المنشورات

عطاء بن أبي رباح، أبو محمد، واسم أبي رباح: أسلم المكي، وهو مولى الجنيد

ولد لسنتين مضتا من خلافة عثمان، وكان أسود شديد السواد، أعور أفطس أعرج، ثم عمي في آخر عمره، إلا أنه كان فصيحا عالما فقيها، أدرك أبا جحيفة وشهد جنازة زيد بن أرقم.
وروى عن ابن عمر، وابن عمرو، وأبي سعيد، وأبي هريرة، وزيد بن خالد، وابن عباس، وابن الزبير.
روى عنه: عمرو بن دينار، والزهري، وقتادة، وأيوب.
وحج سبعين حجة، وكان ينادي في زمن بني أمية بمكة: لا يفت الناس إلا عطاء بن أبي رباح، فإن لم يكن فعبد الله بن أبي نجيح.
أَخْبَرَنَا محمد بْن أبي طاهر قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو محمد الجوهري قال: حدثنا أبو عمرو بن حيوية قال: حدثنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحسين بن الفهم قال:
حدثنا محمد بن سعد قال: أخبرنا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سلمة بن كهيل قال [2] :
ما رأيت أحدا يريد بهذا العلم وجه الله غير هؤلاء الثلاثة: عطاء، وطاووس، ومجاهد.
عن معاذ بن سعيد [3] قال: كنا عند عطاء بن أبي رباح فتحدث رجل بحديث فاعترض له آخر في حديثه، فقال عطاء: سبحان الله، ما هذه الأخلاق!؟ إني لأسمع الحديث من الرجل وأنا أعلم به، فأريه إني لا أحسن منه شيئا.
أَخْبَرَنَا إسماعيل بْن أَحْمَد السمرقندي قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو محمد بن أبي عثمان قال:
أخبرنا أبو الحسن بن الصلت قال: أخبرنا أبو الحسين بن المنادي قال: حدثنا الصاغاني قال: أخبرنا معلى بن عبيد [4] قال: دخلنا على محمد بن سوقة فقال: أحدثكم بحديث لعله ينفعكم، فإنه قد نفعني، ثم قال: قال لنا عطاء بن أبي رباح: يا بني أخي، إن من كان قبلكم كانوا يكرهون فضول الكلام، أتنكرون أن عليكم حافظين، أما يستحي أحدكم أن لو نشرت عليه صحيفته التي أملى صدر نهاره، كان أكثر ما فيها ليس من أمر دينه ولا دنياه.
أخبرنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارَكِ الأَنْمَاطِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا جعفر بن أحمد قال: أخبرنا عبد العزيز بن الحسن بن إسماعيل الغراب قَالَ: أخبرنا أَبِي قَالَ: أخبرنا أحمد بن مروان المالكي قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن إِسْحَاق الحربي قَالَ: حدثنا الرياشي قال:
سمعت الأصمعي يقول:
دخل عطاء بن أبي رباح على عبد الملك بن مروان وهو جالس على سريره وحواليه الأشراف من كل بطن، وذلك بمكة في وقت حجه في خلافته، فلما نظر إليه قام إليه وأجلسه معه على السرير وقعد بين يديه وقال له: يا أبا محمد، حاجتك؟ قال: يا أمير المؤمنين، اتق الله في حرم الله وحرم رسوله، فتعاهده بالعمارة، واتق الله في أولاد المهاجرين والأنصار فأنت بهم أجلست [1] هذا المجلس، واتق الله في أهل الثغور، فإنهم حصن المسلمين، وتعهد أمور المسلمين فإنك وحدك المسئول عنهم، واتق الله فيمن على بابك، ولا تغفل عنهم، ولا تغلق دونهم بابك. فقال له: أفعل. ثم نهض فقبض عليه عبد الملك فقال: يا أبا محمد، إنما سألتنا حوائج غيرك، وقد قضيناها، فما حاجتك؟ فقال: ما لي إلى مخلوق حاجة. ثم خرج، فقال عبد الملك: هذا وأبيك الشرف، هذا وأبيك السؤدد.
أخبرنا عبد الحق بن عبد الخالق قال: حدثنا محمد بن مرزوق قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: حدثنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ الْقُطَيْعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس الخراز قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أيوب سليمان بن إسحاق الجلاب قَالَ: قال إبراهيم الحربي:
كان عطاء عبدا أسود لامرأة من أهل مكة، وكان أنفه كأنه باقلاء.
قال: وجاء سليمان بن عبد الملك أمير المؤمنين إلى عطاء هو وابناه، فجلسوا إليه وهو يصلي، فلما صلى انفتل إليهما، فما زالوا [1] يسألونه عن مناسك الحج، وقد حول قفاه إليهم ثم قال سليمان لابنيه: قوما. فقاما، فقال: يا بني لا تنيا في طلب العلم، فإني لا أنسى ذلنا بين يدي هذا العبد الأسود.
أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الملك بْن خيرون قَالَ: أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ:
أخبرني أبو الحسن علي بن أيوب الكاتب قال: أخبرنا أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني قَالَ: حدثنا محمد بن أحمد الكاتب قَالَ: حدثنا عبد الله بن أبي سعيد الوراق قال: حدثنا عمرو بن شبة قال: حدثني سعيد بن منصور الرقي قال: حدثني عثمان بن عطاء الخراساني قال:
انطلقت مع أبي وهو يريد هشام بن عبد الملك، فلما قربنا إذا بشيخ أسود على حمار، عليه قميص دنس، وجبة دنسة، وقلنسوة لاطية دنسة، وركاباه من خشب.
فضحكت وقلت لأبي: من هذا الأعرابي؟ قال: اسكت، هذا سيد فقهاء أهل الحجاز، هذا عطاء بن أبي رباح. فلما قرب نزل أبي عن بغلته، ونزل هو عن حماره، فاعتنقا وتسالا، ثم عادا فركبا فانطلقا حتى وقفا بباب هشام، فلما رجع أبي سألته، فقلت:
حدثني ما كان منكما. قال: لما قيل لهشام عطاء بن أبي رباح [بالباب] [2] أذن له، فو الله ما دخلت إلا بسببه. فلما رآه هشام قال: مرحبا مرحبا هاهنا هاهنا. فرفعه حتى مست ركبته ركبه، وعنده أشراف الناس يتحدثون، فسكتوا. فقال هشام: ما حاجتك يا أبا محمد؟ قال: يا أمير المؤمنين، أهل الحرمين، أهل الله، وجيران رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقسم فيهم أعطياتهم وأرزاقهم، قال: نعم، يا غلام اكتب لأهل المدينة وأهل مكة بعطاءين وأرزاقهم لسنة، ثم قال: هل من حاجة غيرها يا أبا محمد؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، أهل الحجاز، وأهل نجد، أصل العرب، ترد فيهم [فضول] [3] صدقاتهم قال: نعم، يا غلام أكتب بأن ترد فيهم صدقاتهم. قال: هل من حاجة غيرها يا أبا محمد؟ قال:
نعم يا أمير المؤمنين، أهل الثغور يرمون من وراء بيضتكم، ويقاتلون عدوكم، قد أجريتم لهم أرزاقا تدرها عليهم، فإنهم إن هلكوا أغرتم. قال: نعم، اكتب بحمل أرزاقهم إليهم يا غلام، هل من حاجة غيرها يا أبا محمد؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، أهل ذمتكم يحيى صغارهم ولا يتعتع كبارهم، ولا يكلفون إلا ما يطيقون. قال:
نعم، اكتب لهم يا غلام [1] ، هل من حاجة غيرها يا أبا محمد؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، اتق الله في نفسك، فإنك خلقت وحدك، وتموت وحدك، وتحشر وحدك، وتحاسب وحدك، ولا والله ما معك ممن ترى أحدا. قال: فأكب هشام وقام عطاء، فلما كان عند الباب إذا رجل قد تبعه بكيس ما أدري ما فيه، أدراهم أم دنانير. فقال: إن أمير المؤمنين أمر لك بهذا. فقال: لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على رب العالمين.
قال: ثم خرج عطاء، فلا والله ما شرب عنده حسوة من ماء فما فوقه.
توفي عطاء في هذه السنة. وقيل: سنة أربع عشرة. وهو ابن ثمان وثمانين سنة.
وقيل: بل عاش مائة سنة.







مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید