المنشورات

غزا يزيد بن المهلب جرجان وطبرستان

في مائة ألف مقاتل سوى الموالي والمتطوعين. وجاء فنزل بدهستان فحاصرها ومنع عنهم المواد، فبعث إليه ملكهم: إني أريد أن أصالحك على أن تؤمنني على نفسي وأهل بيتي ومالي، وأدفع إليك المدينة وما فيها وأهلها. فصالحه ووفى له ودخل المدينة، وأخذ ما كان فيها من الأموال والكنوز، ومن السبي ما لا يحصى، وقتل أربعة عشر ألف تركي صبرا، وكتب بذلك إلى سليمان بن عبد الملك، ثم خرج حتى أتى جرجان، وقد كانوا يصالحون أهل الكوفة على مائة ألف، ومائتي ألف، وثلاثمائة ألف، وقد كانوا صالحوا سعيد بن العاص، ثم امتنعوا وكفروا، فلم يأت بعد سعيد إليهم أحد، ومنعوا ذلك الطريق فلم يسلكه أحد إلا على وجل [وخوف] [3] منهم.
فلما أتاهم يزيد استقبلوه بالصلح، فاستخلف رجلا. ودخل طبرستان، فعرض ملكها عليه الصلح [4] ، فصالحه على سبعمائة ألف درهم- أو أربعمائة ألف درهم- نقدا، وثلاثمائة ألف مؤجلة، وأربعمائة ألف حمار موقرة زعفران، وأربعمائة رجل على رأس كل رجل برنس، وعلى البرنس [5] طيلسان وجام من فضة وسرقة من حرير.
وكان شهر بن حوشب على خزائن يزيد بن المهلب، فرفع إليه أنه أخذ خريطة فسأله عنها، فأتاه بها، فقال: هي لك، فقال: لا حاجة لي فيها، فقال القطامي: [6]
لقد باع شهر دينه بخريطة ... فمن يأمن القراء بعدك يا شهر؟!
وكان فيما أصاب يزيد بن المهلب بجرجان تاج فيه جوهر، فقال: أترون أحدا يزهد في هذا التاج؟ قالوا: لا، فدعا محمد بن واسع فقال: خذ هذا التاج فهو لك، قال: لا حاجة لي فيه، قال: عزمت عليك إلا أخذته، فأخذه، وخرج فأمر يزيد رجلا ينظر ما يصنع به، فلقي سائلا فدفعه إليه، فأخذه الرجل السائل، فأتى به يزيد، فأخذ يزيد التاج وعوض السائل مالا.
وكان سليمان يقول ليزيد بن المهلب كلما رأى قتيبة يفتح حصنا: أما ترى ما يصنع الله عز وجل على يدي قتيبة؟ فيقول يزيد: الشأن في جرجان. فلما ولي لم يكن له همة غير جرجان، فجاء فصالحوه على ما ذكرنا.
ثم إنهم غدروا بجنده، فقتلوا منهم، ونقضوا العهد، فأعطى الله عهدا لئن ظفر بهم لا يرفع عنهم السيف [1] حتى يطحن بدمائهم ويختبز من ذلك الطحين ويأكل.
فنزل عليها سبعة أشهر لا يقدر منهم على شيء، ولا يعرف لها مأتى إلا من وجه واحد، فكانوا يخرجون فيقاتلونهم ويرجعون إلى حصنهم، فدله رجل على [طريق] [2] آخر يشرف عليهم، فبعث معه جندا، ونهض هو لقتالهم [3] ، فركبهم المسلمون، فأعطوا بأيديهم ونزلوا على حكمه، فسبى ذراريهم وقتل مقاتليهم وصلبهم على الشجر عن يمين الطريق ويساره، وقاد منهم اثني عشر ألفا إلى الوادي فقتلوا فيه، فأجرى فيه دماءهم [4] وأجرى فيه الماء وعليه أرحاء، فطحن واختبز وأكل، وبنى مدينة جرجان، ولم تكن قبل ذلك مدينة، واستعمل عليهم جهم بن زحر الجعفي، ورجع إلى خراسان، وكتب يزيد إلى سليمان [5] :
بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد، فإن الله تعالى ذكره قد فتح لأمير المؤمنين فتحا عظيما، وصنع للمسلمين أحسن الصنع، فلربنا الحمد [6] على نعمه وإحسانه،وأظهر في خلافة أمير المؤمنين على جرجان وطبرستان، وقد أعيا ذلك سابور ذا الأكتاف، وكسرى بن قباد، وكسرى بن هرمز، وأعيا الفاروق عمر بن الخطاب، وذا النورين ومن بعدهما، حتى فتح الله سبحانه ذلك لأمير المؤمنين، كرامة من الله عز وجل له، وزيادة في نعمه عليه، وقد صار عندي من خمس ما أفاء الله عز وجل على المسلمين بعد أن صار إلى كل ذي حق حقه من الفيء والغنيمة سبعة [1] آلاف ألف، وأنا حامل ذلك إلى أمير المؤمنين إن شاء الله.
وفي هذه السنة كثرت الزلازل ودامت ستة أشهر. وفتح حصن المرأة مما يلي ملطية.
وفيها: حج بالناس [2] عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد، وهو يومئذ أمير على مكة. وكان عمال الأمصار هم الذين كانوا في السنة التي قبلها، غير أن عامل ابن المهلب على البصرة كان سفيان بن عبد الله الكندي.






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید