المنشورات

عمر بن عبيد الله بن معمر، أبو حفص التميمي ، أمير البصرة:

كان جوادا صديقا لزياد الأعجم [6] قبل أن يلي، فقال له عمر: يا أبا أمية [7] ، لو قد وليت لتركتك لا تحتاج إلى أحد أبدا. فلما ولي عمر فارس قصده زياد، فلما لقيه أنشأ يقول:
ألا ابلغ أبا حفص رسالة ناصح ... أتت من زياد مستبينا كلامها
فإنك مثل الشمس لا ستر دونها ... فكيف أبا حفص علي ظلامها
فقال له عمر: لا يكون عليك ظلامها أبدا، فقال:
لقد كنت أدعو الله في السر أن أرى ... أمور معد في يديك نظامها
فقال: قد رأيت ذلك، فقال:
فلما أتاني ما أردت تباشرت ... بناتي وقلن العام لا شك عامها
قال: فهو عامها [1] إن شاء الله تعالى قال:
فأنى وأرض [2] أنت فيها ابن معمر ... كمكة لم يطرق لأرض حمامها
قال: فهي كذلك يا زياد، فقال:
إذا اخترت أرضا للمقام رضيتها ... لنفسي ولم يثقل علي مقامها
وكنت أمني النفس منك ابن معمر ... أماني أرجو أن تتم تمامها [3]
قال: قد أتمها الله لك، قال:
فلا أك كالمجرى إلى رأس غاية ... ترجى سماء لم تصبه غمامها
فقال: لست كذلك، فسل حاجتك، فقال نجيبة وخادمها، وفرس راتع وسائسه، وبدرة وحاملها، وجارية وخادمها، وتخت ثياب ووصيفة تحمله [4] ، فقال: قد أمرنا بجميع ما سألت، وهو لك علينا في كل سنة. فخرج من عند عمر حتى قدم على عبد الله بن الخشرج وهو بسابور، فأنزله وألطفه، فقال في ذلك:
إن السماحة والمروءة والندا ... في قبة ضربت على ابن الخشرج
لما أتيتك راجيا لنوالكم ... ألفيت باب نوالكم لم يرتج
فأمر له بأربعة آلاف درهم.
أخبرتنا شهدة بنت أحمد الكاتبة، قالت: أَخْبَرَنَا جعفر بن أحمد، قال: أخبرنا علي ابن أبي علي المعدل، قال: حدثني أبي، قال: روى أبو روق الهمداني، عن الرياشي:
أن بعض أهل البصرة اشترى صبية فأحسن تأديبها وتعليمها، وأحبها كل المحبة، وأنفق عليها حتى أملق، وحتى مسه الضر الشديد، فقالت الجارية: إني لأرى لك يا مولاي مما أرى بك [1] من سوء الحال، فلو بعتني اتسعت بثمني فلعل الله أن يصنع لك وأقع/ أنا بحيث يحسن حالي فيكون ذلك أصلح لكل واحد منا. قال: فحملها إلى السوق، فعرضت على عمر بن عبد الله بن معمر [2] التيمي، وهو أمير البصرة يومئذ، فأعجبته فاشتراها بمائة ألف درهم، فلما قبض مولاها الثمن وأراد الانصراف استعبر كل واحد منهما إلى صاحبه شاكيا، فأنشأت الجارية تقول:
هنيئا لك المال الذي قد حويته [3] ... ولم يبق في كفي غير تذكري [4]
أقول لنفسي وهي في غشي كربة [5] ... أقلي فقد بان الحبيب أو أكثري
إذا لم يكن للأمر عندك حيلة ... ولم تجدي شيئا سوى الصبر فاصبري [6]
فاشتد بكاء المولى ثم أجابها يقول:
فلولا قعود الدهر بي عنك لم يكن ... يفرقنا شيء سوى الموت فاعذري [7]
أروح بهم في الفؤاد مبرح ... أناجي به قلبا شديد التفكر

عليك سلام لا زيارة بيننا ... ولا وصل إلا أن يشاء ابن معمر
فقال له ابن معمر: قد شئت، خذها ولك المال، فانصرفا راشدين، فو الله لا كنت سببا لفرقة محبين.
وروى ابن عائشة، عن أبيه، قال: لما خرج ابن الأشعث أرسل عبد الملك إلى عمر بن عبد الله [1] بن معمر ليقدم عليه، فمات في الطريق بالطاعون. فقام عبد الملك على قبره وقال: أما والله لقد علمت قريش أنها فقدت اليوم نابا من أنيابها.
ورثاه الفرزدق الشاعر فقال:
كانت يداه لنا سيفا نصول به ... على العدو وغيثا ينبت الشجرا
أما قريش أبا حفص قد رزيت ... بالشأم إذا فارقتك الناس والظفرا





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید