المنشورات

وفاة الحجاج

قد ذكرنا أن عبد الملك بن مروان أوصى ولده الوليد بالحجاج، ثم لم يمت الحجاج حتى ثقل على الوليد، وكان الوليد قد مرض فغشي عليه، فمكث عامة يومه يحسبونه ميتا، فقدمت البرد على الحجاج بذلك فاسترجع، وأمر بحبل فشد في يده ثم أوثق إلى أسطوانة، وقال: اللَّهمّ لا تسلط علي من لا رحمة له فقد طال ما سألتك أن تجعل منيتي قبل منيته، وجعل يدعو. فقدم البريد بإفاقته، فلما أفاق الوليد، قال: ما أَحَدٌ أَسَرَّ بعافيتي من الحجاج، فقال عمر: كأني بكتاب الحجاج قد أتاك يذكر أنه لما بلغه بُرؤك خر ساجدا وأعتق كل مملوك له، فجاء الكتاب بذلك، وبقي الحجاج في إمرته [1] على العراق تمام عشرين سنة، وكان مقدما على القتل والظلم، وآخر من قتل سعيد بن جبير، فوقعت الأكلة في بطنه [2] ، فأخذ الطبيب لحما وجعله في خيط وأرسله في حلقه ثم استخرجه وقد لصق الدود به، فعلم أنه ليس بناج، فقال:
يا رب قد حلف الأعداء واجتهدوا ... أيمانهم أنني من ساكني النار
أيحلفون على عمياء ويلهم ... ما علمهم بعظيم العفو غفار
أخبرنا محمد بن [أبي] [3] القاسم، قَالَ: حَدَّثَنَا حمد بْن أَحْمَد، قَالَ: حدثنا أبو نعيم الحافظ، قال: حدثنا أبو حامد بن جبلة، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، قال:حدثنا هارون بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مسلمة، قال: حدثنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن كاتب كان [1] للحجاج يقال له يعلى، قال:
كنت أكتب للحجاج وأنا يومئذ غلام حديث السن، فدخلت عليه يوما بعد قتل سعيد بن جبير وهو في قبة لها أربعة أبواب، فدخلت مما يلي ظهره، فسمعته يقول: ما لي ولسعيد بن جبير، فخرجت رويدا وعلمت أنه إن علم بي قتلني، [ثم لم يلبث الحجاج إلا يسيرا حتى مات] [2] .
وفي رواية أخرى: أنه كان يقول: ما لي ولسعيد بن جبير كلما أردت النوم أخذ برجلي.
ومات في شوال هذه السنة. وقيل: لخمس بقين من رمضان، وهو ابن أربع وخمسين سنة. وقيل: ثلاث وخمسين سنة.
وقال أبو عمر الجرمي [3] ، قال يونس النحوي: أنا أذكر عرس العراق، فقيل له:
وما عرس العراق؟ قال: موت الحجاج سنة خمس وتسعين.
ولما مات ولى عليها الوليد بن عبد الملك مكانه يزيد بن أبي شبل [4] .
وذكر أبو عمر أحمد بن عبد ربه في كتاب «العقد» : أن رجلا حلف بالطلاق أن الحجاج في النار، فسأل الحسن البصري، فقال: لا عليك يا ابن أخي فإن لم يكن الحجاج في النار فما ينفعك [5] أن تكون مع امرأتك في زنا.
وقال يزيد الرقاشي: إني لأرجو للحجاج، فقال الحسن: إني لأرجو أن يخلف الله رجاءك [6] .
وقيل لإبراهيم النخعي: ما ترى في لعن الحجاج؟ فقال: ألم تسمع إلى قول الله تعالى: (أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) 11: 18 [7] . وأشهد أن الحجاج كان منهم.
أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك، ومحمد بن ناصر، قالا: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار، قال: أخبرنا الحسين بن محمد النصيبي، قال: أخبرنا إسماعيل بن سويد، قال: حدثنا أبو بكر بن الأنباري، قال: حَدَّثَني أبي، قال: حدثنا أحمد بن الحارث الخراز، قال: حدثنا أبو الحسن المدائني، قال: قال عمر بن عبد العزيز:
إذا أتت قوم فارس بأكاسرتها، والروم بقياصرتها أتينا بالحجاج فكان عدلا بهم [1] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن الحسين بن خيرون، قال:
أخبرنا [2] مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ رَزَمَةَ، قَالَ: أخبرنا أبو محمد علي بن عبد الله [3] بن المغيرة، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَن أَحْمَد بْن مُحَمَّد الأسدي، قال: حدثنا العباس بن فرح الرياشي [4] ، قال: حدثنا ابن أبي سمية، عن أبي بكر بن عياش، عن الأعمش، قال:
قيل ليزيد بن أبي مسلم: أن الحجاج يسمع صياحه من قبره، قال: فانطلق في نفر من أصحابه إلى قبره فسمع الصياح، فقال: يرحمك الله أبا محمد، ما تدع تهجدك حيا ولا ميتا.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْن أَحْمَد السمرقندي، قَالَ: أَخْبَرَنَا محمد بن هبة الله الطبري، قال: حدثنا أبو الحسين بن بشران، قال: أخبرنا الحسين بْن صفوان، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد القرشي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ جَمِيلٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ:
أُغْمِيَ عَلَى الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى مَعَ: (الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) 4: 69 [5] وَعَبْدُ الْمَلِكِ وَالْحَجَّاجُ يَجُرَّانِ أَمْعَاءَهُمَا فِي النَّارِ.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید