المنشورات

همام بن غالب بن صعصعة بن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم، واسم دارم بحر بن مالك، أبو فراس، وهو الفرزدق الشاعر

شبه وجهه بالخبزة، وهي فرزدقة، فقيل: الفرزدق، وكان جده صعصعة يستحيي الموءودات في الجاهلية فجاء الإسلام وقد استحيا ثلاثمائة. وقد سبق ذكره.
وقال الفرزدق:
وجدي الذي منع الوائدين ... وأحيا الوئيد فلم يوأد
سمع الفرزدق من علي، وابن عمر، وأبي سعيد، وأبي هريرة، وروى عنهم.
وسئل عن سنه [2] فقال: لا أدري لكن قذفت المحصنات في أيام عثمان.
وروى أعين بن لبطة بن الفرزدق، عن أبيه، عن جده الفرزدق، قال: دخلت مع أبي على عَلي بْن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عنه [3] ،. فقال له: من أنت؟ فقال: غالب بن صعصعة المجاشعي، قال: ذو الإبل الكثيرة؟ قال: نعم، قال: ما فعلت إبلك؟ قال:
نكبتها النوائب، ودعدتها الحقوق، قال: ذاك خير من سبلها، من هذا الفتى معك؟
قال: هذا ابني وهو شاعر، قال: علمه القرآن خير له من الشعر. قال لبطة: فما زال في نفس أبي حتى شد نفسه فحفظ القرآن. أنبأنا علي بن عبيد الله، قال: أنبأنا أحمد بن محمد بن النقور، قال: حدثنا عيسى بن علي، قال: قرئ على أبي عبد الله محمد بن مخلد قيل له: حدثكم أبو بكر محمد بن إسحاق الصاغاني، قال: حدثنا أبو حفص الفلاس، قال: حدثنا عبد الله بن سوار، قال: حدثنا معاوية بن عبد الكريم، عن أبيه، قال:
دخلت على الفرزدق فتحرك فإذا في رجليه قيد، قلت: ما هذا يا أبا فراس؟ قال:
حلفت ألا أخرجه من رجلي حتى أحفظ القرآن.
أنبأنا علي بن عبيد الله، قَالَ: أنبأنا أبو الحسين بن المهدي، قال: أنبأنا ابن المأمون، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر بْن الأنباري، قال: حدثنا الكديمي، قال: حدثنا عبد الله بن سوار، قال:
أولاد الفرزدق لبطة وسبطة وحبطة والحنطبا قال أبو علي الحرمازي [1] : كانت النوار وهي بنت أعين بن ضبيعة [2] المجاشعي، وكان قد وجهه علي بن أبي طالب إلى البصرة أيام الحكمين، فقتله الخوارج غيلة، فخطب ابنته النوار رجل من قريش، فبعثت إلى الفرزدق، وكانت بنت عمه، فقالت: أنت ابن عمي وأولى الناس بي وبتزويجي، فزوجني من هذا الرجل، قال: لا أفعل أو تشهدي أنك قد رضيت بمن زوجتك، ففعلت. فلما اجتمع الناس حمد الله وأثنى عليه ثم قال: قد علمتم أن النوار قد ولتني أمرها، وأشهدكم أني قد زوجتها من نفسي على مائة ناقة حمراء سود الحدق، فنفرت من ذلك واستعدت عليه ابن الزبير فقال له: وفها صداقها، ففعل ودفعها إليه، فجاء بها إلى البصرة وقد أحبلها، ومكثت عنده زمانا ترضى عنه أحيانا وتخاصمه أحيانا، ثم لم تزل به حتى طلقها وشرط ألا تبرح منزله ولا تتزوج بعده، وأشهد على طلاقها الحسن، ثم قال: يا أبا سعيد قد ندمت، فقال: إني والله لأظن [3] أن دمك يترقرق، والله لئن رجعت لنرجمنك بأحجارك، فمضى وهو يقول:
ندمت ندامة الكسعي لما ... غدت مني مطلقة نوار
فلو أني ملكت يدي وقلبي ... لكان علي للقدر الخيار
وكانت جنتي فخرجت منها ... كآدم حين أخرجه الضرار
وكنت كفاقئ عينيه عمدا ... فأصبح ما يضيء له النهار
وحكى الفرزدق قال [4] : رأيت أثر دواب قد خرجت ناحية البرية، فظننت أن قوما خرجوا لنزهة فتبعتهم، فإذا نسوة مستنقعات في غدير، فقلت: لم أر كاليوم [5] ، ولا يوم دارة جلجل، فانصرفت مستحييا منهن، فنادينني: باللَّه يا صاحب البغلة ارجع نسألك عن شيء، فانصرفت إليهن وهن في الماء إلى حلوقهن، فقلن: باللَّه حدثنا بحديث دارة جلجل، فقلت: إن امرأ القيس كان يهوى بنت عم له يقال لها: عنيزة، فطلبها زمانا فلم يصل إليها حتى كان يوم الغدير وهو يوم دارة جلجل، وذلك أن الحي احتملوا، فتقدم الرجال، وتخلف النساء والخدم والثقل، فلما رأى ذلك امرؤ القيس تخلف بعد ما سار الرجال غلوة [1] ، فكمن في غابة [2] من الأرض حتى مر به النساء، فإذا فتيات وفيهن عنيزة، فلما وردن الغدير قلن: لو نزلنا، فذهب بعض كلالنا فنزلن إليه، ونحين العبيد عنهن [3] ، ثم تجردن واغتمسن في الغدير كهيئتكن الساعة، فأتاهن امرؤ القيس محتالا كنحو ما أتيتكن وهن غوافل، فأخذ ثيابهن فجمعها ورمى الفرزذق نفسه عن بغلته، فأخذ بعض أثوابهن فجمعها- وقال لهن كما أقول لكن: والله لا أعطي جارية منكن ثوبها ولو أقامت في الغدير يومها حتى تخرج إلي مجردة [4] . فقال الفرزدق: فقالت إحداهن: هذا امرؤ القيس، كان عاشقا لابنة عمه، أفعاشق أنت لبعضنا؟ فقلت: لا والله ولكني اشتهيتكن، قال: فتأبين أمري [5] حتى تعالى النهار وخشين أن يقصرن دون المنزل، فخرجت إحداهن، فدفع إليها ثوبها ووضعه ناحية، فأخذته ولبسته، وتتابعن على ذلك حتى بقيت عنيزة وحدها، فناشدته الله أن يطرح لها ثوبها، فقال: دعينا منك، فأنا حرام إن أخذت ثوبك إلا بيدك. قال: فخرجت فنظر إليها مقبلة ومدبرة، فأخذت ثوبها، وأقبلن عليه يعذلنه ويلمنه ويقلن: عريتنا وحبستنا وجوعتنا، قال: فإن نحرت لكن ناقتي، أتأكلن منها؟ قلن: نعم، فاخترط سيفه فعقرها ونحرها وكشطها وصاح بخدمهن، فجمعوا له حطبا، فأجج نارا عظيمة، وجعل يقطع لهن من سنامها وأطائبها وكبدها، فيلقيه على الجمر فيأكل ويأكلن معه، فلما أراد الرحيل قالت إحداهن: أنا أحمل طنفسته [1] ، وقالت الأخرى: أنا أحمل رحله، وقالت الأخرى: أنا حشيته وأنساعه، فتقاسمن رحله بينهن، وبقيت عنيزة، فقال لها [امرؤ القيس] [2] : يا ابنة الكرام، لا بد أن تحمليني معك فإني لا أطيق المشي وليس من عادتي، فحملته على غارب بعيرها، فكان يدخل رأسه في خدرها فيقبلها، فإذا امتنعت مال حدجها [3] ، فتقول: يا امرأ القيس عقرت بعيري فانزل، فذلك قوله:
تقول وقد مال الغبيط بنا معا ... عقرت بعيري يا امرأ القيس فانزل
فلما فرغ الفرزدق من حديثه قالت إحداهن: اصرف وجهك عنا ساعة، وهمست إلى صويحباتها [4] بشيء لم أفهمه، فانغططن في الماء وخرجن ومع كل واحدة منهن ملء كفها طينا، قال: فجعلن يتعادين نحوي ويضربن بذلك الطين والحمأة [5] وجهي وثيابي وملأن عيني، فوقعت على وجهي مشغولا بعيني وما فيها، فأخذن ثيابهن وركبن، وركبت تلك الماجنة بغلتي وتركتني ملقى بأقبح حال، فغسلت وجهي وثيابي وانصرفت عند مجيء الظلام إلى منزلي ماشيا وقد وجهن بغلتي إلى بيتي وقلن للرسول: قل له تقول لك أخواتك: طلبت منا ما لم يمكنا، وقد وجهنا إليك بزوجتك فافعل بها سائر ليلتك، وهذا كسر درهم يكون لحمامك إذا أصبحت. فكان يقول: ما منيت بمثلهن.
قال علماء السير: لقي الفرزدق الحسن عند قبر، فقال له الحسن: ما أعددت لهذا اليوم؟ قال: أعددت له شهادة أن لا إله إلا الله منذ ثمانين سنة.
فتوفي الفرزدق في سنة إحدى عشرة ومائة، وقد قارب المائة. وكانت علته الدبيلة، فرآه ابنه لبطة في النوم، فقال له: يا بني نفعتني الكلمة التي راجعت بها الحسن عند القبر.
وقال أبو عبيدة: مات الفرزدق سنة عشر وقد نيف على التسعين، كان منها خمس وسبعون يباري الشعراء فبذهم، وما ثبت له غير جرير.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید