤمنين، علام ندع هؤلاء وراءنا يخلفوننا فِي أموالنا وعيالنا، سر بنا إلى القوم، فإذا فرغنا مما بيننا وبينهم سرنا إلى عدونا من أهل الشام.
فنادى بالرحيل وخرج، ثم بعث إليهم: ادفعوا إلينا قتلة إخواننا منكم نقتلهم بهم، ثم نكف عنكم، واخرجوا بنا إلى قتال عدونا وعدوكم، فبعثوا إليه كلنا قتلهم، وكلنا نستحل لدمائهم ودمائكم. وفِي رواية أخرى [3] أن عليا أتاهم فوقف عليهم، فقَالَ: أيتها العصابة التي أخرجتها اللجاجة، وصدها عن الحق الهوى، إني نذير لكم أن تصبحوا صرعى بأثناء هذا النهر، تلفيكم الأمة غدا بغير بينة من ربكم [4] ، وإن الحكمين اختلفا وخالفا كتاب الله والسنة، فنبذنا أمرهما ونحن على الأمر الأول، فما الذي بكم؟ ومن أين أتيتم؟
فقالوا: إنا لما حكمنا أثمنا وكلنا بذلك كافرين وقد تبنا قَالَ: إذا تبت كما تبنا، فنحن منك وإلا فاعتزلنا فإنا منابذوك على سواء، فقَالَ علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أصابكم حاصب ولا بقي منكم وابر [5] ، أبعد إيماني برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهجرتي معه وجهادي فِي سبيل الله أشهد على نفسي بالكفر، لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين.
فتنادوا [1] : لا تخاطبوهم ولا تكلموهم، وتهيأوا للقاء الرب، الرواح الرواح إلى الجنة. فخرج علي فعبأ الناس، فجعل على ميمنته حجر بن عدي، وعلى ميسرته شبث بن ربعي- أو معقل بن قيس الرياحي- وعلى الخيل أبا أيوب الأنصاري، وعلى الرجالة أبا قتادة الأنصاري، وعلى أهل المدينة قيس بن سعد.
وعبأت الخوارج [2] ، فجعلوا على ميمنتهم زيد بن حصن، وعلى ميسرتهم شريح بن أوفى العبسي، وعلى خيلهم حمزة بن سنان، وعلى رجالتهم حرقوص بن زهير [3] . ودفع علي إلى أبي أيوب الأنصاري راية أمان، فناداهم أبو أيوب: من جاء هذه 53/ ب الراية منكم/ ممن لم يقتل ولم يستعرض فهو آمن، ومن انصرف منكم إلى الكوفة أو إلى المدائن وخرج من هذه الجماعة فهو آمن، إنه لا حاجة لنا بعد أن نصيب قتلة إخواننا فِي سفك دمائكم، فقال فروة بن نوفل: والله ما أدري على أي شيء نقاتل عليا، لا أرى إلا أن أنصرف حتى تنفذ لي بصيرتي فِي قتاله أو اتباعه [4] . فانصرف في خمسمائة فارس.
وخرجت طائفة [أخرى] [5] متفرقين، فنزلوا الكوفة، وخرج إلى علي منهم نحو من مائة، وكانوا أربعة آلاف، فكان الذين بقوا مع عبد الله بن وهب ألفين وثمانمائة، فزحفوا إلى علي فقَالَ علي لأصحابه: كفوا عنهم حتى يبدءوكم، فتنادوا: الرواح الرواح، فشدوا على الناس، فلم تثبت خيل علي لشدتهم، فاستقبلت الرامية وجوههم بالنبل وعطفت عليهم الخيل من الميمنة والميسرة فأناموهم، ولم يقتل من أصحاب علي رضي الله عنه إلا سبعة أولهم يزيد بن نويرة.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن على بن ثَابِتٍ، [أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ [بْنِ] [6] مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلَفٍ الْعُكَبْرِيُّ، أَخْبَرَنَا جدي، حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ] [1] حَاتِمٍ الْمَدَنِيُّ، قَالَ [2] : أَوَّلُ قَتِيلٍ قُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ يَوْمَ النَّهْرَوانِ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: يَزِيدُ بْنُ نُوَيْرَةَ، شَهِدَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجَنَّةِ مَرَّتَيْنِ شَهِدَ لَهُ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ جَازَ التَّلَّ فَلَهُ الْجَنَّةُ» . فَقَالَ يَزِيدُ بْنُ نُوَيْرَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا بَيْنِي وَبَيْنَ الْجَنَّةِ هَذَا التَّلُّ، ثُمَّ أَخَذَ سَيْفَهُ فَضَارَبَ حَتَّى جَازَ التَّلَّ، فَقَالَ ابْنُ عَمٍّ لَهُ: [3] يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَجْعَلُ لي ما جعلت مِثْلَ مَا جَعَلْتَ لابْنِ عَمِّي يَزِيدَ؟ قَالَ: «نَعَمْ» ، فَقَاتَلَ حَتَّى جَازَ التَّلَّ، ثُمَّ أَقْبَلا يَخْتَلِفَانِ فِي قَتِيلٍ قَتَلاهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمَا: «كِلاكُمَا قَدْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَلَكَ يَا يَزِيدُ عَلَى صاحبك درجة» ، قال: فشهد يزيد مَعَ عَلِيٍّ فَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ يَوْمَ النَّهْرَوَانِ. قَالَ علماء السير [4] : وخرج علي فِي طلب ذي الثدية، فوجده فِي حفرة على شاطئ النهر قتيلا، فلما استخرج نظر إلى عضده فإذا لحم مجتمع/ على منكبه كثدي 54/ أالمرأة له حلمة عليها شعيرات سود، فقَالَ علي: الله أكبر، والله ما كذبت ولا كذبت، أما والله لولا أن تنكلوا عن العمل لأخبرتكم بما قضى الله على لسان نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن قاتلهم مستنصرا فِي قتالهم. أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو الحسن علي بن أحمد بن إِبْرَاهِيمَ الْبَزَّازُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ النَّسَوِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سفيان، قال: حدّثنا أصبغ بن الفرح، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ بَكِيرِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ بِشْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَنَّ الْحَرُورِيَّةَ لَمَّا خَرَجَتْ عَلَى عَلي بْن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عنه وَقَالُوا: لا حُكْمَ إِلا للَّه، قالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وصف لنا نَاسًا إِنِّي لأَعْرِفُ صِفَتَهُمْ فِي هَؤُلاءِ، يَقُولُونَ الْحَقَّ بِأَلْسِنَتِهِمْ، لا يُجَاوِزُ هَذَا مِنْهُمْ- وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ- مِنْ أَبْغَضِ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيْهِ، فَيهِمْ أَسْوَدُ، إِحْدَى يَدَيْهِ كَأَنَّهَا طُبْيُ [1] شَاةٍ، أَوْ حَلَمَةُ ثَدْيٍ، فَلَمَّا قَتَلَهُمْ قَالَ: انْظُرُوا، فَنَظَرُوا فَلَمْ يَجِدُوا شَيْئًا، فَقَالَ: ارْجِعُوا، وَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ- مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا- فَوَجَدُوهُ فِي حُفْرَةٍ، فَأَتَوْا بِهِ حَتَّى وَضَعُوهُ بَيْنَ يَدَيْهِ. قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: وَأَنَا حَاضِرٌ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمْ وَقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيهِمْ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ، قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال:
أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الأَزْهَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَكَّائِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْحَضْرَمِيُّ [2] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحَمَّامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ [3] ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ مَيْسَرَةَ، قَالَ:
قَالَ أَبُو جُحَيْفَةَ [4] : قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ فَرَغْنَا مِنَ الْحَرُورِيَّةِ: إِنَّ فِيهِمْ رَجُلا مُخْدَجًا [5] ، لَيْسَ فِي عَضُدِهِ عَظْمٌ، ثُمَّ عَظْمُهُ أَوْ عَضُدُهُ حَلَمَةٌ كَحَلَمَةِ الثَّدْيِ، عَلَيْهَا شُعَيْرَاتٌ طُوَالٌ عقف [6] ، 54/ ب فَالْتَمَسُوهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ، / وَأَنَا فِيمَنْ يَلْتَمِسُ. قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ عَلِيًّا جَزِعًا قَطُّ أَشَدَّ مِنْ جَزَعِهِ يَوْمَئِذٍ، فَقَالُوا: مَا نَجِدُهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: وَيْلَكُمْ مَا اسْمُ هَذَا الْمَكَانِ؟ قَالُوا:
النَّهْرَوَانُ، قَالَ: كَذَبْتُمْ إِنَّهُ لَفِيهِمْ، فَثَوَّرْنَا [7] الْقَتْلَى فَلَمْ نَجِدْهُ، فَعُدْنَا إِلَيْهِ فَقُلْنَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا نَجِدُهُ، قَالَ: وَيْلَكُمْ مَا اسْمُ هَذَا الْمَكَانِ؟ قَالُوا: النَّهْرَوَانُ. قَالَ: صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَكَذَبْتُمْ إِنَّهُ لَفِيهِمْ فَالْتَمِسُوهُ، فَالْتَمَسْنَاهُ فِي سَاقِيَةٍ، فَوَجَدْنَاهُ فَجِئْنَا بِهِ، فَنَظَرْتُ إِلَى عَضُدِهِ لَيْسَ فِيهَا عَظْمٌ، وَعَلَيْهَا حَلَمَةٌ كَحَلَمَةِ ثدي المرأة، عليها شعرات طوال عقف.
قَالَ علماء السير [1] : ثم قام علي رضي الله عنه فحمد الله وأثنى عليه، ثم قَالَ: إن الله عز وجل قد [أحسن بكم [2] ، و] أعز نصركم، فتوجهوا من فوركم هذا إلى عدوكم، فقالوا: يا أمير المؤمنين، نفدت نبالنا، وكلت سيوفنا، فارجع إلى مصرنا، واستعد بأحسن عدتنا. فأقبل حتى نزل النخيلة، فأمر الناس أن يلزموا عسكرهم، ويوطنوا على الجهاد أنفسهم، وأن يقلوا زيارة أبنائهم ونسائهم حتى يسيروا إلى عدوهم، فأقاموا أياما ثم تسللوا فدخلوا إلا قليلا منهم، فلما رأى ذلك دخل الكوفة وانكسر رأيه فِي المسير. وقد ذهب قوم إلى أن هذه الوقعة بالخوارج كانت فِي سنة ثمان وثلاثين.
وفِي هذه السنة، أعني سنة سبع وثلاثين حج بالناس [3] عبيد الله بن عباس، وكان عامل علي على اليمن ومخاليفها، وكان عامله على مكة [والطائف] [4] قثم بن العباس، وعلى المدينة سهل بن حنيف، وقيل:
كان عليها تمام بن العباس. وكان على البصرة عَبْد اللَّهِ بن العباس، وعلى قضائها أبو الأسود الدؤلي، وعلى مصر مُحَمَّد بن أبي بكر. ولما شخص علي إلى صفين استخلف على الكوفة أبا مسعود الأنصاري، وعلى خراسان خليد بن قرة اليربوعي.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید