المنشورات

جبلة بن الأيهم:

كان ملك غسان، فكتب إليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعوه إلى الإسلام، فأسلم وكتب بإسلامه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهدى له هدية، ثم لم يزل مسلما حتى كان فِي زمان عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فوطئ رجل من مزينة [2] ، فوثب المزني فلطمه، وكان ذلك بدمشق، فأخذ الرجل فانطلق به إلى أبي عبيدة بن الجراح، فقالوا: هذا لطم جبلة بن الأيهم، قَالَ: فليلطمه، قالوا: وما يقتل؟ قَالَ: لا، قالوا: فما تقطع يده؟ قَالَ: لا، إنما أمر الله عز وجل بالقود، قَالَ جبلة: أترون أني جاعل وجهي ندا لوجه جدر جاء من عمق- يعني 103/ ب موضعا فِي ناحية المدينة- بئس الدين هذا. ثم ارتد نصرانيا، وترحل/ بقومه حتى دخل أرض الروم، فبلغ ذلك عمر فشق ذلك عليه.
وروي لنا خبره على غير هذا الوجه، وأنه أسلم فِي زمن عمر. قَالَ أبو عمرو الشيباني: كتب جبلة إلى عمر بن الخطاب يستأذنه فِي القدوم عليه، فأذن له عمر، فخرج إليه في خمسمائة من بنيه حتى إذا كان على مرحلتين كتب إلى عمر يعلمه بذلك، فسر عمر وبعث إليه بإنزال، وأمر جبلة مائتي رجل من أصحابه فلبسوا الديباج والحرير، وركبوا الخيل معقودة أذنابها وألبسوها قلائد الذهب والفضة، ولبس جبلة تاجه وفيه قرط مارية، وهي جدته، ودخل المدينة فلم يبق بها بكر ولا عانس إلا خرجت تنظر إليه وإلى زيه، فلما انتهى إلى عمر رحب به وألطفه وأدنى مجلسه، ثم خرج عمر إلى الحج، فحج معه جبلة، فبينما هو يطوف بالبيت وطئ إزاره رجل من بني فزارة فانحل، فرفع جبلة يده فهشم أنفه، فاستعدى عليه عمر، فبعث إلى جبلة، فقَالَ له: ما هذا؟ قَالَ: نعم يا أمير المؤمنين، إنه تعمد حل إزاري ولولا حرمة الكعبة لضربت بين عينيه بالسيف، فقَالَ له عمر: قد أقررت، فإما أن ترضي الرجل وأما أن أقيد منك، قَالَ جبلة: تصنع بي ماذا؟
قَالَ: آمر بهشم أنفك كما فعلت، قَالَ، كيف ذلك وهو سوقة وأنا ملك؟ قَالَ: إن الإسلام جمعك وإياه، فلست تفضله إلا بالتقى، قَالَ جبلة: قد ضننت أني أكون فِي الإسلام أعز مني فِي الجاهلية، قَالَ عمر: دع ذا عنك [فإنك إن لم ترض الرجل] اقتدته منك، قَالَ: إذا أتنصر، قَالَ: إن تنصرت ضربت عنقك لأنك قد أسلمت فإن ارتددت قتلتك.
فلما رأى الجد من عمر قال: أنا ناظر في هذه ليلتي هذه، وقد اجتمع بباب عمر من حي هذا وحي هذا خلق كثير حتى كادت تكون بينهم فتنة، فلما أمسوا أذن له عمر فِي الانصراف حتى إذا نام الناس تحمل بخيله ورواحله إلى الشام فأصبحت مكة بلاقع منهم، فلما أتى الشام تحمل في خمسمائة رجل من قومه حتى أتى القسطنطينية فدخل إلى هرقل فتنصر هو وقومه، فسر بذلك وظن أنه/ فتح من الفتوح، وأجرى عليه ما شاء 104/ أوجعله من سماره.
[وذكر [1] ابن الكلبي أن الفزاري لما وطئ إزار جبلة، فلطمه جبلة، فلطم جبلة كما لطمه، فوثب عليه غسان فهشموا أنفه وأتوا به عمر، وذكر فِي الحديث مثل ما تقدم.
أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْنُ نَاصِرٍ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْقَادِرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ حَيُّوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ مُوسَى بْنِ هَارُونَ، حَدَّثَنَا أَحْمَد بْنُ يزك، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
ذَكَرُوا أَنُّه لَمَّا أَسْلَمَ جَبَلَةُ بْنُ الأَيْهَمِ الْغَسَّانِيُّ، وَكَانَ مِنْ مُلُوكِ جَفْنَةَ، وَذَلِكَ فِي خِلافَةِ عُمَرَ، وَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بِإِسْلامِهِ، وَيَسْتَأْذِنُهُ فِي الْقُدُومِ عَلَيْهِ، فَسُرَّ عُمَرُ بِذَلِكَ وَأَذِنَ لَهُ فِي الْقُدُومِ، فَخَرَجَ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ حَتَّى إِذَا قَارَبَ الْمَدِينَةَ عَمَدَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَحَمَلَهُمْ عَلَى الْخَيْلِ وَقَلَّدَهَا قَلائِدَ الْفِضَّةِ، وَأَلْبَسَهُمُ الدِّيبَاجَ وَالْحَرِيرَ، وَلَبِسَ تَاجَهُ وَفِيهِ قُرْطُ مَارِيَةَ جَدِّتِهِ، وَبَلَغَ عُمَرَ، فَبَعَثَ إليه بالنزل لك، ثُمَّ دَخَلَ الْمَدِينَةِ فِي هَيْئَتِهِ، فَلَمْ تَبْقَ بِكْرٌ وَلا عَانِسٌ إِلا خَرَجَتْ تَنْظُرُ، فَدَخَلَ على عمر فرحب به، ثم أقام أَيَّامًا، وَأَرَادَ عُمَرُ الْحَجَّ، فَخَرَجَ مَعَهُ، وَكَانَ النَّاسُ يَتَعَجَّبُونَ مِنْ هَيْئَتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَطِئَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ إِزَارَهُ مِنْ خَلْفِهِ فَانْحَلَّ، فَرَفَعَ يَدَهُ فَهَشَّمَ أَنْفَ الْفَزَارِيِّ، فَمَضَى يَسْتَعْدِي عُمَرَ عَلَيْهِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ، فَأَتَى فَقَالَ: هَشَّمْتَ أَنْفَ الرَّجُلِ؟ قَالَ: نَعَمْ، اعْتَمَدَ حَلَّ إِزَارِي، وَلَوْلا حُرْمَةُ الْكَعْبَةِ لَضَرَبْتُ بِالسَّيْفِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَقَالَ عُمَرُ: أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ أَقْرَرْتَ، فَإِمَّا أَنْ تُرْضِيَ الرَّجُلَ وَإِلا أَقَدْتُهُ مِنْكَ، قَالَ: أَوَ خَطَر هُوَ لِي؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: كَيْفَ وَأَنَا مَلِكٌ وَهُوَ سُوقَةٌ؟ قَالَ عُمَرُ: الإِسْلامُ جَمَعَكُمَا، قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ ظَنَنْتُ أَنِّي أَكُون فِي الإِسْلامِ أَعَزَّ مني في الجاهلية، قال عمر: هُوَ مَا تَرَى، فَقَالَ: إِذِنْ أَتَنَصَّرُ، قَالَ:
إِنْ فَعَلْتَ قَتَلْتُكَ. وَاجْتَمَعَ مِنْ حَيِّ الْفَزَارِيِّ وَحَيِّ جَبَلَةَ عَلَى بَابِ عُمَرَ خَلْقٌ كَثِيرٌ، فَقَالَ:
أنا أَنْظُرُ فِي هَذَا الأَمْرِ لَيْلَتِي هَذِهِ. فَانْصَرَفَ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَلَمَّا ادْلَهَمَّ اللَّيْلُ تحمل بأصحابه إلى الشام في خمسمائة حَتَّى دَخَلَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ فِي زَمَنِ هِرْقِلَ] [1] فَتَنَصَّرَ وَقَوْمُهُ فَأَقْطَعَهُ هِرْقِلُ مَا شَاءَ، وَأَجْرَى عَلَيْهِ مَا شَاءَ وَجَعَلَهُ مِنْ سُمَّارِهِ.
فَمَكَثَ دَهْرًا ثُمَّ كَتَبَ عُمَرُ إِلَى هِرْقِلَ كِتَابًا وَبَعَثَهُ مَعَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَأَجَابَ هِرْقِلُ بِمَا أَرَادَ عُمَرُ، ثُمَّ قَالَ للرَّجُلِ: هَلْ لَقِيتَ ابْنَ عَمِّكَ جَبَلَةَ؟ قَالَ: لا، قَالَ: فَالْقِهِ قَالَ: فَأَتَيْتُهُ، فَمَا أَخَالَنِي رَأَيْتُ ثِيَابَ هِرْقِلَ مِنَ السُّرُورِ وَالْبَهْجَةِ مَا رَأَيْتُ مِنْ ثِيَابِ جَبَلَةَ، فَاسْتَأْذَنْتُ، فَأَذِنَ وَقَامَ وَرَحَّبَ بِي عَانَقَنِي وَعَاتَبَنِي فِي تَرْكِ النُّزُولِ عَلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ في بهو عظيم من التماثيل والهول مالا أُحْسِنُ أَصِفُهُ وَهُوَ عَلَى سَرِيرٍ مِنْ ذَهَبٍ، لَهُ أَرْبَعُ قَوَائِمَ رَأْسُهُ مِنْ ذَهَبٍ، وَإِذَا هُوَ رَجُلٌ أَصْهَبُ ذُو سِبَالٍ، وَإِذَا هُوَ قَدْ أَمَرَ بِالذَّهَبِ الأَحْمَرِ فَسُحِلَ فَذُرَّ فِي لِحْيَتِهِ، وَاسْتَقْبَلَ عَيْنَ الشَّمْسِ ثُمَّ أَجْلَسَنِي عَلَى كُرْسِيٍّ مِنْ ذَهَبٍ، فَلَمَّا تَبَيَّنْتُهُ انْحَدَرْتُ عَنْهُ وَقُلْتُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ هَذَا، وَسَأَلَنِي عَنِ النَّاسِ وَأَلْحَفَ فِي السُّؤَالِ عَنْ عُمَرَ، ثُمَّ عَرَفْتُ الْحُزْنَ فِيهِ، فَقُلْتُ: مَا يَمْنَعُكَ مِنَ الرُّجُوعِ إِلَى قَوْمِكَ وَالإِسْلامِ؟ قَالَ:
بَعْدَ الَّذِي كَانَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَدْ كَانَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ ارْتَدَّ وَضَرَبَهُمْ بِالسُّيُوفِ وَمَنَعَهُمُ الزَّكَاةَ ثُمَّ دَخَلَ فِي الإِسْلامِ، وَزَوَّجَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ أُخْتَهُ، فَقَالَ: دَعْ هَذَا عَنْكَ، ثُمَّ أَوْمَأَ إِلَى وَصِيفٍ قَائِمٍ عَلَى رَأْسِهِ فَوَلَّى، فَمَا شَعَرْنَا إِلا بِالصَّنَادِيقِ يَحْمِلُهَا الرِّجَالُ، فَوُضِعَتْ أَمَامَنَا مَائِدَةً مِنْ ذَهَبٍ فَاسْتَعْفَيْتُ مِنْهَا، فَأَتَى بِمَائِدَةِ خَلَنْجَ، فوضعت أمامي وَسعي عَلَيْنَا مِنْ كُلِّ حَارٍّ وَبَارِدٍ فِي صِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، وَدَارَتْ عَلَيْنَا الْخَمْرُ فَاسْتَعْفَيْتُ مِنْهَا، ثُمَّ أُتِيَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَبْرِيقٍ مِنْ ذَهَبٍ. ثُمَّ أَوْمَأَ إِلَى وَصِيفٍ لَهُ فَمَا كَانَ إِلا هُنَيْهَةً حَتَّى أَقْبَلَتْ عَشْرُ جَوَارٍ، فَقَعَدَ خَمْسٌ عَنْ يَمِينِهِ وَخَمْسٌ عن يساره/ على 104/ ب كَرَاسِيِّ الْعَاجِ، وَإِذَا عَشْرٌ أُخَرُ أَحْسَنُ مِنَ الأُوَّلِ، فَقَعَدَ خَمْسٌ عَنْ يَمِينِهِ وَخَمْسٌ عَنْ يَسَارِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَتْ جَارِيَةٌ [مِنْ أَحْسَن مَا تَكُونُ مِنَ الْجَوَارِي] بِطَائِرٍ أَبْيَضَ، وَفِي يَدِهَا الْيُمْنَى جَامٌ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ مِسْكٌ وَعَنْبَرٌ سَحِيقَانِ، وَفِي يَدِهَا الْيُسْرَى جَامٌ مِنْ فِضَّةٍ فِيهِ [مَاءُ وَرْدٍ] مَا لَمْ أَشُمَّ مِثْلَهُ، فَنَقَرَتِ الطَّائِرَ فَوَقَعَ فِي الْجَامِ فَتَقَلَّبَ فِيهِ ثُمَّ فِي الْجَامِ الآخَرِ فَتَقَلَّبَ فِيهِ، ثُمَّ سَقَطَ عَلَى صَلِيبٍ فِي تَاجِ جَبَلَةَ، ثُمَّ حَرَّكَ جَنَاحَيْهِ فَنَثَرَ ذَلِكَ عَلَى رَأْسِ جَبَلَةَ وَلِحْيَتِهِ، ثُمَّ شَرِبَ جَبَلَةُ خَمْرًا ثُمَّ اسْتَهَلَّ وَاسْتَبْشَرَ، ثُمَّ قَالَ لِلْجَوَارِي: أَطْرِبْنَنِي، فَخَفَقْنَ بِعِيدَانِهِنَّ، فَانْدَفَعْنَ يُغَنِّينَ:
للَّه دَرُّ عِصَابَةٍ نَادَمْتُهُمْ ... يَوْمًا بِجِلقٍ فِي الزَّمَانِ الأَوَّلِ
أَوْلادُ جَفْنَةَ عِنْدَ قَبْرِ أَبِيهِمْ ... قَبْرِ ابْنِ مَارِيَةَ الْكَرِيمِ الْمُفَضَّلِ
بِيضُ الْوُجُوهِ كَرِيمَةٌ أَحْسَابُهُمْ ... شَمُّ الأُنُوفِ مِنَ الطِّرَازِ الأَوَّلِ
يُغْشَوْنَ حَتَّى مَا تَهِرُّ كِلابُهُمْ ... لا يَسْأَلُونَ عَنِ السَّوَادِ الْمُقْبِلِ
فَطَرِبَ، ثُمَّ قَالَ: هَلْ تَعْرِفُ لِمَنْ هَذَا الشِّعْرُ؟ قُلْتُ: لا، قَالَ: قَالَهُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: هُوَ حَيٌّ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، أَمَا إِنَّهُ ضَرِيرٌ كَبِيرٌ.
ثُمَّ قَالَ: أَطْرِبْنَنِي، فَغَنَّيْنَ:
لِمَنِ الدَّارُ أقفرت بمغان ... بين قرع اليرموك والضّمان [1]
ذَاكَ مُغْنٍ لآلِ جَفْنَة فِي الدَّهْرِ ... مَحَاهُ تَعَاقُبُ الأَزْمَانِ
فقَالَ: أَتَعْرِفُ قَائِلَ هَذَا، ذَاكَ حَسَّانُ. ثُمَّ سَكَتَ طَوِيلا ثُمَّ قَالَ: ابْكينَنِي. فَوَضَعْنَ عِيدَانَهُنَّ وَنَكَّسْنَ رُءُوسَهُنَّ وَقُلْنَ:
تَنَصَّرَتِ الأَشْرَافُ مِنْ عَارِ لَطْمَةٍ ... وَمَا كَانَ فِيهَا لَوْ صَبَرَتْ عَلَى ضَرَرْ
تَكَنَّفَنِي فِيهَا لجَاجٌ وَنَخْوَةٌ ... [وبعت بها العين الصحيحة بالعور] [2]

فَيَا لَيْتَ أُمِّي لَمْ تَلِدْنِي وَلَيْتَنِي ... رَجَعْتُ إلى القول الّذي قاله عمر
105/ أوياليتني أَرْعَى الْمَخَاضَ بِقَفْرَةٍ ... وَكُنْتُ أَسِيرًا فِي رَبِيعَةَ أَوْ مُضَرْ
وَيَا لَيْتَ لِي بِالشَّامِ أَدْنَى مَعِيشَةٍ ... أُجَالِسُ قَوْمِي ذَاهِب السَّمْعِ وَالْبَصَرْ
أدِينُ بِمَا دَانَوْا بِهِ مِنْ شَرِيعَةٍ ... وَقَدْ يَصْبِرُ الْعَودُ الْكَبِيرُ عَلَى الدّبرْ
ثُمَّ انْصَرَفَ الْجَوَارِي، وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِهِ يَبْكِي حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى دُمُوعِهِ تَجُولُ كَأَنَّهَا اللُّؤْلُؤُ، وَبَكَيْتُ مَعَهُ ثُمَّ نَشَّفَ دُمُوعَهُ بِكُمِّهِ، وَمَسَحَ وَجْهَهُ وَقَالَ: يا جارية هاتي، فأتته بخمسمائة دِينَارٍ هِرْقِلِيَّةٍ، فَقَالَ: ادْفَعْ هَذِهِ إِلَى حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ وَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلامَ. ثُمَّ قَالَ: هاتي، فأتته بمثلها، فَقَالَ: خُذْهَا صِلَّةً لَكَ، فَأَبَيْتُ وَقُلْتُ: لا أَقْبَلُ صِلَّةَ رَجُلٍ ارْتَدَّ عَنِ الإِسْلامِ، فَقَالَ: أَقْرِئْ عَلَى عُمَرَ وَالْمُسْلِمِينَ السَّلامَ.
فَجِئْتُ إِلَى عُمَرَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: وَرَأَيْتَهُ يَشْرَبُ الْخَمْرَ، فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: أَبْعَدَهُ اللَّهُ، تَعَجَّلَ فَانِيَهُ بِبَاقِيهِ.
وفِي رواية أخرى أن الرسول من حمير اسمه جثامة بن مساحق الكناني.
وروى عَبْد اللَّهِ بن مسعدة الفزاري، قَالَ: وجهني معاوية إلى ملك الروم، فدخلت عليه، فإذا عنده رجل على سرير من ذهب دون مجلس الملك، فقلت: من أنت يا عَبْد اللَّهِ، فقَالَ: أنا رجل غلب علي الشقاء، أنا جبلة بن الأيهم، إذا صرت إلى منزلي فالقني. فلما انصرف إلى منزله أتيته فلقيته على شرابه وعنده قينتان تغنيانه بشعر حسان، فقَالَ لي: ما فعل حسان؟ قلت: شيخ كبير قد عمي، فدعى بألف دينار فدفعها إلي وأمرني أن أدفعها إليه وقَالَ: أترى صاحبك يفِي إن خرجت إليه؟ قلت: قل ما شئت أعرضه عليه، قَالَ: يعطيني الثنية فإنها كانت منازلنا، وعشرين قرية من الغوطة، ويفرض لجماعتنا، ويحسن جوائزنا. قلت: أبلغه. فلما قدمت على معاوية، قَالَ: وددت أنك أجبته إلى ما سأل/ فأجيزه له. وكتب إليه معاوية يعطيه ذلك، فوجده قد مات.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید