المنشورات

سنة اثنتين ومائة

فمن الحوادث فيها أن يزيد بن عبد الملك بعث [1] العباس بن الوليد بن عبد الملك ومسلمة بن عبد الملك إلى حرب يزيد بن المهلب، فخرج يزيد من واسط للقائهما، واستخلف بها ابنه معاوية بن يزيد، وجعل عنده الخزائن وبيت المال وقدم بين يديه أخاه عبد الملك، فاستقبله العباس بسورا، فاقتتلوا فشد عليهم أهل البصرة فكشفوهم وسقط إلى يزيد ناس كثير من أهل الكوفة ومن الجبال والثغور، فقام فيهم [2] فقال: قد ذكر لي أن هذه الجرادة الصفراء- يعني مسلمة بن عبد الملك- وعاقر ناقة صالح [3]- يعني العباس بن الوليد، وكان العباس أزرق أحمر وكانت أمه رومية- والله لقد كان سليمان أراد أن ينفيه حتى كلمته فيه فأقره على نسبه، بلغني أنه ليس يهمهما إلا التماسي في الأرض، والله لو جاءوا بأهل الأرض جميعا وليس إلا أنا، ما برحت العرصة حتى تكون لي أولهم.
وكان الحسن البصري يثبط الناس عن يزيد بن المهلب، فقام مروان بن المهلب خطيبا وأمر الناس بالجد والجهاد [4] ، ثم قال: لقد بلغني أن هذا الشيخ الضال المرائي- ولم يسمه- يثبط الناس عنا، والله لو أن جاره [5] نزع من خص داره [6] قصبة لظل يرعف أنفه. ولم يدع الحسن كلامه ذلك.
فلما اجتمع يزيد بن المهلب ومسلمة أقاما ثمانية أيام حتى إذا كان يوم الجمعة لأربع عشرة مضت من صفر عبأ مسلمة جنود الشام، ثم ازدلف بهم نحو يزيد، [وبعث مسلمة فأحرق الجسر فانهزم أصحاب يزيد] [1] وتسللوا وهو يزدلف، فكلما مر بخيل كشفها، فجاءه أبو رؤبة فقال له [2] : هل لك أن تنصرف إلى واسط فإنها حصن فتنزلها ويأتيك مدد أهل البصرة وأهل عمان والبحرين في السفن، وتضرب خندقا، فقال: قبح الله رأيك، إلي تقول هذا؟ إن الموت أيسر علي من ذلك، وبرز فقتل وقتل أخوه [محمد] [3] ، فبعث برأسه إلى يزيد بن عبد الملك، فلما بلغ خبر الهزيمة إلى واسط أخرج معاوية بن يزيد بن المهلب اثنين وثلاثين أسيرا كانوا عنده، فضرب أعناقهم، منهم عدي بن أرطأة.
ثم أقبل حتى أتى البصرة [4] ومعه المال والخزائن، وجاء المفضل بن المهلب، واجتمع جميع أهل المهلب بالبصرة، فحملوا عيالاتهم وأموالهم في السفن البحرية، ثم لججوا [5] في البحر، ومضوا إلى قندابيل، ورجع قوم فطلبوا الأمان، وبعث مسلمة في آثارهم هلالا التميمي، فلحقهم بقندابيل، ومنعهم قندابيل الدخول، فالتقوا فقتلوا عن آخرهم سوى رجلين، ولما فرغ مسلمة من حرب يزيد بن المهلب جمع له يزيد بن عبد الملك ولاية الكوفة والبصرة وخراسان في هذه السنة.
وفيها: [6] غزا المسلمون الصغد [7] والترك، وكانت الوقعة بينهم بقصر الباهلي [8] .
وفيها: عزل مسلمة بن عبد الملك عن العراق وخراسان، وانصرف إلى الشام.
وكان سبب ذلك أنه لما ولي أرض العراق وخراسان لم يرفع شيئا من الخراج،فأراد يزيد عزله فاستحيا منه، فكتب إليه أن استخلف على عملك وأقبل، فشاور في ذلك عبد العزيز بن حاتم، فقال له: إنك لا تخرج من عملك حتى تلقى الوالي عليه.
فشخص فلقيه عمر بن هبيرة على دواب البريد، فقال: إلى أين يا ابن هبيرة؟ فقال:
وجهني أمير المؤمنين في حيازة أموال بني المهلب، وإنما أراد تغطية الحال عنه، فما لبث حتى جاءه الخبر بعزل ابن هبيرة عماله والغلظة عليهم.
وفيها: غزا عمر بن هبيرة الروم بأرمينية، فهزمهم وأسر منهم سبعمائة أسير [1] .
وفيها: قتل يزيد بن أبي مسلم بأفريقية وهو وال عليها.
وسبب ذلك أنه كان قد عزم أن يسير فيهم بسيرة الحجاج فقتلوه، وأعادوا الوالي قبله، وهو محمد بن يزيد مولى الأنصار وكتبوا إلى يزيد: إنا لم نخلع أيدينا من الطاعة، ولكن يزيد بن أبي مسلم سامنا ما لا يرضاه الله تعالى فقتلناه وأعدنا عاملك، فكتب إليهم: إني لم أرض ما صنع يزيد، وأقر محمد بن يزيد على [عمله] [2] بإفريقية.
وفيها: [3] حج بالناس عبد الرحمن بن الضحاك وهو العامل على المدينة، وكان على مكة عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد، وعلى الكوفة محمد بن عمرو، وعلى قضائها القاسم بْن عَبْد الرحمن بْن عَبْد اللَّه بْن مسعود، وعلى البصرة عبد الملك ابن بشر بن مروان، وعلى خراسان سعيد بن عبد العزيز [4] بن الحارث بن الحكم بن أبي العاص، وعلى مصر أسامة بن زيد.






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید