المنشورات

زياد بن سمية، وهو الذي يقال له ابن أبيه:

وكان أحمر اللون، فِي عينه اليمنى انكسار.
قَالَ سفيان بن عيينة: أول من ضرب الدنانير والدراهم زياد.
وقَالَ أبو رجاء: عزل معاوية عَبْد اللَّهِ بن عامر عن البصرة وولاها زيادا، قالوا:
فملك العراق خمس سنين.
وكتب إلى معاوية: إني قد ضبطت لك العراق بشمالي وبقيت يميني فارغة فاشغلها بالحجاز، فكتب له عهده، فلما بلغ ذلك أهل الحجاز أبى نفر منهم عَبْد اللَّهِ بن عمر بن الخطاب، فذكروا ذلك له، فقَالَ: ادعوا الله عليه يكفيكموه، فاستقبل القبلة واستقبلوا، ودعا ودعوا، فخرجت طاعونة على إصبعه، فأرسل إلى شريح وكان قاضيه، فقَالَ: قد أمرت بقطعها فأشر علي، فقَالَ شريح: إني أخشى أن تكون الجراح على يدك والألم فِي قلبك، وأن يكون الأجل قد دنا وتلقى الله أجذم وقد قطعت يدك كراهية لقائه، أو أن يكون فِي الأجل تأخير وقد قطعت يدك فتعيش أجذم ويعير/ ولدك، فتركها. وخرج 106/ أ شريح فسألوه فأخبرهم بما أشار عليه، فقالوا: هلا أشرت عليه بقطعها، فقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «المستشار مؤتمن» . ثم عزم زياد على قطعها وقَالَ: أنام والطاعون فِي لحاف، فلما نظر إلى النار والمكاوي جزع، فترك ذلك فحضرته الوفاة، فقَالَ له ابنه: يا أبه [1] ، قد هيأت لك ستين ثوبا أكفنك فيها، فقَالَ: يا بني قد دنا من أبيك لباس خير من لباسه هذا، وسلب سريع، فمات لثلاث خلون من رمضان بالثوير بجانب الكوفة، وكان قد توجه يريد الحجاز واليا عليها، فلما بلغ الخبر ابن عمر، قَالَ: اذهب إليك ابن سمية، لا الدنيا بقيت لك، ولا الآخرة أدركت.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن ناصر، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عَبْد الْجَبَّارِ، أَخْبَرَنَا أبو الحسن أحمد بن عبد الله الأنماطي، أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمَرْوَزِيُّ، قال: أخبرنا الْحَارِثِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الهيثم بن عدي، قال: حدثنا مجالد، عن الشعبي، قَالَ: حَدَّثَنَا عجلان مولى زياد وحاجبه، قَالَ:
كان زياد إذا خرج إلى المسجد مشيت أمامه حتى يدخل، وإذا دخل مشيت أمامه حتى [2] يخرج، وإذا دخل مجلسه فعلت ذلك به، فدخل يوما مجلسه، فإذا ضوء فِي الحائط مثال ثلاثين، فنظر إليه فقَالَ: يا عجلان، هل يصل إلى هذا المجلس ضوء من موضع؟ قلت: لا، قَالَ: فما هذا؟ ثم قَالَ: هيه، هذا والله أجلي، نعيت إلى نفسي ثلاثين سنة، والله ما أطمع فيها ثلاثين شهرا، والله يفعل ما يريد، أثلاثون يوما، والله يفعل ما يشاء قَالَ عجلان. فمات والله فِي آخر يوم من الثلاثين يوما.
[أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِبَةَ اللَّهِ الْعُكَبْرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، حَدَّثَنَا ابْن صَفْوَانَ، حَدَّثَنَا] [2] أَبُو بَكْر الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ هِشَامِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ ثَعْلَبَةَ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ أُمِّهِ عَائِشَةَ، عَنْ أَبِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ السَّائِبِ الأَنْصَارِيِّ، قال:جَمَعَ زِيَادٌ أَهْلَ الْكُوفَةِ، فَمَلأَ مِنْهُمُ الْمَسْجِدَ وَالرَّحْبَةَ وَالْقَصْرَ لِيَعْرِضَهُمْ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. / قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَإِنِّي لمع نفر من أصحابي من 106/ ب الأَنْصَارِ وَالنَّاسُ فِي أَمْرٍ عَظِيمٍ، قالَ: فَهَوَّمْتُ تَهْوِيمَةً، فَرَأَيْتُ شَيْئًا أَقْبَلَ، طَوِيلَ الْعُنُقِ مِثْلَ عُنُقِ الْبَعِيرِ، أَهْدَبَ أَهْدَلَ، فَقُلْتُ: مَا أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَنَا النَّفَادُ ذُو الرَّقَبَةِ بُعِثْتُ إِلَى صاحب هذا القصر. فاستيقظت فزعا، فقلت لأصحابي: هَلْ رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْتُ؟ قَالُوا: لا، فَأَخْبَرْتُهُمْ، وَخَرَجَ عَلَيْنَا خَارِجٌ مِنَ الْقَصْرِ فَقَالَ: إِنَّ الأَمِيرَ يَقُولُ لَكُمْ انْصَرِفُوا عَنِّي فَإِنِّي عَنْكُمْ مشغول، وإذا الطاعون قد أصابه، فأنشأ عَبْد الرَّحْمَنِ يَقُولُ:
[مَا كَانَ مُنْتَهِيًّا عَمَّا أَرَادَ بِنَا ... حَتَّى تَنَاوَلَهُ النَّفَادُ ذُو الرَّقَبَهْ]
وَأَثْبَتَ الشّقُّ مِنْهُ ضَرْبَةٌ ثَبَتَتْ ... كَمَا تَنَاوَلَ ظُلْمًا صَاحِبَ الرَّحْبَهْ
قَالَ أبو بكر القرشي: حَدَّثَنِي زكريا بن يَحْيَى، عن عبد السلام بن مظهر، عن جعفر بن سليمان، عن عبد ربه أبي بن كعب الجرموزي:
أن زيادا لما قدم الكوفة قَالَ: أي أهل البلد أعبد؟ قالوا: فلان الحميري، فأرسل إليه، فأتاه فإذا له سمت ونجو، فقَالَ زياد: لو مال هذا مال أهل الكوفة معه، فقَالَ له:
إني بعثت إليك لأمولك وأعطيك على أن تلزم بيتك فلا تخرج، قَالَ: سبحان الله، والله لصلاة واحدة فِي جماعة أحب إليّ من الدنيا كلها، ولزيارة أخ في الله وعيادة مريض أحب إلي من الدنيا كلها، وليس إلى ذلك سبيل. قَالَ: فاخرج فصل فِي جماعة، وزر إخوانك، وعد المريض، والزم لسانك، قَالَ: سبحان الله، أرى معروفا لا أقول فيه، أرى منكرا لا أنهى عنه، فو الله لمقام من ذلك واحد أحب إلي من الدنيا كلها. قَالَ جعفر: أظن الرجل أبو المغيرة، فقَالَ: السيف، فأمر به فضربت عنقه، قَالَ جعفر:
فقيل لزياد: أبشر، قَالَ: كيف وأبو المغيرة فِي الطريق.
أنبأنا الجريري، عن العشاري، قَالَ: أَخْبَرَنَا علي بن الحسين، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن القاسم بن مهدي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِي بْن أَحْمَد بْن أَبِي قيس، قال: حدثنا أبو بكر القرشي، قال: حدثني سعيد بن يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عمي عَبْد اللَّهِ بن سعيد، عن زياد بن عَبْد اللَّهِ، عن عوانة، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْد الرَّحْمَنِ بن الحسين، عن القاسم بن سليمان، / قَالَ: 107/ أ وقع طاعون بالكوفة فبدأ زياد، فخرج من الكوفة، فلما ارتفع الطاعون رجع فخرج طاعون بأصبعه. قَالَ سليم: فأرسل إلي فأتيته، فقَالَ: يا سليم، أتجد ما أجد من الحر؟ قلت: لا، قَالَ: والله إني لأجد فِي جسدي حرا كأنه النار، واجتمع إليه مائة وخمسون طبيبا، منهم ثلاثة من أطباء كسرى، فخلا سليم بطبيب [1] من أطباء كسرى فسأله عنه، فقَالَ له الطبيب ما به وهو ميت، فمره بالوصية.






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید