المنشورات

مقتل حجر بن عدي

وسببه: أن معاوية بن أبي سفيان لما ولى المغيرة بن شعبة الكوفة فقَالَ له: قد أردت أن أوصيك بأشياء كثيرة، فأنا تاركها اعتمادا على بصرك بما يرضيني ويسندد سلطاني [3] ، فأقام المغيرة على الكوفة عاملا لمعاوية سبع سنين وأشهرا وهو حسن السيرة، إلا أنه لم يدع الدعاء لعثمان والوقيعة فِي علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [4] ، وكان حجر بن عدي إذا سمع ذلك قَالَ: أنا أشهد أن من تعيبون لأحق بالفضل وأن من تزكون لأولى بالذم، فيقول له المغيرة: ويحك اتق غضب السلطان وسطوته، فقام المغيرة/ يوما 97/ ب فأثنى على عثمان، فصاح به حجر: إنك قد حبست أرزاقنا وأصبحت مولعا بتقريظ المجرمين، وقام معه أكثر من ثلاثين يقولون: صدق حجر، فمر لنا بأعطياتنا، فنزل المغيرة ودخل عليه قومه فقالوا: علام تترك هذا الرجل يجترئ فِي سلطانك، ولو بلغ معاوية كان أسخط له عليك، فقَالَ لهم المغيرة: إني قد قتلته، إنه سيأتي أمير بعدي فيحسبه مثلي فيصنع به شبيها بما ترونه يصنع بي، فيأخذه عند أول وهلة فيقتله شر قتلة،إنه قد اقترب أجلي، ولا أحب أن أبتدئ أهل هذا المصر بقتل خيارهم، فيسعدوا بذلك وأشقى، ويعز فِي الدنيا معاوية ويذل يوم القيامة المغيرة، ولكني قابل من محسنهم، وعاف عن مسيئهم، وواعظ شقيهم حتى يفرق بيني وبينهم الموت، وسيذكروني، ولو قد جربوا العمال بعدي [1] .
فلما هلك المغيرة وولي زياد بن أبي سفيان قام فذكر عثمان وأصحابه فقرظهم وذكر قتلتهم ولعنهم، فقام حجر ففعل مثل الذي كان يفعل بالمغيرة، فقَالَ: ويل أمك يا حجر، «سقط بك العشاء على سرحان» [2] .
وفِي رواية أخرى: أن زيادا خطب فأطال الخطبة وأخر الصلاة، فقَالَ له حجر بن عدي: الصلاة فمضى فِي خطبته، ثم قَالَ: الصلاة، فلما خشي الفوت ضرب بيده إلى كف من الحصا، وثار إلى الصلاة، وثار الناس معه، فنزل زياد فصلى بالناس، ثم كتب إلى معاوية فِي أمره، فاستشهد عليه جماعة من أهل مصره، منهم أبو بردة بن أبي مُوسَى أنه خلع الطاعة ودعا إلى الفتنة.
فكتب إليه معاوية أن شده فِي الحديد ثم احمله إلي فبعثه إليه مع جماعة ممن يرى رأيه، فاستوهب بعضهم وبقي بعضهم، فقيل لهم تبرءوا من علي حتى يطلقكم، فلم يفعلوا.
فلما دخل حجر على معاوية قَالَ: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقَالَ له معاوية: لا والله لا أقيلك ولا أستقيلك، أخرجوه فاضربوا عنقه، فأخرج، فقال: دعوني 98/ أأصلي ركعتين، فصلاهما، ثم قَالَ لمن/ حضره من أهله: لا تطلقوا عني حديدا، ولا تغسلوا عني دما، فإنّي ألاقي معاوية غدا على الجادة. ثم قدم فضربت عنقه، وقتل معه جماعة من أصحابه ممن يرى رأيه.
ولما لقيت عائشة أم المؤمنين معاوية قالت [3] : يا معاوية، أين كان حلمك عن حجر، فقَالَ لها: يا أم المؤمنين، لم يحضرني رشيد.
قَالَ ابن سيرين [1] : فبلغنا أنه لما حضرته الوفاة جعل يغرغر بالموت ويقول: يومي منك يا حجر يوم طويل.
وَرَوَى أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ [2] قَالَ: قَالَ أَبُو مِخْنَفٍ عن الصعقب بْنِ زُهَيْرٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: أَرْبَعُ خِصَالٍ كن فِي مُعَاوِيَةَ، لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِنْهُنَّ إِلا وَاحِدَةً لَكَانَتْ مُوبِقَةً:
ابْتَزَّ هَذِهِ الأُمَّةَ أَمْرَهَا بِغَيْرِ مَشُورَةٍ مِنْهُمْ وَفِيهِمْ بَقَايَا مِنَ الصَّحَابَةِ وَذَوِي الْفَضْلِ. وَاسْتَخْلَفَ ابْنَهُ بَعْدَهُ سِكِّيرًا جِهِّيرًا، يَلْبَسُ [3] الْحَرِيرَ وَيَضْرِبُ بِالطَّنَابِيرِ، وَادَّعَى زِيَادًا وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» ، وَقَتَلَ حُجْرًا فَيَا وَيْلا لَهُ مِنْ حُجْرٍ وَأَصْحَابِهِ.






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید