المنشورات

وقعة دير الجماجم بين الحجاج وابن الأشعث وذلك في شعبان

وبعضهم يقول: إنما كانت في سنة ثلاث وثمانين. وتلخيص القصة: ان ابن الأشعث لما جاء إلى الكوفة خرجوا لتلقيه، فلما دخل مال إليه أهل الكوفة كلهم، وسبقت همدان إليه، فحفوا به عند دار عمرو بن حريث، وبايعه الناس وتقوضت إليه المسالح والثغور، فأقبل الحجاج من البصرة فسار في البر حتى مر بين القادسية والعذيب، وبعث إليه ابن الأشعث عبد الرحمن بن العباس في خيل عظيمة من خيل البصريين [1] ، فمنعوه نزول القادسية، ثم سايره حتى نزل دير قرة. ونزل عبد الرحمن بن العباس دير الجماجم، وجاء ابن الأشعث فنزل دير الجماجم، وكان الحجاج يقول: ما كان عبد الرحمن/ يزجر الطير حين رآني نزلت دير قرة، ونزل دير الجماجم، فاجتمع أهل الكوفة وأهل البصرة، وأهل الثغور والمسالح بدير الجماجم والقراء من المصرين، كلهم اجتمعوا على حرب الحجاج، وكانوا مبغضين له وهم إذ ذاك مائة ألف مقاتل [ممن] [2] يأخذ [3] العطاء، ومعهم مثلهم من مواليهم. وجاءت للحجاج أمداد من قبل عبد الملك، واشتد القتال، فقيل لعبد الملك: إن كان إنما يرضي أهل العراق أن ينزع عنهم الحجاج فانزعه تحقن [به] [4] الدماء، فإن نزعه أيسر من حربهم.
فأمر ابنه عبد الله وأخاه محمد بن مروان أن يعرضا على أهل العراق نزع الحجاج عنهم، وأن يجري عليهم أعطياتهم كما تجري على أهل الشام، فإن هم قبلوا ذلك نزع عنهم الحجاج. وكان محمد بن مروان أمير العراق فإن هم لم يقبلوا ذلك فالحجاج أمير جماعة أهل الشام، وولي القتال، ومحمد وعبد الله في طاعته، فلم يأت الحجاج أمر قط كان أشد عليه ولا أغيظ له من ذلك مخافة أن يقبلوا فيعزل عنهم.
فكتب إلى عبد الملك: يا أمير المؤمنين، والله لئن أعطيت أهل العراق نزعي فإنّهم لا يلبثون إلا قليلا حتى يخالفوك ويسيروا إليك، ولا يزيدهم ذلك إلا جرأة عليك، ألم تر وتسمع بوثوب أهل العراق مع الأشتر على عثمان بن عفان، فلما سألهم: ما تريدون، قالوا: نزع سعيد بن العاص، فلما نزعه لم تقم لهم قائمة حتى ساروا إليه فقتلوه، إن الحديد بالحديد يقرع [5] ، خار الله لك فيما ارتأيت.
فأبى عبد الملك إلا عرض هذه الخصال على أهل العراق إرادة العافية من الحرب، فلما اجتمعا مع الحجاج خرج عبد الله، فقال: يا أهل العراق، أنا عبد الله ابن أمير المؤمنين، وهو يعطيكم كذا وكذا، فذكر الخصال التي تقدم ذكرها، وقال محمد:
أنا رسول أمير المؤمنين إليكم، وهو يعرض عليكم كذا وكذا، قالوا: نرجع العشية، فرجعوا واجتمعوا عند ابن الأشعث فلم يبق قائد ولا رأس قوم ولا فارس إلا أتاه، فحمد الله تعالى ثم قال: / أما بعد، فاقبلوا ما عرضوا عليكم وأنتم أعزاء أقوياء، والقوم لكم هائبون.
فوثب الناس من كل جانب فقالوا: إن الله عز وجل قد أهلكهم، فأصبحوا في الضنك والمجاعة والقلة والذلة، ونحن ذوو العدد الكثير، والمادة القريبة، لا والله لا نقبل.
وأعادوا خلعه ثانية، فرجع محمد بن مروان وعبد الله إلى الحجاج، فقالا: شأنك بعسكرك وجندك فاعمل برأيك، فإنا قد أمرنا أن نسمع ونطيع. وخلياه والحرب.
فبرزوا للقتال، فجعل الحجاج على ميمنته عبد الرحمن بن سليم الكناني [1] ، وعلى ميسرته عمارة بن تميم، وعلى خيله سفيان بن الأبرد، وعلى رجالته عبد الله بن حبيب [2] . وجعل ابن الأشعث على ميمنته الحجاج بن حارثة الخثعمي، وعلى ميسرته الأبرد بن قرة التميمي، وعلى خيله عبد الرحمن بن عباس الهاشمي، وعلى رجالته محمد بن سعد بن أبي وقاص، وعلى القراء جبلة بن زحر بن قيس الجعفي، وكان فيهم عامر الشعبي، وسعيد بن جبير، وأبو البختري الطائي، وعبد الرحمن بن أبي ليلى.
ثم إنهم أخذوا يتزاحفون كل يوم ويقتتلون، وأهل العراق تأتيهم موادهم من الكوفة وسوادها. فهم فيما هم فيه فيما شاءوا [من خصبهم، وإخوانهم من] أهل البصرة [3] وأهل الشام في ضيق شديد، قد قل عندهم الطعام وفقدوا اللحم وكأنهم في حصار وهم على ذلك يقتتلون أشد قتال، فخرجوا ذات يوم وقد عبى الحجاج جيشه، ثم زحف في صفوفه، وخرج ابن الأشعث في سبعة صفوف بعضها في أثر بعض.
أخبرنا ابن ناصر، قَالَ: أخبرنا أبو عبد الله الحُمَيْدِي، قال: أخبرنا محمد بن سلامة القضاعي، قال: أخبرنا أبو مسلم محمد بن أحمد الكاتب، قال: أخبرنا ابن دريد، قال: حدثنا أبو عثمان، قال: حدثني عبد الله، قال: حدثنا أبو التياح، قال:
شهدت الحسن وسعيد بن أبي الحسن أيام ابن الأشعث، فأما ابن الأشعث فكان يأمر بالكف وينهى عن القتال، وأما/ سعيد فكان يحرض ويأمر بالقتال، ويقول: والله ما خلعنا أمير المؤمنين ولا نريد خلعه، ولكننا نقمنا عليه الحجاج، وكان الحسن يقول: أيها الناس، تعلموا والله ما سلط الحجاج عليكم إلا عقوبة من الله، فلا تعارضوا عقوبة الله بالحمية والسيوف، ولكن عارضوها بالتضرع والاستغفار.
وفي هذه السنة توفي المغيرة بن المهلب بخراسان، وكان المهلب يومئذ وراء النهر لحرب من هناك، فولى أخاه يزيد بن المهلب مكان ولده.
وفيها: صالح المهلب من وراء النهر على شيء يؤدونه وفصل عنهم.
وفيها: توفي المهلب فولى الحجاج يزيد بن المهلب خراسان.
وفيها: عزل عبد الملك أبان بن عثمان عن المدينة لثلاث عشرة خلت من جمادى الآخرة، وولاها هشام بن إسماعيل المخزومي، فلما وليها عزل نوفل بن مساحق العامري.
وقال الواقدي: كان هذا في سنة ثلاث وثمانين، فكانت ولاية أبان المدينة سبع سنين وثلاث عشرة ليلة.
وفيها: حج بالناس أبان بن عثمان، وكان على العراق والمشرق الحجاج، وعلى خراسان يزيد بن المهلب من قبل الحجاج.




مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید