المنشورات

الأحنف بن قيس بن معاوية [بن حصين] السعدي التميمي، واسمه الضحاك، وقيل: صخر، ويكنى أبا بحر

ولدته أمه وهو أحنف، فكانت ترقصه [2] ، وتقول:
والله لولا حنفة برجله ودقة في ساقه من هزله ما كان في فتيانكم من مثله أدرك زمان رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ، وبعث رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ إلى قومه من يعرض عليهم الإسلام، فقال الأحنف: إنه ليدعو إلى خير، وما أسمع إلا حسنا، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «اللَّهمّ اغفر للأحنف» . وكان الأحنف يقول: ما من شيء أرجى عندي من ذلك.
وقد روى عن عمر، وعلي، وأبي ذر. وهو الّذي افتتح مروالروذ، وكان الحسن وابن سيرين في جيشه، وكان عالما سيدا، وكان يحضر عند معاوية فيطيل السكوت،فقال: يا أبا بحر، تكلم، فقال: أخشى الله إن كذبت، وأخشاكم إن صدقت [1] .
وكان يتهجد بالليل كثيرا، وكان يضع المصباح قريبا منه، ثم يقدم إصبعه إلى النار، ثم يقول: يا أحنف، ما حملك على ما فعلت في يوم كذا. وكان يصوم، فيقال له: إنك شيخ كبير والصيام يضعفك، فيقول: إني لأعده لشر طويل.
أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، قال:
أخبرنا أبو محمد الجوهري، قال: أخبرنا أبو عمر بْن حيويه، قَالَ: أخبرنا أبو بكر بن الأنباري، قال: حَدَّثَني أبي، قال: حدثنا علي بن عبيد الله الطوسي، قال: قال معاوية بن هشام بن عبد الملك لخالد بن صفوان:
لم بلغ فيكم للأحنف بن قيس ما بلغ؟ قال: إن شئت حدثتك ألفا، وإن شئت حذفت لك الحديث حذفا، [قال: احذفه حذفا] [2] ، قال: إن شئت ثلاثا، وإن شئت فاثنتين، وإن شئت فواحدة، [قال: ما الثلاث؟] [3] قال: أما الثلاث فإنه كان لا يشره، ولا يحسد ولا يمنع حقا. قال: فما الثنتان؟ قال: كان موفقا للخير معصوما عن الشر.
قال: فما الواحدة؟ قال: كان أشد الناس على نفسه سلطانا.
أخبرنا ابن ناصر الحافظ، قَالَ: أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَنَّاءُ، قَالَ: / أخبرنا عبيد الله بن أحمد، قال: أخبرنا عبيد الله بن عثمان، قال: أخبرنا ابن المنادي، أن إبراهيم بن مهدي الأيلي حدثهم قال: حدثني أحمد بن داود بن زياد الضبي، قال:
حدثنا كعب بن مالك الكوفي، قال: حدثنا عبد الحميد بن عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي [4] ، عن أبيه، عن الشعبي، قال: قال لي الأحنف بن قيس:
يا شعبي، قلت: لبيك، قال: ثمانية إن أهينوا فلا يلوموا إلا أنفسهم، قلت: من هم؟ قال: الآتي إلى مائدة لم يدع إليها، والداخل بين اثنين في حديثهما ولم يدخلاه،والمتآمر على رب البيت في بيته، والمندلق بالدالة على السلطان، والجالس في المجلس الّذي ليس له بأهل، والمقبل بحديثه إلى من لا يسمع منه، والطامع في فضل البخيل، والمنزل حاجته بعدوه.
قال: يا شعبي، ألا أدلك على الداء الدوي [1] ؟ قلت: بلى، قال: الخلق الرديء واللسان البذيء.
قال: قلت له: دلني على مروءة ليس فيها مرزية، فقال: بخ بخ يا شعبي، سألت عظيما، الخلق الشحيح والكف عن القبيح.
وكان الأحنف يقول: إن من السؤدد الصبر على الذل، وكفى بالحلم ناصرا.
وقال: ما نازعني أحد إلا أخذت من أمري بإحدى ثلاث: إن كان فوقي عرفت له قدره، وإن كان دوني رفعت نفسي عنه، وإن كان مثلي تفضلت عليه.
وقال زياد بن الأحنف: قد بلغ من الشرف والسؤدد ما لا تنفعه [معه] [1] الولاية، ولا يضره العزل.
وقال خالد بن صفوان: كان الأحنف بن قيس يفر من الشرف والشرف يتبعه.
أخبرنا ابن ناصر، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، قال: أخبرنا الحسن بن علي التَّمِيمِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، قال:
اشتكى ابن أخي الأحنف إلى الأحنف بن قيس وجع ضرسه، فقال له الأحنف:
لقد ذهبت عيني منذ أربعين سنة ما ذكرتها لأحد.
أخبرنا عبد/ الخالق بن أحمد، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْفَتْحِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عبد الله الدقاق، قَالَ: أَخْبَرَنَا الحسين بْن صفوان، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر القرشي، قال: حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثنا قبيصة، قال:
قيل للأحنف بن قيس: ألا تأتي الأمراء؟ قال: فأخرج جرة مكسورة، فكبها فإذا كسر، فقال: من يجزيه مثل هذا ما يصنع بإتيانهم.

قال محمد بن سعد: كان الأحنف صديقا لمصعب بن الزبير، فوفد عليه الكوفة ومصعب واليها، فتوفي عنده فرئي مصعب في جنازته يمشي بغير رداء [1] .





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید