المنشورات

مسير أهل الشام إلى مكة لحرب عبد الله بن زبير ومن كان على مثل رأيه في الامتناع على يزيد بن معاوية

قال علماء السير [2] : لما فرغ مسلم بن عقبة من قتال أهل المدينة وإنهاب جنده أموالهم ثلاثا، شخص بمن معه من الجند متوجها نحو مكة، وخلف على المدينة روح بن زنباع الجذامي.
وقيل: خلف عمرو بن محرز الأشجعي.
فسار ابن عقبة حتى إذا انتهى إلى فقا/ المشلل [3] نزل به الموت، وذلك في آخر المحرم سنة أربع وستين، فدعا حصين بن نمير السكوني، فقال له: يا برذعة الحمار [4] ، أما لو كان هذا الأمر إلي ما وليتك هذا الجند، ولكن أمير المؤمنين ولاك بعدي، وليس لأمره مترك [5] ، أسرع المسير، ولا تؤخر ابن الزبير ثلاثا حتى تناجزه، ثم قال: اللَّهمّ إني لم أعمل عملا قط بعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله أحب إلي من قتل أهل المدينة، ولا أرجى [عندي] [1] في الآخرة. ومات فدفن بالمشلل [2] .
ثم خرج الحصين بن نمير بالناس، فقدم على ابن الزبير مكة لأربع بقين من المحرم، فحاصر ابن الزبير أربعا وستين يوما حتى جاءهم- يعني يزيد بن معاوية- لهلال ربيع الآخر، وكان القتال في هذه المدة شديدا، وقذف البيت بالمجانيق [3] في يوم السبت ثالث ربيع الأول، وأحرق بالنار، وكانوا يرتجزون ويقولون: [4]
كيف ترى صنيع أم فروه ... تأخذهم بين الصفا والمروه
يريدون بأم فروة: المنجنيق.
وروى الواقدي، عن أشياخه [5] : أنهم كانوا يوقدون حول البيت، فأقبلت شرارة فأحرقت ثياب الكعبة وخشب البيت في يوم السبت ثالث ربيع الأول.
وفي رواية: أن رجلا أخذ قبسا في رأس رمح له، فطارت به الريح فاحترق.
وَرَوَى الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ، قَالَ [6] : لَمَّا سَارَ أَهْلُ الشَّامِ فَحَاصَرُوا ابْنَ الزُّبَيْرِ سَمِعَ أَصْوَاتًا مِنَ اللَّيْلِ فَوْقَ الْجَبَلِ، فَخَافَ أَنْ يَكُونَ أَهْلُ الشَّامِ قَدْ وَصَلُوا إِلَيْهِ، وَكَانَتْ لَيْلَةً ظَلْمَاءَ ذَاتَ رِيحٍ شَدِيدَةٍ وَرَعْدٍ وَبَرْقٍ، فَرَفَعَ نَارًا عَلَى رَأْسِ رُمْحٍ لِيَنْظُرَ إِلَى النَّاسِ، فَأَطَارَتْهَا الرِّيحُ فَوَقَعَتْ عَلَى أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَأَحْرَقَتْهَا وَاسْتَطَارَتْ فِيهَا، وَجَهِدَ النَّاسُ فِي إِطْفَائِهَا فَلَمْ يَقْدِرُوا/ فَأَصْبَحَتِ الْكَعْبَةُ تَتَهَافَتُ، وَمَاتَتِ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَخَرَجَ النَّاسُ كُلُّهُمْ مَعَ جِنَازَتِهَا خَوْفًا مِنْ أَنْ يَنْزِلَ الْعَذَابُ عليهم، وأصبح ابن الزبير سَاجِدًا يَدْعُو وَيَقُولُ: «اللَّهمّ إِنِّي لَمْ أَعْتَمِدْ مَا جَرَى، فَلا تُهْلِكْ عِبَادَكَ بِذَنْبِي، وَهَذِهِ نَاصِيَتِي بَيْنَ يَدَيْكَ» . فَلَمَّا تَعَالَى النَّهَارُ أَمِنَ النَّاسُ وَتَرَاجَعُوا، فَقَالَ لَهُمْ: يَنْهَدِمُ فِي بَيْتِ أَحَدِكُمْ حَجَرٌ فَيَبْنِيهِ وَيُصْلِحُهُ، وَأَتْرُكُ الْكَعْبَةَ خَرَابًا. ثُمَّ هَدَمَهَا مُبْتَدِئًا بِيَدِهِ، وَتَبِعَهُ الْفَعَلَةُ إِلَى أن بلغوا إلى قواعدها، ودعي بناءين مِنَ الْفُرْسِ وَالرُّومِ. فَبَنَاهَا.






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید