المنشورات

قصة ذات النحيين:

فَأَنْبَأَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد بن عبد الله الْحَبَّالِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الإِشْبِيلِيُّ، وَأَبُو الْحَسَنِ الْحُصَيْبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَبُو عَلِيٍّ مُحَسِّنُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْكِرَامِ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْمِنْقَرِيُّ الْبَصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفِيفُ بْنُ سَالِمٍ الْمَوْصِلِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ وَاقِدٍ، قَالَ: قَالَ خَوَّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ: كُنْتُ صَاحِبَ ذَاتِ النِّحْيَيْنِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ- وَالنِّحْيُ الزِّقُّ الصَّغِيرُ- وَإِنِّي أتيت سوق عكاظ فإذا أنا بِجَارِيَةٍ مَعَهَا نِحْيَانِ مِنْ سَمْنٍ كَأَنَّهَا فَلْقَةُ قَمَرٍ، فَقُلْتُ لَهَا: مَنْ أَنْتِ؟ قَالَتْ:
أَنَا سلمى بنت يعار الْخَثْعَمِيَّةِ، فَقُلْتُ: لَعَلَّ سَمْنَكَ هَذَا مَشُوبًا؟ فَقَالَتْ: سبحان الله، 69/ أأو تشيب الْحُرَّةُ؟ فَقُلْتُ لَهَا: انْزِلِي إِلَى/ بَطْنِ الْوَادِي لأَذُوقَ سَمْنَكِ، فَنَزَلَتْ فَأَخَذْتُ إِحْدَى النِّحْيَيْنِ فَذُقْتُهُ، ثُمَّ قُلْتُ لَهَا: مَا هَذَا بِمَشُوبٍ، ثُمَّ دَفَعْتُهُ إِلَيْهَا فِي يَدِهَا مَفْتُوحًا، ثُمَّ أَخَذْتُ الآخَرَ فَذُقْتُهُ ثُمَّ دَفَعْتُهُ إِلَيْهَا فِي يَدِهَا الْيُسْرَى، ثُمَّ شَدَدْتُ عَلَيْهَا فَقَضَيْتُ مِنْهَا حَاجَتِي، وَكَرِهَتْ أَنْ تُرْسِلَهُ، وَكَانَ قُوتَ أَهْلِهَا، فَذَهَبَتْ مَثَلا: «أَشْغَلُ مِنْ ذَاتِ النِّحْيَيْنِ» ثُمَّ أَسْلَمْتُ وَهَاجَرْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنَمَا أَنَا فِي بَعْضِ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ إِذَا أَنَا بِبَغِيٍّ مِنْ بَغَايَا الْجَاهِلِيَّةِ قَدْ كَانَتْ لي خلا فحجبني إسلامي عنها، ودعتني نفسي إليها، فَلَمْ أَزَلْ أَلْتَفِتُ إِلَيْهَا حَتَّى تَلَقَّانِي جِدَارُ بَنِي جَذْرَةَ، فَسَالَتِ الدِّمَاءُ وَهُشِّمَ وَجْهِي، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ، فَقَالَ: «مَهِيمٌ» فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: «فَلا تَعُدْ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَجَّلَ لَهُ عُقُوبَتَهُ فِي الدُّنْيَا» .
ثُمَّ مَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ لَيَالٍ وَأَنَا جَالِسٌ مَعَ نِسْوَانٍ مِنْ نِسْوَانِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ تُنَاشِدْنَنِي وَتُضَاحِكْنَنِي وَتُمَازِحْنَنِي، قَالَ: فَعَلِمْتُ أَنَّهُ قَدْ رَآنِي، قَالَ: فَمَضَى ولم يقل شَيْئًا، فَلَمَّا أَنْ كَانَ مِنَ الْغَدِ غَدَوْتُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: «يَا خَوَّاتُ أَمَا آنَ لِذَلِكَ الْبَعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ شُرُودِهِ» قَالَ: قُلْتُ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا شَرَدَ مُنْذُ أَسْلَمْتُ، قَالَ: «صَدَقْتَ وَلَكِنْ لا تَعُدْ إِلَى ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فَإِنَّهُ مَجْلِسُ الشَّيْطَانِ» . [قَالَ مؤلف الكتاب رحمه الله] [1] : قد فسر هذا الحديث أبو عبيدة الهروي وقَالَ:
عرض لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقصته مع ذات النحيين. قَالَ: وأراد بقوله: «شروده» أنه لما فعل ذلك شرد فِي الأرض خوفا، وليس هذا بشيء، فإنه ما كان ليعيره بشيء كان فِي الجاهلية، وإنما لامه على مجالسته النسوان بعد الإسلام. وقد روى ذلك لنا فِي حديث أبين من هذا.
أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْنِ النَّقُّورِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَسَدِيُّ، قَالَ: / حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ 69/ ب يَحْيَى بْنِ الْحَارِثِ الْبَصْرِيُّ، قالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ يُحَدِّثُ أَنَّ خَوَّاتَ بْنَ جُبَيْرٍ، قَالَ: [2] نَزَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ الظَّهْرَانِ [3] ، فَخَرَجْتُ مِنْ خِبَائِي، فَإِذَا [أَنَا] [4] بِنِسْوَةٍ يَتَحَدَّثْنِ فَأَعْجَبْنَنِي فَرَجَعْتُ، فَاسْتَخْرَجْتُ حُلَّةً لِي مِنْ عَيْبَتِي فَلَبِسْتُهَا، ثُمَّ جَلَسْتُ إِلَيْهِنَّ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قُبَّتِهِ، فَقَالَ لِي: «يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا يُجْلِسُكَ إِلَيْهِنَّ» ؟ قَالَ: فَهِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جَمَلٌ لِي شَرُودٌ أَبْتَغِي لَهُ قَيْدًا قَالَ: فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَبِعْتُهُ، فَأَلْقَى إِلَيَّ رِدَاءَهُ وَدَخَلَ الأَرَاكَ [5] فَقَضَى حَاجَتَهُ وَتَوَضَّأَ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: «أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، مَا فَعَلَ شِرَادُ جَمَلِكَ؟» قَالَ: فَتَعَجَّلْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَاجْتَنَبْتُ الْمَسْجِدَ وَمُجَالَسَةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما طَالَ ذَلِكَ عَلَيَّ تَحَيَّنْتُ سَاعَةَ خَلْوَةٍ لِلْمَسْجِدِ فَجَعَلْتُ أُصَلِّي، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَعْضِ حُجَرِهِ فَجَاءَ فصلى ركعتين خفيفتين ثم جلس،وَطَوَّلْتُ رَجَاءَ أَنْ يَذْهَبَ وَيَدَعَنِي، فَقَالَ: «طَوِّلْ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا شِئْتَ، فَلَسْتُ بِنَازِحٍ حَتَّى تَنْصَرِفَ» فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لأَعْتَذِرَنَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلأُبَرِئَنَّ صَدْرَهُ. قَالَ:
فَانْصَرَفْتُ، فَقُلْتُ: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: «أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا فَعَلَ شِرَادُ الْجَمَلِ؟» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا شَرَدَ ذَلِكَ الْجَمَلُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ، فَقَالَ: «رَحِمَكَ اللَّهُ» مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا، ثُمَّ أَمْسَكَ عَنِّي فَلَمْ يَعُدْ. توفي خوات بن جبير بالمدينة فِي هَذِهِ السنة وَهُوَ ابْن أربع وسبعين سنة، وكان ربعة من الرجال.






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید