المنشورات

المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن معتب بن مالك، أبو عَبْد اللَّهِ

كان أصهب الشعر جعدا، أقلص الشفتين، ضخم الهامة، أهتم، عبل الذراعين، بعيد ما بين المنكبين.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري، قال: أخبرنا أبو عمر بْن حيويه، قَالَ: أخبرنا أحمد بن معروف، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّقَفِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عِيسَى، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْلَى، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِيهِ، وَغَيْرُهُمْ، قَالُوا: قَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ:
كُنَّا قَوْمًا مِنَ الْعَرَبِ مُتَمَسِّكِينَ بِدِينِنَا، وَنَحْنُ سَدَنَةُ اللاتِ، فَأَجْمَعَ نَفَرٌ مِنْ بَنِي مَالِكٍ الْوُفُودَ عَلَى الْمُقَوْقِسِ [1] وَأَهْدَوْا لَهُ هَدَايَا، فَأَجْمَعْنَا الْخُرُوجَ مَعَهُمْ فَاسْتَشَرْتُ عَمِّي عُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ فَنَهَانِي وَقَالَ: لَيْسَ مَعَكَ مِنْ بَنِي أَبِيكَ أَحَدٌ، فَأَبَيْتُ إِلَّا الْخُرُوجَ مَعَهُمْ وَلَيْسَ مَعَهُمْ أَحَدٌ مِنَ الأَحْلافِ غَيْرِي حَتَّى دَخَلْنَا الإِسْكَنْدَرِيَّةَ، فَإِذَا الْمُقَوْقِسُ فِي مَجْلِسٍ مُطِلٍّ عَلَى الْبَحْرِ، فَرَكِبْتُ زَوْرَقًا حَتَّى حَاذَيْتُ مَجْلِسَهُ، فَنَظَرَ إِلَيَّ فَأَنْكَرَنِي وَأَمَرَ مَنْ يَسْأَلُنِي مَنْ أَنَا وَمَا أُرِيدُ فَسَأَلَنِي الْمَأْمُورُ فَأَخْبَرْتُهُ بِأَمْرِنَا وَقُدُومِنَا عَلَيْهِ، فَأَمَرَنَا أَنْ نَنْزِلَ فِي الْكَنِيسَةِ، وَأَجْرَى عَلَيْنَا ضِيَافَةً ثُمَّ دَعَانَا فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، فَنَظَرَ إِلَى رَأْسِ بَنِي مَالِكٍ، فَأْدَنَاهُ إِلَيْهِ فَأَجْلَسَهُ مَعَهُ ثُمَّ سَأَلَهُ: أَكُلُّ الْقَوْمِ مِنْ بَنِي مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ إِلا رجلا واحدا من 96/ أالأحلاف فَعَرَّفَهُ إِيَّايَ، فَكُنْتُ أَهْوَنَ الْقَوْمِ/ عَلَيْهِ، وَوَضَعُوا هَدَايَاهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَسُرَّ بِهَا وَأَمَرَ بِقَبْضِهَا، وَأَمَرَ لَهُمْ بِجَوَائِزَ وَفَضَّلَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَقَصَّرَ بِي وَأَعْطَانِي شَيْئًا قَلِيلا لا ذكر لَهُ، وَخَرَجْنَا وَأَقْبَلَتْ بَنُو مَالِكٍ يَشْتَرُونَ لأَهْلِيهِمْ وَهُمْ مَسْرُورُونَ، وَلَمْ يَعْرِضْ عَلَيَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ مُوَاسَاةً، وَخَرَجُوا وَحَمَلُوا مَعَهُمُ الْخَمْرَ، فَكَانُوا يَشْرَبُونَ وَأَشْرَبُ مَعَهُمْ. وَتَأْبَى نَفْسِي أَنْ يَنْصَرِفُوا إِلَى الطَّائِفِ بِمَا أَصَابُوا وَمَا حَبَاهُمُ [الْمَلِكُ] [2] ، وَيُخْبِرُونَ قَوْمِي بِتَقْصِيرِهِ بِي وَازْدِرَائِهِ إِيَّايَ، فَأَجْمَعْتُ عَلَى قَتْلِهِمْ، فَلَمَّا كُنَّا بِبُسَاقَ تَمَارَضْتُ وَعَصَبْتُ رَأْسِي، فَقَالُوا لِي: مَالَكَ؟ قُلْتُ: أُصْدَعُ، فَوَضَعُوا شَرَابَهُمْ وَدَعَوْنِي، فَقُلْتُ رَأْسِي يُصْدِعُ، وَلَكِنِّي أَجْلِسُ فَأَسْقِيكُمْ، فَلَمْ يُنْكِرُوا شَيْئًا، فَجَعَلْتُ أَسْقِيهِمْ وَأَشْرَبُ الْقَدَحَ بَعْدَ الْقَدَحِ، فَلَمَّا دَبَّتِ الْكَأْسُ فِيهِمُ اشْتَهْوُا الشَّرَابَ، فَجَعَلْتُ أَصْرِفُ لَهُمْ وَأَتْرَعُ الْكَأْسَ فَيَشْرَبُونَ وَلا يَدْرُونَ، فَأَهْمَدَتْهُمُ الْكَأْسُ حَتَّى نَامُوا مَا يعقلون، فوثبت إليهم فقتلتهم
جَمِيعًا وَأَخَذْتُ جَمِيعَ مَا كَانَ مَعَهُمْ، فَقَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَجِدُهُ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ مَعَ أَصْحَابِهِ، وَعَلَيَّ ثِيَابُ سَفَرِي، فَسَلَّمْتُ بِسَلامِ الإِسْلامِ، فَنَظَرَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ- وَكَانَ بِي عَارِفًا- فَقَالَ: ابْنُ أَخِي عُرْوَةَ، قُلْتُ: نَعَمْ، جِئْتُ أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَمْدُ للَّه الَّذِي هَدَاكَ لِلإِسْلامِ» ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمِنْ مِصْرَ أَقْبَلْتُمْ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا فَعَلَ الْمَالِكِيُّونَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَكَ؟
قُلْتُ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ بَعْضُ مَا يَكُونُ بَيْنَ الْعَرَبِ وَنَحْنُ عَلَى دِينِ الشِّرْكِ فَقَتَلْتُهُمْ وَأَخَذْتُ أَسْلابَهُمْ، وَجِئْتُ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَخْمِسَهَا أَوْ يَرَى فِيهَا رَأْيَهُ، فَإِنَّمَا هِيَ غَنِيمَةٌ مِنْ مُشْرِكِينَ وَأَنَا مُسْلِمٌ مُصَدِّقٌ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أما إسلامك فنقبله/ ولا 96/ ب آخُذُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ شَيْئًا وَلا أُخْمِسُهُ لأَنَّ هَذَا غَدْرٌ، وَالْغَدْرُ لا خَيْرَ فِيهِ» . قَالَ: فَأَخَذَنِي مَا قَرَّبَ وَمَا بَعَّدَ، وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا قَتَلْتُهُمْ وَأَنا عَلى دِينِ قَوْمِي ثُمَّ أَسْلَمْتُ حَيْثُ دَخَلْتُ عَلَيْكَ السَّاعَةَ قَالَ: فَإِنَّ الإِسْلامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ. قَالَ: وكان قد قتل منهم [1] ثلاثة عشر إنسانا، فبلغ ذلك ثقيفا فتداعوا للقتال ثم اصطلحوا على أن يحمل عني عروة بن مسعود ثلاث عشرة دية.
قَالَ المغيرة: وأقمت مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى اعتمر عمرة الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقِعْدَةِ سَنَةَ سِتٍّ مِنَ الهجرة- وكانت أول سفرة خرجت معه فيها، وكنت أكون مع أبي بكر الصديق وألزم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيمن يلزمه.
وبعثت قريش عام الحديبية عروة بن مسعود إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليكلمه، فأتاه فكلمه وجعل يمس لحية رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمغيرة بن شعبة قائم على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقنع فِي الحديد. فقَالَ لعروة وهو يمس لحية رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كف يدك قبل أن لا تصل إليك، فقَالَ عروة: من هذا يا مُحَمَّد، ما أفظه وأغلظه؟ قَالَ: هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة، فقَالَ عروة: يا غدر ما غسلت عني سوأتك بالأمس. وانصرف عروة إلى قريش فأخبرهم بما كلم به رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وشهد المغيرة بعد ذلك المشاهد مع رسول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان يحمل وضوء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، ولما توفي رسول الله بعثه أبو بكر الصديق إلى أهل البحرين، ثم شهد اليمامة،ثُمَّ شهد فتوح الشام مع المسلمين، ثم شهد اليرموك وأصيبت عينه يومئذ، ثم شهد القادسية، وكان رسول سعد إلى رستم، وولي لعمر فتوحا وولي له البصرة نحوا من سنتين، ففتح بيسان وغيرها، وفتح سوق الأهواز، وغزا نهر تيري، وفتح 97/ أهمدان/ وشهد نهاوند. وكان عمر قد كتب: إن هلك النعمان فالأمير حذيفة، وإن هلك حذيفة فالأمير المغيرة.
وكان المغيرة أول من وضع ديوان البصرة وجمع الناس ليعطوا عليه، وولي الكوفة لعمر بن الخطاب، فقتل عمر وهو عليها، ثم وليها بعد ذلك لمعاوية، فابتنى بها دارا ومات بها وهو وال عليها.
وَبِالإِسْنَادِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ الْعِجْلِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ [1] :
إِنَّ الْمُغِيرَةَ أَحْصَنَ مِائَةَ امْرَأَةٍ مَا بَيْنَ قُرَشِيَّةٍ وَثَقَفِيَّةٍ.
وأَخْبَرَنَا القزاز، قَالَ: أخبرنا أحمد بن على بن ثابت، قال: أَخْبَرَنَا الحسين بن أبي بَكْر، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عَبْد اللَّهِ الشافعي، قَالَ: سمعت إبراهيم الحربي يقول:
توفي المغيرة بن شعبة سنة خمسين وهو ابن سبعين سنة.
وتوفي سنة خمسين.
وقيل: سنة تسع وأربعين.
وكذلك قَالَ خليفة بن خياط، وأبو حسان الزنادي.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید