المنشورات

خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان:

كان من رجالات قريش والمعدودين من كبرائهم سخاء وفصاحة وعقلا. وكان قد شغل نفسه بعمل الكيمياء، فضاع زمانه. وكان مروان بن الحكم قد تزوج أمه أم خالد لأجل أن الناس كانوا ينظرون إلى خالد لمكان أبيه، وكان مروان يطمعه في بعض الأمر ثم بدا له فعقد لابنيه عبد الملك وعبد العزيز، وأخذ يضع من خالد حتى شتمه يوما وذكر أمه بالقبح- على ما ذكرنا في أخبار مروان بن الحكم- فكان ذلك سبب قتل مروان.
أَخْبَرَنَا المبارك بْن عَلي الصيرفي، قَالَ: أَخْبَرَنَا علي بن محمد العلاف، قال:
حدثنا عبد الملك بن بشران، قال: أخبرنا أحمد بن إبراهيم الكندي، قال: حدثنا/ محمد بن جعفر الخرائطي، قال: حدثنا المبرد، قال: حدثنا هشام، عَنْ أبي عبيدة معمر بْن المثني، قَالَ:
حج عبد الملك بن مروان وحج معه خالد بن يزيد بن معاوية، وكان من رجالات قريش المعدودين وعلمائهم. وكان عظيم القدر عند عبد الملك. فبينا هو يطوف بالبيت إذ بصر برملة بنت الزبير بن العوام فعشقها عشقا شديدا، ووقعت بقلبه وقوعا متمكنا.
فلما أراد عبد الملك القفول هم خالد بالتخلف عنه، فوقع بقلب عبد الملك تهمه، فبعث إليه يسأله عن أمره، فقال: يا أمير المؤمنين، رملة بنت الزبير رأيتها تطوف بالبيت قد أذهبت عقلي، والله ما أبديت لك ما بي حتى عيل صبري، فلقد عرضت النوم على عيني فلم تقبله، والسلو على قلبي فامتنع منه، فأطال عبد الملك التعجب من ذلك وقال: ما كنت أقول إن الهوى يستأسر مثلك، فقال: وإني لأشد تعجبا من تعجبك مني، ولقد كنت أقول إن الهوى لا يتمكن إلا من صنفين من الناس: الشعراء، والأعراب. فأما الشعراء فإنّهم ألزموا قلوبهم الفكر في النساء والغزل، فمال طمعهم إلى النساء، فضعفت قلوبهم عن دفع الهوى فاستسلموا له منقادين [1] . وأما الأعراب، فإن أحدهم يخلو بامرأته فلا يكون الغالب عليه غير حبه لها، ولا يشغله شيء عنه، فضعفوا عن دفع الهوى، فتمكن منهم. وجملة أمري ما رأيت نظرة حالت بيني وبين الحرم، وحسنت عندي ركوب الإثم مثل نظرتي هذه. فتبسم عبد الملك وقال: أو كل هذا قد بلغ بك، فقال: والله ما عرفتني هذه البلية قبل وقتي هذا، فوجه عبد الملك إلى آل الزبير يخطب رملة على خالد، فذكروا لها ذلك فقالت: لا والله، أو يطلق نساءه، فطلق امرأتين كانتا عنده، إحداهما من قريش والأخرى من الأزد [2] ، وظعن بها إلى الشام. وفيها يقول:
/ أليس يزيد الشوق في كل ليلة ... وفي كل يوم من حبيبتنا قربا
خليلي ما من ساعة تذكر انها ... من الدهر إلا فرجت عني الكربا
أحب بني العوام طرا لحبها ... ومن أجلها أحببت أخوالها كلبا
تجول خلاخيل النساء ولا أرى ... لرملة خلخالا يجول ولا قلبا
قال مؤلف الكتاب رحمة الله: وقد زاد بعض أعدائه في هذه الأبيات:
فإن تسلمي نسلم وإن تتنصري ... يخط رجال بين أعينهم صلبا
فلما سمع البيت قال من قاله: لعنة الله [عليه] وعلى من يجيبه [1] .
أخبرنا الحسين بن محمد بن عبد الوهاب، قال: أخبرنا أبو جعفر ابن المسلمة، قَالَ: أَخْبَرَنَا المخلص، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ [بْنِ دَاوُدَ] [2] ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزبير بن بكار، قال:
دخلت رملة بنت الزبير على عبد الملك بن مروان، وكانت عند خالد بن يزيد بن معاوية، فقال لها: يا رملة، غرني عروة منك، فقالت: لم يغررك ولكن نصحك، إنك قتلت مصعبا أخي، فلم يأمني عليك. وكان عبد الملك أراد أن يتزوجها، فقال له عروة: لا أرى ذلك لك. وكان الحجاج قد بعث إلى خالد: ما كنت أراك تخطب إلى آل الزبير حتى تشاورني، فكيف خطبت إلى قوم ليسوا بأكفائك، وهم الذين نازعوا أباك [3] على الخلافة ورموه بكل قبيحة. فقال لرسوله: ارجع فقل له: ما كنت أرى أن الأمور بلغت بك إلى أن أؤامرك في خطبة النساء، وأما قولك: نازعوا أباك وشهدوا عليه بالقبيح، فإنها قريش تتقارع، فإذا أقر الله الحق مقره تعاطفوا وتراحموا. وأما قولك:
ليسوا لك بأكفاء. فقبحك الله يا حجاج ما أقل علمك بأنساب قريش، أيكون العوام كفؤا لعبد المطلب بن هاشم حتى يتزوج صفية ويتزوج رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ خديجة، ولا تراهم أكفاء لأبي سفيان.
ولما قدم الحجاج على عبد الملك مر بخالد فقال له رجل: من هذا؟ فقال خالد كالمستهزئ به: هذا عمرو/ بن العاص فرجع الحجاج إليه فقال: ما أنا بعمرو بن العاص ولكني ابن الغطاريف من ثقيف، والعقائل من قريش، ولقد ضربت بسيفي هذا أكثر من مائة ألف كلهم يشهد أن أباك وأنت وجدك من أهل النار، ثم لم آخذ لذلك عندك شكرا.




مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید