المنشورات

مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس

قبض رَسُول اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ وهو ابن ثماني سنين، فلم يزل مع أبيه بالمدينة حتى مات في خلافة عثمان بن عفان، ولم يزل/ مع ابن عمه عثمان، وكان كاتبا له فأعطاه أموالا كثيرة يتأول صلة قرابته، فنقم الناس ذلك على عثمان، وكانوا يرون أن كثيرا مما ينسب إلى عثمان لم يأمر به، وإنما هو رأي مروان، فلما حصر عثمان قاتل قتالا شديدا، فلما سار طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة يطلبون بدم عثمان سار معهم فقاتل قتالا شديدا، فلما نظر إلى طلحة، قال: والله إن كان دم عثمان إلا عند هذا. فرماه بسهم فقتله وتوارى إلى أن أخذ له الأمان من علي، فأتاه فبايعه ثم انصرف إلى المدينة، فلم يزل بها حتى ولي معاوية فولاه المدينة سنة اثنتين وأربعين، فلما وثب أهل المدينة أيام الحرة أخرجوا بني أمية من المدينة وأخرجوه، فجعل يحرض مسلم بن عقبة عليهم، ورجع معه حتى ظفر بأهل المدينة، فانتهبها ثلاثا، وقدم على يزيد فشكر له ذلك، فلما مات يزيد ولي ابنه معاوية أياما ثم مات، ودعي لابن الزبير فخرج مروان يريد ابن الزبير [ليبايعه] [1] ، فلقيه عبد الله بن زياد فرده وقال: ادع إلى نفسك وأنا أكفيك قريشا، فبايع لنفسه بالجابية في نصف ذي القعدة سنة أربع وستين، وبعث عماله.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو القاسم بن البرني، عن أبي عبد الله بن بطة، قال: سمعت محمد بن علي بن شقيق، يقول: حدثنا أبو صالح النحويّ سلمويه، قال: أخبرني عبد الله يعني ابن المبارك قال: أخبرني يونس، عن الزهري قال:
اجتمع مروان وابن الزبير عند عائشة، فذكر مروان بيت لبيد:
وما المرء إلا كالشهاب [2] وضوؤه ... يجوز رمادا بعد إذ هو ساطع
فقال ابن الزبير: لو شئت لقلت ما هو أفضل من هذا:
ففوض إلى الله الأمور إذا اعترت ... وباللَّه لا بالأقربين لدافع [3]
فقال مروان:
وداو ضمير القلب بالبر والتقى ... ولا يستوي قلبان قاس وخاشع [4]
فقال ابن الزبير [1] :
ولا يستوي عبدان عبد مكلم ... عتل لأرحام الأقارب قاطع
فقال مروان: [2]
وعبد تجافى جنبه عن فراشه ... يبيت يناجي ربه وهو راكع
فقال ابن الزبير:
وللخير أهل يعرفون بهداهم ... إذا حجبتهم في الخطوب الجوامع
فقال مروان:
وللشر أهل يعرفون بشكلهم ... تشير إليهم بالفجور الأصابع
فسكت ابن الزبير، فقالت عائشة: ما لك فما سمعت بمحاورة قط أحسن من هذه، ولكن لمروان إرث في الشعر ليس لك، فقال ابن الزبير لمروان: عرضت، قال:
بل أنت أشد تعريضا، طلبت يدك فأعطيتني رجلك.
وكان قد تزوج [3] أم خالد بن يزيد بن معاوية، وكان مروان يطمعه في بعض الأمر، ثم بدا له فعقد لابنيه عبد الملك وعبد العزيز، فأراد أن يضع من خالد ويزهد الناس فيه، وكان إذا دخل عليه أجلسه معه على سريره، فدخل عليه يوما، فذهب ليجلس مجلسه، فزبره وقال: تنح يا ابن رطبة الاست، والله ما وجدت لك عقلا.
فانصرف خالد وقتئذ مغضبا حتى دخل على أمه، فقال: قد فضحتني وقصرت بي، ونكست برأسي. قالت: وما ذاك؟ قال: تزوجت هذا الرجل فصنع كذا وكذا وأخبرها بما قال له، فقالت: لا يسمع هذا منك أحد، ولا يعلم مروان أنك أعلمتني بشيء من ذلك، وادخل علي كما كنت تدخل، واطو هذا الأمر فإني سأكفيك وأنتصر لك منه، فسكت خالد ودخل مروان على أم خالد فقال: ما قال لك خالد ما قلت له اليوم؟ فقالت: ما حَدَّثَني/ بشيء ولا قال لي فقال: ألم يشكني إليك، ويذكر تقصيري به.
فقالت: يا أمير المؤمنين، أنت أجل في عين خالد وهو أشد لك تعظيما من أن يحكي عنك شيئا أو يجد من شيء تقوله، وإنما أنت له بمنزلة الوالد. فانكسر مروان وظن أن الأمر على ما حكت، فسكت حتى إذا كان بعد ذلك، وحانت القائلة فنام عندها، فوثبت هي وجواريها فغلقن الأبواب على مروان، ثم عمدت إلى وسادة فوضعتها على وجهه، فلم تزل هي وجواريها يغممنه حتى مات.
ثم قامت فشقت جيبها وأمرت جواريها وخدمها فشققن وصحن وقلن: مات أمير المؤمنين فجأة. وذلك لهلال رمضان سنة خمس وستين، ومروان ابن أربع وستين، وكانت ولايته على الشام ومصر لم يعد ذلك ثمانية أشهر. وقيل: ستة أشهر.
وقد قال له علي بن أبي طالب: ليحملن راية ضلالة بعد ما يشيب صدغاه وله إمرة كلحسة الكلب أنفه [1] .





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید