المنشورات

سليمان بن عبد الملك طرف من أخباره وسيرته

أَخْبَرَنَا عَبْد الوهاب بن المبارك، ومحمد بن ناصر، قالا: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار، قال: أخبرنا القاضي أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْمُحْسِنِ التَّنُوخِيُّ، قَالَ: أخبرنا المعافى بن زكريا، قال: أخبرنا الحسين بن القاسم الكوكبي، قال: أخبرنا ابن أبي سعيد، قَالَ: حَدَّثَنِي علي بن مُحَمَّد بن سليمان الهاشمي، قال: حدثني عبد الله بن سليمان، عن سليمان بن عبد الله، عن أبيه عبد الله بن عبد الله بن الحارث، قال:
كان سليمان بن عبد الملك أكولا، وكانت بينه وبين عبد الله بن عبد الله وصلة.
قال: قال لنا سليمان يوما: إني قد أمرت قيم بستان لي أن يحبس علي الفاكهة ولا يجني منها شيئا حتى يدرك، فاغدوا علي مع الفجر- يقول لأصحابه الذين كان يأنس بهم- لنأكل الفاكهة في برد النهار. فغدونا في ذلك الوقت، وصلى الصبح وصلينا، فدخلنا معه فإذا الفاكهة متهدلة على أغصانها، وإذا كل فاكهة مختارة قد أدركت كلها، فقال:
كلوا. ثم أقبل عليها وأكلنا بمقدار الطاقة، وأقبلنا نقول: يا أمير المؤمنين، هذا العنقود، فيخرطه في فيه، يا أمير المؤمنين هذه التفاحة، وكلما رأينا شيئا نضيجا أومأنا إليه فيأخذه فيأكله حتى ارتفع الضحى وارتفع النهار ثم أقبل على قيم البستان، فقال:
ويحك يا فلان إني قد استجعت فهل عندك شيء تطعمنيه؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين عناق حولية حمراء، قال: آتني بها، ولا تأتني معها بخبز. فجاء بها على خوان لا قوائم له وقد ملأت الخوان، فأقبل يأخذ العضو فيجيء معه فيخرطه في فيه ويلقي العظم حتى أتى عليها، ثم عاد لأكل الفاكهة، فأكل فأكثر، ثم قال للقيم: ويحك ما عندك شيء تطعمنيه؟ قال: بلى يا أمير المؤمنين دجاجتان بحريتان قد عميتا شحما، قال: ائتني بهما، فأتى بهما ففعل بهما كما فعل بالعناق، ثم عاد لأكل الفاكهة، فأكل مليا، ثم قال للقيم: هل عندك شيء تطعمنيه فإني قد جعت؟ قال: عندي سويق [كأنه قطع الأوتار] [1] ، وسمن، وسكر. قال: أفلا أعلمتني قبل هذا به، ائتني به وأكثر، فأتاه بقعب يقعد فيه الرجل وقد ملأه من السويق وقد خلطه بالسكر وصب عليه السمن، وأتى بجرة من ماء بارد وكوز، فأخذ القعب على كفه وأقبل القيم يصب عليه الماء [فيحركه ويأكله- أو قال] [2]- ويشربه حتى كفاه [3] على وجهه فارغا، ثم عاد للفاكهة، فأكل مليا حتى علت الشمس [1] ، ودخل وأمرنا أن ندخل إلى مجلسه، فدخلنا وجلسنا، فما مكث أن خرج علينا، فلما جلس قام كبير الطباخين حياله يؤذنه بالغداء، فأومأ إليه أن ائت بالغداء، فأتاه به فوضع يده فأكل، فما فقدنا من أكله شيئا.
أخبرنا ابن ناصر الحافظ، قال: أخبرنا ثابت بن بندار، وأحمد بن علي بن سوار، وأبو الفضل محمد بن عبد الله الناقد، قالوا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بن رزقه، قال: أخبرنا أبو سعيد الحسن بن عبد الله السيرافي، قال:
حدثني محمد بن يحيى، عن معن بن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، قال:
كان سليمان بن عبد الملك في نادية له، فسمر ليلة على ظهر سطح، ثم تفرق عنه جلساؤه، فدعا بوضوء، فجاءت به جارية له، فبينا هي تصب عليه إذ استمدها بيده وأشار إليها فإذا هي ساهية مصغية بسمعها مائلة بجسدها كله إلى صوت غناء تسمعه في ناحية العسكر، فأمرها فتنحت واستمع هو الصوت، فإذا صوت رجل يغني، فأنصت له حتى [إذا] [2] فهم ما يغنى به من الشعر، ثم دعا جارية من جواريه غيرها، فتوضأ.
فلما أصبح أذن للناس إذنا عاما، فلما أخذوا مجالسهم أجرى ذكر الغناء ومن كان يسمعه ولين فيه حتى ظن القوم أنه يشتهيه، فأفاضوا في ذلك في التليين والتحليل والتسهيل، وذكروا من كان يسمعه من أهل المروءات وسروات [3] الناس، ثم قال: هل بقي أحد يسمع منه؟ فقال رجل من القوم: عندي رجلان من أهل أيلة حاذقان، فقال:
أين منزلك من العسكر، فأومأ إلى الناحية التي كان فيها الغناء. فقال سليمان: يبعث إليهما، فوجد الرسول أحدهما فأقبل به حتى أدخله على سليمان، فقال له: ما اسمك؟
قال: سمير، قال: فسأله عن الغناء كيف هو فيه؟ قال: حاذق محكم، قال: فمتى عهدك به؟ قال: في ليلتي هذه الماضية، قال: وفي أي نواحي العسكر كنت؟ فذكر له الناحية التي سمع فيها الصوت، قال: فما غنيت؟ قال: فذكر الشعر الذي سمع سليمان، فأقبل سليمان، يقول: هدر الجمل فضبعت [4] الناقة، وهب التيس [5] فشكرت الشاة، وهدر الحمام فرافت، [1] وغنى الرجل فطربت المرأة. ثم أمر به فخصي. وسأل عن الغناء أين أصله، وأكثر ما يكون؟ قالوا: بالمدينة وهو في المخنثين وهم الحذاق به والأئمة فيه، فكتب إلى عامله بالمدينة وهو أبو بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أن أخص [2] من قبلك من المخنثين.
قال الزبير: وأخبرني محمد بن يحيى بن موسى بن جعفر بن أبي كثير، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه مثله.
وكان ابن أبي عبلة وسليمان بن حرب يقصان عند سليمان بن عبد الملك.
وفي هذه السنة عزل سليمان بن عبد الملك عثمان بن حيان عن المدينة لسبع بقين من رمضان.
وكانت إمرته عليها ثلاث سنين. وقيل: سنتين إلا سبع ليال.
وفيها: عزل سليمان يزيد بن أبي مسلم عن العراق. [3] [وأمر عليها يزيد بن المهلب.
وفيها: جعل سليمان صالح بن عبد الرحمن على الخراج] [4] وأمره أن يقتل آل أبي عقيل ويبسط عليهم العذاب وكان يلي عذابهم عبد الملك بن المهلب.
وفيها قتل قتيبة بن مسلم بخراسان [5] وسبب قتله أن الوليد لما أراد خلع سليمان وافقه قتيبة، فلما مات الوليد خاف قتيبة من سليمان، وحذر أن يولي يزيد بن المهلب خراسان، فكتب إلى سليمان كتابا يهنئه بالخلافة، ويعزيه على الوليد [6] ، ويعلمه بلاءه وطاعته لعبد الملك والوليد، وأنه له على مثل ما كان لهما من الطاعة والنصيحة، إن لم يعزله عن خراسان. ثم كتب كتابا يعلمه فيه فتوحه وعظم قدره عند ملوك العجم، وهيبته في صدورهم، ويذم المهلب وآل المهلب، ويحلف باللَّه عز وجل لئن استعمل يزيد على خراسان ليخلعنه. ثم كتب كتابا ثالثا [فيه خلعه، وبعث بالكتب الثلاثة] [1] مع رجل من باهلة، وقال: ادفع هذا الكتاب إليه فإن قرأه وألقاه إلى يزيد فادفع هذا الكتاب إليه، وإن قرأ الأول ولم يدفعه إلى يزيد فاحتبس الكتابين الآخرين.
فقدم الرسول فدخل على سليمان وعنده يزيد بن المهلب، فدفع إليه الكتاب فقرأه ثم رمى به إلى يزيد، ثم دفع إليه الكتاب الثاني فقرأه ثم رمى به إلى يزيد، فأعطاه الثالث فتمعر لونه [2] ، ثم دعا بطين فختمه ثم أمسكه بيده، ثم أمر بالرسول إلى دار الضيافه، فلما أمسى دعا به فأعطاه دنانير وقال: هذه جائزتك، وهذا عهد صاحبك على خراسان فسر، وهذا رسولي معك بعهده. فخرج فلما كان بحلوان تلقاهم الناس بخلع قتيبة لسليمان، وكان قتيبة قد خلعه ودعا الناس إلى خلعه، فكره الناس خلع سليمان، فصعد قتيبة المنبر وسب الناس لكونهم لم يوافقوه، واجتمعوا على خلافه وخلعه، ثم قتلوه.
وفي هذه السنة عزل سليمان خالد بن عبد الله القسري عن مكة وولاها طلحة بن داود الحضرمي [3] .
وفيها: غزا مسلمة بن عبد الملك أرض الصائفة ففتح حصنا يقال له: حصن عوف.
وفيها: حج بالناس [4] أبو بكر محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، وهو الأمير [5]

على المدينة، وكان على مكة عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد. وعلى حرب العراق وصلاتها يزيد بن المهلب، وعلى خراجها صالح بن عبد الرحمن، وعلى البصرة سفيان بن عبد الله الكندي من قبل يزيد بن المهلب، وعلى قضاء البصرة عبد الرحمن ابن أذينة، وعلى قضاء الكوفة أبو بكر بن أبي موسى، وعلى حرب خراسان [1] وكيع بن أبي بردة [2] .






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید