المنشورات

خالف عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الحجاج ومن معه من جند العراق

وأقبلوا إليه لحربه، هذا قول أبي المخارق الراسبي.
وقال الواقدي: إنما كان ذلك في سنة اثنتين وثمانين.
وسبب خروجه مع ما كان في نفس كل واحد منهما على الآخر، وكان الحجاج يقول: ما رأيته إلا أردت ضرب عنقه، وكان عبد الرحمن يقول: إن طال بي وبه بقاء حاولت إزالته عن سلطانه، فلما بعثه الحجاج إلى حرب رتبيل فأصاب قطعة من مملكته، وكتب إلى الحجاج: إنا قد قنعنا بما أصبنا ثم في كل سنة نصيب شيئا من ملكه.
فكتب إليه الحجاج: إنك كتبت إلي كتاب أمرئ يحب الهدنة، ويستريح إلى الموادعة، لعمرك يا ابن أم عبد الرحمن، إنك حين تكف عن ذلك العدو تظنني سخي النفس عمن أصيب من المسلمين، وقد رأيت أنه لم يحملك على ما رأيت إلا ضعفك، فامض لما أمرت به من الإيغال في أرضهم، وقتل مقاتليهم، ثم أردفه كتابا آخر: أما بعد، فمر من قبلك من المسلمين أن يحرثوا ويقيموا، فإنها/ دارهم حتى يفتحها الله عز وجل عليهم. ثم أردفه كتابا آخر: أما بعد، فامض لما أمرت به وإلا فخل ما وليت لأخيك إسحاق.
فدعا الناس وقال: إن الذي رأيت وافقني فيه أهل التجارب ورضوه رأيا، وكتبت بذلك إلى الحجاج فجاءني منه كتاب يعجزني ويأمرني بتعجيل الإيغال في البلاد التي هلك فيها إخوانكم بالأمس، وإنما أنا رجل منكم أمضي إذا مضيتم، وآبى إذا أبيتم، فثار إليه الناس، وقالوا: لا بل نأبى على عدو الله ولا نطيعه.
فقام عامر بن واثلة الكناني، فقال: إن الحجاج لا يبالي بكم فإن ظفرتم أكل البلاد، وإن ظفر عدوكم كنتم الأعداء البغضاء فاخلعوه وبايعوا للأمير عبد الرحمن، وإني أشهدكم أني أول خالع. وقام عبد المؤمن بن شبث بن ربعي، فقال: إن أطعتم الحجاج جعل هذه البلاد بلادكم، فبايعوا أميركم وانصرفوا إلى عدو الله الحجاج فانفوه عن بلادكم. فوثب الناس إلى عبد الرحمن فبايعوه، فقال: تبايعونني على خلع الحجاج والنصرة لي وجهاده معي حتى ينفيه الله من أرض العراق، فبايعه الناس، ولم يذكر خلع عبد الملك، وأمر عبد الرحمن الأمراء، وبعث إلى رتبيل فصالحه على أنه إن ظهر فلا خراج عليه أبدا، وإن هزم وأراده ألجأه عنده.
وبعث الحجاج إليه الخيل، وجعل ابن الأشعث على مقدمته عطية بن عمرو العنبري، فجعل لا يلقى للحجاج خيلا إلا هزمها، ثم أقبل عبد الرحمن حتى مر بكرمان، فبعث عليها خرشة بن عمرو التميمي، فلما دخل الناس فارس اجتمع بعضهم إلى بعض، فقالوا: إنا إذا خلعنا الحجاج عامل عبد الملك فقد خلعنا عبد الملك، فاجتمعوا إلى عبد الرحمن وبايعوه، فكان يقول لهم: تبايعونني/ على كتاب الله عز وجل وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وخلع أئمة الضلالة، وجهاد المحلين، فإذا قالوا: نعم بايع.
فلما بلغ الحجاج أنه قد خلعه كتب إلى عبد الملك يخبره ويسأله تعجيل بعثه الجنود له، وجاء حتى نزل البصرة، وكان قد بلغ المهلب شقاق عبد الرحمن، فكتب إليه: أما بعد، فإنك قد وضعت رجلك يا بن أم محمد في غرز طويل، فاللَّه الله، انظر لنفسك لا تهلكها، ودماء المسلمين لا تسفكها، والجماعة فلا تفرقها، والبيعة فلا تنكثها.
ولما وصل كتاب الحجاج إلى عبد الملك هاله، فنزل عن سريره، وبعث إلى خالد بن يزيد بن معاوية فأقرأه الكتاب ثم خرج إلى الناس، فقال: إن أهل العراق طال عليهم عمري، اللَّهمّ سلط عليهم سيوف أهل الشام.
وأقام الحجاج بالبصرة، وتجهز للقاء ابن محمد، وفرسان أهل الشام يسقطون إلى الحجاج من قبل عبد الملك، وكتب الحجاج ورسله تسقط إلى عبد الملك، وسار الحجاج بأهل الشام حتّى نزلت تستر، فالتقت المقدمات فهزم أصحاب الحجاج، فقال: أيها الناس، ارتحلوا إلى البصرة إلى معسكر وطعام ومادة، فإن هذا المكان لا يحمل الجند. فمضى ودخل البصرة، ودخل عبد الرحمن بن محمد في آخر ذي الحجة، وقال: أما الحجاج فليس بشيء، ولكنا نريد غزو عبد الملك، فبايعه الناس على حرب الحجاج، وخلع عبد الملك جميع أهل البصرة من قرائها وكهولها، وبايعه عقبة بن عبد الغافر فخندق الحجاج عليه، وخندق عبد الرحمن [على البصرة] [1] .
وفي هذه السنة حج بالناس سليمان بن عبد الملك، وكان العامل على المدينة أبان بن عثمان، وعلى العراق والمشرق الحجاج، وعلى حرب خراسان المهلب، وعلى خراجها المغيرة بن المهلب من قبل الحجاج، وعلى قضاء الكوفة أبو بردة، وعلى قضاء البصرة ابن أذينة.
وفي هذه السنة [1] .
ولد ابن أبي ذئب.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید