المنشورات

عَبْد اللَّهِ بن عامر بن كريز بن ربيعة بن خبيب بن عبد شمس بن عبد مناف

أمه دجاجة بنت أسماء بن الصلت بن خبيب. وله أحد عشر ذكرا وأربع نسوة.
ولد بمكة بعد الهجرة بأربع سنين، فلما قدم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة فِي عمرة القضاء حمل إليه وهو ابن ثلاث سنين فحنكه، فتلمظ فتثاءب، فتفل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فيه.
وكان ابن خال عُثْمَان بْن عَفَّانَ، ولم يزل شريف القدر، كريما سخيا، فلما ولي عثمان الخلافة ولاه البصرة بعد أن أقر أبا مُوسَى أربع سنين كما أوصى عمر، ثم عزله وولاه، وكان يوم ولاه ابن خمس وعشرين سنة/ فقَالَ أبو موسى: قد أتاكم فتى من 127/ ب قريش، كريم الأمهات والعمات والخالات، يقول بالمال فيكم هكذا وهكذا.
ففتح بلادا كثيرة من خراسان، وقتل يزدجرد فِي ولايته، فأحرم من نيسابور شكرا للَّه تعالى، وعمل السقايات بعرفة، فلما قتل عثمان لحق بالشام، فولاه معاوية البصرة ثلاث سنين، وزوجه ابنته هندا.
أَنْبَأَنَا [3] الْحُسَيْنُ مُحَمَّدٌ الْبَارِعُ قَالَ: أَنْبَأَنَا [4] أَبُو جَعْفَرِ بن المسلمة قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو طاهر المخلص قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بن سليمان بْنُ دَاوِدَ الطُّوسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بكار قال: حدّثني عمي بن عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ بَعْضِ الْقُرَشِيِّينَ قَالَ: كَانَتْ هِنْدُ بِنْتُ مُعَاوِيَةَ أَبَرَّ شَيْءٍ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ، وَأَنَّهَا جَاءَتْهُ يَوْمًا بِالْمِرْآةِ وَالْمُشْطِ- وكانت تتولى خدمته بِنَفْسِهَا- فَنَظَرَ فِي الْمِرْآةِ، فَالْتَقَى وَجْهُهُ وَوَجْهُهَا فِي الْمِرْآةِ، فَرَأَى شَبَابَهَا وَجَمَالَهَا، وَرَأَى الشَّيْبَ فِي لِحْيَتِهِ قَدْ أَلْحَقَهُ بِالشُّيُوخِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيْهَا، فَقَالَ: الْحَقِي بِأَبِيكِ. فَانْطَلَقَتْ حَتَّى دَخَلَتْ عَلَى أَبِيهَا فَأَخْبَرَتْهُ، فَقَالَ: وَهَلْ تُطَلَّقُ الْحُرَّةُ. قَالَتْ: مَا أُوتِيَ مِنْ قِبَلِي، وَأَخْبَرَتْهُ خَبَرَهَا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَقَالَ: أَكْرَمْتُكَ بِابْنَتِي ثُمَّ رَدَدَتْهَا عَلَيَّ. قَالَ: إِنِّي أُخْبِرُكَ عَنْ ذَلِكَ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَنَّ عَلَيَّ بِفَضْلِهِ، وَجَعَلَنِي كَرِيمًا لا أُحِبُّ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيَّ أَحَدٌ، وَإِنَّ ابْنَتَكَ أَعْجَزَتْنِي مُكَافَأَتُهَا لِحُسْنِ صُحْبَتِهَا، فَنَظَرْتُ فِإِذَا أَنَا شَيْخٌ وَهِيَ شَابَّةٌ، لا أَزِيدُهَا مَالا إِلَى مَالِهَا، وَلا شَرَفًا إِلَى شَرَفِهَا، فَرَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّهَا إِلَيْكَ، فَتُزَوِّجَهَا فَتًى مِنْ فِتْيَانِكَ كَأَنَّ وَجْهَهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مَنْصُورٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الحسين بن أَحْمَد بن مُحَمَّد الثعالبي قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو سهل محمود بن عمر العُكْبري قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو الحسن علي بن الفرج بن أبي روح قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو بكر عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد القرشي قَالَ: حَدَّثَنِي محمد بن عباد بن مُوسَى العكلي قَالَ: حَدَّثَنَا الحسن بن علي بن زبان قَالَ: حَدَّثَنِي سفيان بن عبدة الحميري وعبيد بن يَحْيَى الهجري قَالا: خرج إلى عَبْد اللَّهِ بن عامر بن 128/ أكرز وهو عامل العراق لعُثْمَان بْن عَفَّانَ [1] / رجلان من أهل المدينة، أحدهما: ابن جابر بن عَبْد اللَّهِ الأنصاري، والآخر: من ثقيف، فكتب إلى ابن عامر فيما يكتب من الأخبار، فأقبلا يسيران حتى إذا كانا بناحية البصرة قَالَ الأنصاري للثقفي: هل لك فِي رأي رأيته: قَالَ: اعرضه. قَالَ: رأيت أن أنخ رواحلنا [2] ونتناول مطاهرنا، فنمس ماء، ثم نصلي ركعتين ونحمد الله على ما قضى من سفرنا. قَالَ: هذا الذي لا يرد، فتوضيا، ثم صليا ركعتين، فالتفت الأنصاري إلى الثقفِي فقَالَ: يا أخا ثقيف، ما رأيك؟ قال:
وأي موضع رأي هذا، قضيت سفري، وأنضيت بدني، وأنضيت راحلتي [3] ، ولا مؤمل دون ابن عامر، فهل لك رأي غير هذا؟ قَالَ: نعم، إني لما صليت هاتين الركعتين فكرت فاستحييت من ربي تبارك وتعالى أن يراني طالبا رزقا من غيره، اللَّهمّ ارزق ابن عامر وارزقني من فضلك. ثم ولى راجعا إلى المدينة، ودخل الثقفي البصرة، فمكث أياما، فأذن له ابن عامر، فلما رآه رحب به، ثم قَالَ: ألم أخبر أن ابن جابر خرج معك؟
فخبره خبره، فبكى ابن عامر ثم قَالَ: أما والله ما قَالَ أشرا [1] ولا بطرا، ولكن رأى مجرى الرزق ومخرج النعمة، فعلم أن الله تعالى هو الذي فعل ذلك، فسأله من فضله، وأمر للثقفِي بأربعة آلاف درهم وكسوة ومطرف، وأضعف ذلك كله الأنصاري، فخرج الثقفِي وهو يقول:
أميمة [2] ما حرص الحريص بزائد ... فتيلا ولا زهد الضعيف بضائر
خرجنا جميعا من مساقط رأسنا ... على ثقة منا بخير ابن عامر
ولما أنخنا الناعجات ببابه تأخر ... عني اليثربي ابن جابر
وقَالَ سيكفيني عطية قادر ... على ما يشاء اليوم بالخلق قاهر
وإن الذي أعطى العراق ابن عامر ... لربي الذي أرجو لسد مفاقري
فلما سرى سارت عليه صبابة ... إليه كما حنت ظراب الأباعر
وأضعف عَبْد اللَّهِ إذ غاب حظه ... على حظ لهفان من الحرص فاغر
/ فأبت وقد أيقنت أن ليس نافعي ... ولا ضائري شيء خلاف المقادر
128/ ب [قال المصنف:] [3] قرأت على أبي القاسم الجريري، عن أبي طالب العشاري قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو بكر البرقاني قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَكِّي قَالَ: أَخْبَرَنَا محمد بْن إسحاق الثقفي قَالَ: حدثنا هارون بن عبد الله قال: حَدَّثَنَا سَيَّارٌ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنْ نَافِعٍ الطَّاحِيُّ قَالَ:
مَرَرْتُ بِأَبِي ذَرٍّ فَقَالَ لِي: مِمَّنْ أَنْتَ؟ [4] قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ. قَالَ: أَتَعْرِفُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ مَعِي وَيَلْزَمُنِي، ثُمَّ طَلَبَ الإِمَارَةَ، فَإِذَا قَدِمْتَ الْبَصْرَةَ فَتَرَاءَ لَهُ، فَإِنَّهُ سَيَقُولُ: لَكَ حَاجَةٌ؟ فَقُلْ: أَخْلِنِي وَقُلْ لَهُ: أَنَا رَسُولُ أَبِي ذَرٍّ إِلَيْكَ، وَهُوَ يُقْرِئُكَ السَّلامَ وَيَقُولُ لَكَ: إِنَّا نَأْكُلُ مِنَ التَّمْرِ، وَنَشْرَبُ من الماء،وَنَعِيشُ كَمَا تَعِيشُ. فَلَمَّا قَدِمْتُ تَرَاءَيْتُ لَهُ، فَقَالَ: لَكَ حَاجَةٌ؟ قُلْتُ: أَخْلِنِي أَصْلَحَكَ اللَّهُ. فَفَعَلَ، فَقُلْتُ: أَنَا رَسُولُ أَبِي ذَرٍّ إِلَيْكَ- فَلَمَّا قُلْتُهَا خَشَعَ قَلْبُهُ- وَهُوَ يَقْرَأَ عَلَيْكَ السَّلامُ وَيَقُولُ: إِنَّا نَأْكُلُ مِنَ التَّمْرِ، وَنُرْوَى مِنَ الْمَاءِ، وَنَعِيشُ كَمَا تَعِيشُ. قَالَ: فَحَلَّ إِزَارَهُ ثُمَّ أَدْخَلَ رَأْسَهُ فِي جَيْبِهِ ثُمَّ بَكَى حَتَّى مَلأَ جَيْبَهُ بِالْبُكَاءِ.
توفي ابن عامر فِي هذه السنة، فقَالَ معاوية: بمن نفاخر؟! بمن نباهي!؟




مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید