المنشورات

عمر بن عبد العزيز:

قد ذكرنا أنه لما تولى قام بالعدل فكانت بنو أمية قد ألفوا التخليط وخافوا أن يعهد إلى غيرهم، فسموه فمرض عشرين يوما.
أخبرنا الحسن بْن محبوب، قَالَ: أَخْبَرَنَا طراد بْن مُحَمَّد، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو الحسين بن بشران إذنا، أن الحسين بن [4] صفوان [5] حدثهم قال: حدثنا أبو عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد القرشي، قَالَ: حَدَّثَنِي محمد بن الحسين [6] ، قال: هشام بن عبد الله الرازي، قال: حدثنا أبو زيد الدمشقي، قال:
لما ثقل عمر بن عبد العزيز دعي له بطبيب، فلما نظر إليه قال: أرى الرجل قد سقي السم فلا آمن عليه الموت، فرفع عمر [1] بصره وقال: ولا تأمن الموت أيضا على من لم يسق [2] السم؟ قال: فتعالج يا أمير المؤمنين فإني أخاف أن تذهب نفسك، قال:
ربي خير مذهوب إليه، والله لو علمت أن شفائي عند شحمة أذني ما رفعت يدي إلى أذني فتناولته، اللَّهمّ خر لعمر في لقائك [3] . فلم يلبث إلا أياما حتى مات.
أنبأنا زاهر بن طاهر، قَالَ [4] : أخبرنا أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الحاكم، قال: أخبرني محمد بن الحسن بن الحسين بن منصور، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عبد الوهاب، قال: سمعت علي بن هشام يقول:
لما سم عمر بن عبد العزيز قال للخادم الذي سمه: لم سممتني؟ قال: أعطاني فلان ألف دينار على أن أسمك، قال: أين الدنانير؟ قال: هي هاهنا، فأتى بها فوضعها في بيت مال المسلمين، وقال للخادم: اذهب، ولم يعاقبه.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ أَحْمَدَ، قال: أخبرنا حمد بْنُ [5] أحمد الحداد، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم أحمد بن عبد الله، قال: حدثنا أبو محمد بن حيان، قال: حدثنا أحمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم، قال: حدثني أبو إسحاق، قال:
حدثنا محمد بن الحسين، قال: [6] حدثنا هاشم، قال:
لما كانت الصرعة التي هلك فيها عمر بن عبد العزيز دخل عليه مسلمة بن عبد الملك، فقال: يا أمير المؤمنين، إنك أفقرت أفواه ولدك من هذا المال فتركتهم عيلة لا شيء لهم، فلو أوصيت بهم إلي وإلى نظرائي من أهل بيتك. فقال: أسندوني، ثم قال: ما منعتهم حقا هو لهم، ولم أعطهم ما ليس لهم، وإن وصيتي فيهم و (وَلِيِّيَ الله الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ، وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) 7: 196 [7] بني أحد رجلين: إما رجل يتقي الله فيجعل الله له مخرجا، وإما رجل مكب على المعاصي فلم أكن أقويه على معصية الله عز وجل.

ثم بعث إليهم وهم بضعة عشر ذكرا، فنظر إليهم فذرفت عيناه فبكى، ثم قال:
بنفسي الفتية الذين تركتهم عيلة لا شيء لهم، وإني بحمد الله قد تركتهم بخير، أي بني إن أباكم مثل بين أمرين: أن تستغنوا ويدخل [أبوكم] [1] النار، أو تفتقروا ويدخل الجنة، فكان أن تفتقروا ويدخل الجنة أحب إليه، قوموا عصمكم [الله] .
قال أبو نعيم: حدثنا أبو حامد بن جبلة، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إسحاق، قَالَ:
حَدَّثَنَا عباس بن أبي طالب، قال: حدثنا الحارث بن بهرام، قال: حدثنا النضر، قال:
حدثني ليث أن عمر قال في مرضه:
أجلسوني، فأجلسوه، فقال: أنا الذي أمرتني فقصرت، ونهيتني فعصيت، ولكن لا إله إلا الله، ثم رفع رأسه وأحد النظر وقال: إني أرى حضرة ما هم بإنس ولا جن. ثم قبض رضي الله عنه.
ورثاه جماعة، فقال كثير يرثيه:
عمت صنائعه وعم هلاكه ... فالناس فيه كلهم مأجور
والناس مأتمهم عليه واحد ... في كل دار رنّة وزفير
يثني عليك لسان من لم توله ... خيرا لأنك بالثناء جدير
ردت صنائعه عليه حياته ... فكأنه من نشرها منشور
توفي عمر لعشر ليال بقين من رجب هذه السنة- وقيل لخمس بقين- وهو ابن تسع وثلاثين سنة وأشهر، وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر. ومات بدير سمعان، واشترى موضع قبره هناك فدفن فيه.
أَخْبَرَنَا عَبْد الوهاب بْن المبارك الحافظ، قَالَ: أخبرنا أبو الحسين [2] بن عبد الجبار، قال: أخبرنا مُحَمَّد بْن عَلِيّ الخياط، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن يوسف، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْن صفوان، قال: أخبرنا أبو بكر القرشي، قال: حدثنا مُحَمَّد بْن الحُسَيْن، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أيوب، قال: حدثني يزيد بن محمد بن مسلمة، قال:
حدثني مولى لنا، قال:
بكت فاطمة بنت عبد الملك حتى عشي بصرها، فدخل عليها أخواها مسلمة وهشام، فقالا: ما هذا الأمر الذي دمت عليه؟ أجزعك على بعلك فأحق من جزع على مثله، أم على شيء فاتك من الدنيا فها نحن بين يديك وأموالنا وأهلونا، فقالت: ما من كل جزعت، ولا على واحد منهما أسفت، ولكني والله رأيت منه ليلة منظرا، فعلمت أن الذي أخرجه إلى الذي رأيت منه، رأيت منه هولا عظيما قد أسكن في قلبه معرفته، قالا: وما رأيت منه؟ قالت: رأيته ذات ليلة قائما يصلي، فأتى على هذه الآية: (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) 101: 4- 5 [1] . فصاح: وا سوء صباحاه، ثم [وثب] فسقط، فجعل يخور حتى ظننت أن نفسه ستخرج، ثم هدأ فظننت أنه قد قضى، ثم أفاق إفاقة فنادى: وا سوء صباحاه، ثم وثب وجعل يجول في الدار ويقول: ويلي من يوم يكون الناس فيه كالفراش المبثوث وتكون الجبال كالعهن المنفوش.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید