المنشورات

جرير بن عطية بن الخطفي، والخطفي لقب، واسمه حذيفة بن بدر بن سلمة بن كلب بن يربوع بن مالك بن حنظلة، أبو جزرة الشاعر

ولد جرير لسبعة أشهر، وعمر نيفا وثمانين سنة، وكان له ثمانية ذكور وابنتان. وهو والفرزدق والأخطل مقدمون على شعراء الإسلام الذين لم يدركوا الجاهلية، والناس مختلفون [2] أيهم المقدم، وكل من تعرض لمضاهاتهم من الشعراء افتضح وسقط، على أن الأخطل إنما دخل بين جرير والفرزدق في آخر أمرهما وقد أسن وليس من نجارهما [3] .
وكان أبو عمرو الشيباني يشبه جريرا بالأعشى، والفرزدق بزهير، والأخطل بالنابغة.
قال أبو عبيدة [4] : ويحتج من قدم جريرا بأنه كان أكثرهم [5] فنون شعر، وأسهلهم ألفاظا، وأرقهم تشبيبا، وكان دينا عفيفا.
وقال بعض العرب: الشعر أربعة أصناف: فخر، ومدح، ونسيب [6] ، وهجاء.
وفي كلها غلب جرير.
قال في الفخر:
إذا غضبت عليك بنو تميم ... حسبت الناس كلهم غضابا
وقال في المديح:
ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح
وقال في التشبيب:
إن العيون التي في طرفها [1] مرض [2] ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
وقال في الهجاء:
فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا
وقال العتبي: قال جرير [3] : ما عشقت قط، ولو عشقت لتشببت تشببا [4] تسمعه العجوز فتبكي على ما فاتها من شبابها.
وكان جرير يهاجي الفرزدق، فلقيه في طريق الحج، فقال الفرزدق: والله لأفسدن عليه إحرامه، فقال له:
فإنك لاق بالمشاعر من منى ... فخارا فخبرني بمن أنت فاخر
فقال جرير: لبيك اللَّهمّ لبيك.
أخبرنا ابن ناصر، قال [5] : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ [أَبِي] [6] مَنْصُورٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جعفر بن يحيى الحكاك، قال: أخبرنا القاضي أبو الحسن محمد بن علي بن صخر، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عدي بن جزء، قال: حدثنا سليمان بن إبراهيم الهاشمي، قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل بن الهادي، عن أبي يعقوب بن السكيت، عن أبيه، قال:
ذكروا أن جرير بن الخطفي دخل على عبد الملك بن مروان فقال له: يا أمير المؤمنين إني قد مدحتك بثلاثة أبيات ما قالت العرب مثلها، ولست أنشدك كل بيت إلا بعشرة آلاف، قال: هاتها للَّه أبوك، فأنشأ جرير يقول:
رأيتك أمس خير بني معد ... وأنت اليوم خير منك أمس
ونبتك في المنابت خير نبت ... وغرسك في المغارس خير غرس
وأنت غدا تزيد الضعف ضعفا ... كذاك تزيد سادة عبد شمس
فأمر له بثلاثين ألف درهم، وخرج فلقيه يحيى بن معبد، فقال: يا أبا جزرة، ما لنا فيك نصيب، قال له: كل بيت بعشرة آلاف درهم، فقال له: قل، فأنشأ يقول:
إذا قيل من للجود والفضل والندى ... فناد بأعلى الصوت يحيى بن معبد
فقال له: زدنا يا أبا حزرة، فقال: دع ذا عنك، كل شيء وحسابه.
وقد ذكرنا أن هذه الأبيات السينية للأعشى، وأنه أنشدها عبد الملك.
ومن مستحسن شعر جرير [1] :
إلى الله أشكو أن بالغور حاجة ... وأخرى إذا أبصرت نجدا بدا ليا
إذا اكتحلت عيني بعينك لم تزل [2] ... بخير وجلى غمرة عن فؤاديا
فقولا لواديها الذي نزلت به [3] ... أوادي ذي القيصوم أمرعت واديا [4]
فيا حسرات القلب في إثر من يرى ... قريبا ويلفي [خيره] منك قاصيا [5]
فأنت أبي ما لم تكن لي حاجة ... فإن عرضت أيقنت أن لا أباليا
وإني لأستحيي أخي أن أرى له ... علي من الفضل الذي لا يرى ليا
وله أيضا [6] :
بان الخليط ولو طوعت ما بانا ... وقطعوا من حبال الوصل أقرانا
حي المنازل إذ لا نبتغي بدلا ... بالدار دارا ولا الجيران جيرانا
يا أم عمرو جزاك الله مغفرة ... ردي علي فؤادي كالذي كانا
قد خنت من لم يكن يخشى خيانتكم ... ما كنت أوّل موثوق به خانا
أبدل الليل لا تسري كواكبه ... أم طال حتى حسبت النجم حيرانا
إن العيون التي في طرفها مرض ... قتلننا ثم لا يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به [1] ... وهن أضعف خلق الله أركانا
أتبعتهم مقلة إنسانها غرق ... هل ما ترى تارك للعين إنسانا
يا حبذا جبل الريان من جبل ... وحبذا ساكن الريان من كانا
هل يرجعن وليس الدهر مرتجعا ... عيش لنا طالما [2] احلولى وما لانا
وله أيضا [3] :
ما للمنازل لا يجبن حزينا ... أصممن أم قدم المدى فبلينا
إن الذين تحملوا لك هيجوا [4] ... وشلا بعينك ما يزال معينا
غيضن من عبراتهن وقلن لي ... ماذا لقيت من الهوى ولقينا
ولقد تسقطني الوشاة فصادفوا ... حصرا بسرك يا أميم [5] ضنينا
أرعى كما يرعى بغيب سركم ... فإذا بخلت بنايل فعدينا
قد هاج ذكرك والصبابة والهوى ... داء تمكن في الفؤاد مكينا
وله أيضا [6] :
لما تذكرت بالديرين أرقني ... صوت الدجاج وقرع بالنواقيس
فقلت للركب إذ جد الرحيل بنا ... ما بعد يبرين من باب الفراديس
هل دعوة من جبال الثلج مسمعة ... أهل الإياد وحيا بالنباريس
يخزى الوشيظ إذا قال الصميم لهم ... عدوا الحصى ثم قيسوا بالمقاييس
وابن اللبون إذا ما لز في قرن ... لم يستطع صولة البزل القناعيس
قد جربت عركي في كل معترك ... غلب الأسود فما بال الضّغابيس
توفي جرير باليمامة بعد الفرزدق بأربعين يوما في هذه السنة.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید