المنشورات

تحركت الشيعة بالكوفة

واتعدوا للاجتماع بالنخيلة بالمسير إلى أهل الشام للطلب بدم الحسين عليه السلام وتكاتبوا في ذلك.
ومنذ قتل الحسين عليه السلام كانوا يتلاومون بينهم ويندمون على ترك نصرته، فرأوا أنهم قد جنوا جناية لا يكفرها إلا الطلب [بدمه] .
فاجتمع من ملأهم جماعة في بيت سليمان بن صرد، وتعاهدوا وجاءوا بأموال يجهزون بها من يعينهم، وكاتبوا شيعتهم وضربوا أجلا ومكانا، فجعلوا الأجل غرة شهر ربيع الآخر من سنة خمس وستين، والموطن النخيلة، وابتدءوا في أمورهم في سنة إحدى وستين وهي السنة التي قتل فيها الحسين عليه السلام، وما زالوا في الاستعداد ودعاء الناس في السر حتى مات يزيد، فخرجت حينئذ منهم دعاة يدعون الناس، فاستجاب لهم خلق كثير. وكان عبيد الله بن زياد قد حبس المختار بن أبي عبيد لعلمه بميله إلى شيعة علي، فكتب ابن عمر إلى يزيد: أن ابن/ زياد قد حبس المختار وهو صهري، فإن رأيت أن تكتب إلى ابن زياد يخليه، فكتب إليه يأمره بتخليته فدعاه وقال:
قد أجلتك ثلاثا فإن أدركتك بالكوفة بعدها [1] برئت منك الذمة، فخرج إلى الحجاز، وكان يقول: والله لأقتلن بالحسين عدة من قتل على دم يحيى بن زكريا، فقدم على بن الزبير فرحب به، فقال له: ما تنتظر، ابسط يدك نبايعك، ثم مضى إلى الطائف، ثم عاد بعد سنة فبايع ابن الزبير وقاتل معه وأقام عنده حتى هلك يزيد، ثم وثب فركب راحلته نحو الكوفة، فقدمها في النصف من رمضان يوم الجمعة بعد ستة أشهر من هلاك يزيد.
ورأى المختار اجتماع رءوس الشيعة على سلمان بن صرد، فقال لهم: إني قد جئتكم من قبل المهدي محمد بن الحنفية [2] ، فانشعبت إليه طائفة من الشيعة.
وكان المختار يقول لهم: إنما يريد سليمان أن يخرج فيقتل نفسه ويقتلكم، فإنه ليس [له] [3] بصر بالحروب.
وكان سليمان بن صرد وأصحابه يريدون الوثوب بالكوفة وأميرها يومئذ عبد الله بن يزيد الأنصاري من قبل ابن الزبير، فبلغه ذلك فقال: وما الذي يريدون؟ قيل: إنهم يطلبون بدم الحسين، قال: وأنا قتلت الحسين، لعن الله قاتل الحسين. ثم خطب فقال: قد بلغني أن طائفة من أهل هذا المصر يريدون الخروج علينا يطلبون فيما زعموا بدم الحسين، فرحم الله هؤلاء القوم، والله ما قتلته، ولقد أصبت بمقتله. فإن هؤلاء القوم آمنون فليخرجوا ولينتشروا ظاهرين، ثم نسير إلى قاتل الحسين وأنالهم على قاتله ظهير، هذا ابن زياد قاتل الحسين وقاتل خياركم قد توجه إليكم، والاستعداد له أولى من أن تجعلوا بأسكم بينكم.
فخرج سليمان بن صرد [وأصحابه] [1] ينشرون السلاح ظاهرين، ويشترون ويتجهزون لجهادهم بما يصلحهم، وجعل المختار ينتظر ما يصير إليه أمر سليمان بن صرد.
فخرج سليمان نحو الجزيرة، فجاء قوم إلى عبد الله بن يزيد أمير البلدة فحذروه المختار، وأخذوا المختار فحبسوه وقيدوه فجعل يقول: أما ورب البحار، والنخل والأشجار، والمهامة والقفار، والملائكة الأبرار، والمصطفين/ الأخيار، لأقتلن كل جبّار، بكلّ لدن خطّار، ومهند بتار في جموع من الأنصار، ليسوا بميل أغمار [2] ، ولا بعزل أشرار، حتى إذا أقمت عمود الدين، ورأيت شعب صدع المؤمنين، وشفيت غليل صدور المسلمين، وأدركت بثأر النبيين.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید