المنشورات

تزويج بنت سعيد

أخبرنا المحمدان ابن ناصر، وابن عبد الباقي، قالا: أخبرنا حمد بْنُ أحمد الحداد، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم أحمد بن عبد الحافظ قال: أخبرنا عمر بن أحمد بن عثمان، قال: أخبرنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث، قال: حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، قال: حدثني عمي عبد الله بن وهب، عن عطاء وابن خالد، عن ابن حرملة [1] ، عن ابن أبي وداعة، قال:
كنت أجالس سعيد بن المسيب ففقدني أياما، فلما جئته، قال: أين كنت؟ قلت:
توفيت أهلي فاشتغلت بها، قال: ألا أخبرتنا فشهدناها. قال: ثم أردت أن أقوم فقال:
هل استحدثت امرأة؟ فقلت: يرحمك الله، ومن يزوجني وما أملك إلا درهمين أو ثلاثة، فقال: أنا، فقلت: أو تفعل؟ نعم، ثم حمد الله وصلى على النبي صَلى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ وزوجني على درهمين أو ثلاثة. قال: فقمت وما أدري [ما أصنع] [2] من الفرح، فصرت إلى منزلي وجعلت أتفكر ممن آخذ؟ وممن أستدين؟ فصليت المغرب، وكنت وحدي، وقدمت عشائي أفطر خبزا وزيتا، فإذا الباب يقرع، فقلت: من هذا؟ قال: سعيد، قال: فأفكرت في كل إنسان اسمه سعيد إلا سعيد بن المسيب، فإنه لم ير أربعين سنة إلا بين بيته والمسجد، فقمت فخرجت، فإذا سعيد بن المسيب، فإنه قد بدا له، فقلت: يا أبا محمد ألا أرسلت/ إلي فآتيك، قال: لا، أنت أحق أن تؤتى، قلت: فما تأمر؟ قال:
إنك كنت رجلا عزبا تزوجت فكرهت أن أبيتك الليلة وحدك، وهذه امرأتك [قال:] [3] فإذا هي قائمة من خلفه في طوله، ثمّ أخذ بيدها فدفعها في الباب ورد الباب، فسقطت المرأة من الحياء، فاستوثقت من الباب ثمّ تقدمتها إلى القصعة التي فيها الزيت والخبز، فوضعتها [4] في ظل السراج لكيلا تراه، ثم صعدت إلى السطح فرميت الجيران فجاءوني، فقالوا: ما شأنك؟ قلت: ويحكم، زوجني سعيد بن المسيب بنته اليوم وقد جاء بها على غفلة، فقالوا: سعيد بن المسيب زوجك؟ قلت: نعم. وهو ذا هي في الدار. قال: ونزلوا هم إليها، وبلغ أمي فجاءت وقالت: وجهي من وجهك حرام إن مسستها قبل أن أصلحها إلى ثلاثة أيام.
قال: فأقمت ثلاثا ثم دخلت بها، فإذا هي من أجمل الناس، وإذا هي أحفظ الناس لكتاب اللَّه عز وجل، وأعلمهم بسنة رسوله، وأعرفهم بحق زوج. قال: فمكثت شهرا لا يأتيني سعيد ولا آتيه، فلما كان قرب الشهر أتيت سعيدا وهو في حلقته، فسلمت عليه، فرد علي السلام ولم يكلمني حتى تفرق [1] أهل المجلس، فلم يبق غيري، قال: ما حال ذلك الإنسان؟ قلت: خيرا يا أبا محمد على ما يحب الصديق ويكره العدو، فقال: إن رابك شيء فالعصا. فانصرفت إلى منزلي، فوجه إلي بعشرين ألف درهم. [1] قال عبد الله بن سليمان: وكانت بنت سعيد بن المسيب خطبها عبد الملك بن مروان لابنه الوليد حين ولاه العهد، فأبى سعيد أن يزوجه، فلم يزل عبد الملك يحتال على سعيد حتى ضربه مائة سوط في يوم بارد، وصب عليه جرة ماء وألبسه جبة صوف.
قال عبد الله: وابن أبي وداعة هو كثير بن المطلب بن أبي وداعة.
قال مؤلف الكتاب: [2] وكان لكثير هذا ولد يقال له كثير أيضا. روى الحديث، وكان شاعرا ولم يكن له عقب. فأما أبو/ وداعة فاسمه الحارث بن صبيرة بن سعيد ابن سعد بن سهم. كان قد شهد بدرا مع المشركين فأسر، فَقَالَ رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ: «تمسكوا به فإن له ابنا كيسا بمكة. فخرج المطلب ففداه بأربعة آلاف درهم. وهو أول أسير فدي، فشخص الناس بعده ففدوا أسراهم، وكان أبوه صبيرة قد جاز الأربعين سنة بقليل ثم مات.
أنبأنا الحسين بن عبد الوهاب، قال: أخبرنا ابن المسلمة، قال: أخبرنا المخلص، قال: حدثنا سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بكار، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِي بْن صَالِح، عَن عامر بن صالح بن عبد الله بن عروة بن الزبير:
أن الناس مكثوا زمانا ومن جاز من قريش في السن أربعين سنة عمر، فجازها صبيرة بن سعيد بيسير، ثم مات فجأة، ففزع لذلك الناس، فناحت عليه الجن، فقالت:
من يأمن الحدثان بعد ... صبيرة القرشي ماتا
عجلت منيته المشيب ... فكان منيته افتلاتا
وفي رواية أن شاعرا قال:
حجاج بيت الله إن ... صبيرة القرشي ماتا
سبقت منيته المشيب ... كأن ميتته افتلاتا
فتزودوا لا تهلكوا من ... دون أهلكم خفاتا
قال مؤلف الكتاب رحمه الله: [1] ثم إن أبا وداعة أسلم يوم الفتح وبقي إلى خلافة عمر، وأسلم ابنه المطلب يوم الفتح أيضا.
توفي سعيد بالمدينة في هذه السنة وهو ابن أربع وثمانين سنة.






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید