المنشورات

دعا الناس معاوية إلى بيعة يزيد ابنه من بعده وجعله ولي عهده

وكان سبب ذلك أن المغيرة قدم على معاوية واستعفاه وشكى إليه الضعف، فأعفاه، وأراد أن يولي سعيد بن العاص، فدخل المغيرة على يزيد فعرض له البيعة، فأدى ذلك يزيد إلى أبيه، فرد معاوية المغيرة إلى الكوفة وأمره أن يعمل فِي بيعة يزيد.
فشخص إلى الكوفة فعمل فِي بيعة يزيد، وكتب معاوية إلى زياد يستشيره فِي ذلك، فبعث زياد إلى عبيد بن كعب النميري، فقَالَ: إن أمير المؤمنين قد أجمع على بيعة يزيد وهو متخوف نفرة الناس، ويزيد صاحب تهاون، مع ما قد أولع به من الصيد، فالق أمير المؤمنين مؤديا عني وأخبره عن فعلات يزيد وقل: رويدك بالأمر، فأقمن أن يتم لك ما تريد، ولا تعجل فإن دركا فِي تأخير خير من تعجيل عاقبته الفوت. فقَالَ عبيد له:أفلا غير هذا، قَالَ: ما هو؟ قَالَ: لا تفسد على معاوية رأيه ولا تمقت إليه ابنه، وألقى أنا يزيد سرا من معاوية فأخبره عنك أن أمير المؤمنين يستشيرك فِي بيعته، وأنت تتخوف خلاف الناس لهنات ينقمونها عليه، وأنت ترى له ترك ما ينقمون عليه فتستحكم لأمير المؤمنين الحجة على الناس، ويسهل لك ما تريد، فتكون قد نصحت يزيد وأرضيت أمير المؤمنين.
فقَالَ: أشخص على بركة الله. فقدم على يزيد فذاكره ذلك، وكتب زياد إلى 116/ أمعاوية يأمره بالتؤدة/ وأن لا يعجل فقبل ذلك معاوية، وكف يزيد عن كثير مما كان يصنع، ثم قدم عبيد على زياد فأقطعه قطيعة.
فلما مات زياد دعا معاوية بكتاب، فقرأه على الناس باستخلافه يزيد إن حدث به حدث الموت فيزيد ولي عهده، فاستوثق له الناس على البيعة ليزيد غير نفر خمسة، أحدهم الحسين بن علي رَضِيَ اللهُ عنهما، فقال له معاوية: يا بن أخي، قد استوثق الناس لهذا الأمر غير خمسة نفر أنت تقودهم، فما إربك إلى هذا الخلاف؟ قَالَ: أنا أقودهم، قَالَ:
نعم، فأرسل إليهم فإن بايعوا كنت رجلا منهم وإلا لم تكن عجلت علي بأمر. قَالَ:
وتفعل؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فأخذ عليه أن لا يخبر بحديثهم أحدا، فالتوى عليه، ثم أعطاه ذلك، فخرج وقد أقصد له ابن الزبير رجلا بالطريق. قَالَ: يقول لك أخوك ابن الزبير: ما كان فلم يزل به حتى استخرج منه شيئا.
ثم أرسل بعده إلى ابن الزبير، فقَالَ له: قد استوثق الناس لهذا الأمر غير خمسة نفر من قريش أنت تقودهم يا بن أخي، فما إربك إلى الخلاف؟ قَالَ: أنا أقودهم؟ قَالَ:
نعم، قَالَ: فأرسل إليهم فإن بايعوا كنت رجلا منهم وإلا لم تكن عجلت علي بأمر، قَالَ: وتفعل؟ قَالَ: نعم، قَالَ: فأخذ عليه أن لا يخبر بحديثهما أحدا، قَالَ: يا أمير المؤمنين نحن فِي حرم وعهد الله ثقيل، فأبى عليه وخرج.
ثم أرسل بعده إلى ابن عمر رضي الله عنهما فكلمه بكلام هو ألين من كلام صاحبيه، فقَالَ: إني أرهب أن أدع أمة مُحَمَّد كالضأن لا راعي لها وقد استوثق الناس لهذا الأمر غير خمسة نفر من قريش أنت تقودهم، فما إربك إلى الخلاف؟ قَالَ: هل لك فِي أمر يذهب الوزر، ويحقن الدم، وتدرك حاجتك؟ قَالَ: وددت، قَالَ: تبرز سريرك ثم أجيء فأبايعك على أني أدخل بعدك فيما يجتمع له عليه الأمة، فو الله لو أن الأمة اجتمعت بعدك على عبد حبشي لدخلت فيما تدخل فيه الأمة، قَالَ: وتفعل؟ قَالَ: نعم. ثم خرج فأتى منزله فأطبق بابه وجعل الناس يجيئون فلا يأذن لهم.
فأرسل إلى عَبْد الرَّحْمَنِ بن أبي بكر، فقَالَ: يا ابن أبي بكر بأية يد أو رجل تقدم على معصيتي، قَالَ: أرجو/ أن يكون ذلك خيرا لي، فقَالَ: والله لقد هممت أن 116/ ب أقتلك، قَالَ: لو فعلت لأتبعك الله به لعنة فِي الدنيا وأدخلك به فِي الآخرة النار.
قَالَ: ولم يذكر ابن عباس.
وحكى مُحَمَّد بن سعد: أن معاوية قَالَ للحسين، وعبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن أبي بكر، ولعبد الله بن الزبير: إني أتكلم بكلام فلا تردوا علي شيئا فأقتلكم. فخطب الناس وأظهر أنهم قد بايعوا ليزيد، فسكت القوم ولم ينكروا خوفا منه ورحل من المدينة.






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید