المنشورات

إظهار الدعوة العباسية بخراسان

وفي هذه السنة- أعني سنة تسع وعشرين، ومائة [2] أمر إبراهيم بن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عباس أبا مسلم بالانصراف إلى شيعته بخراسان، وأمرهم بإظهار الدعوة العباسية، والتسويد. فقدم أبو مسلم مرو في أول شعبان. وقيل: في أول يوم من رمضان.
فدفع كتاب الإمام إلى سليمان بن كثير، وكان فيه: أن أظهر دعوتك ولا تربص [3] . فنصبوا أبا مسلم وقالوا: رجل من أهل البيت، ودعوا إلى طاعة بني العباس، وأرسلوا إلى كل من أجابهم قريب وبعيد، فأمروه بإظهار أمرهم والدعاء [إليهم] [4] .
ونزل أبو مسلم قرية من قرى خزاعة [5] ، فبث دعاته في الناس، فوجه النضر التميمي إلى مروالروذ [6] ، ووجه أبا عاصم عبد الرحمن بن سليمان [7] إلى الطالقان، ووجه أبا الجهم بن عطية إلى خوارزم.
فلما كانت [8] ليلة الخميس لخمس بقين من رمضان عقد اللواء الذي بعث به للإمام على رمح طوله أربعة عشر ذراعا، وعقد الراية التي بعث بها للإمام على لواء طوله ثلاثة عشر ذراعا. وكان اللواء يدعى الظل، والراية تدعى السحاب- وكان تأويل الاسمين عندهم أن السحاب يطبق الأرض، وكذلك دعوة بني العباس تطبق الأرض. وتأويل الظل أن الأرض لا تخلو من الظل أبدا، كذلك لا تخلو الأرض من خليفة عباسي- ولبس السواد هو وسليمان بن كثير وأخوه [سليمان] [9] ومواليه ومن أجاب الدعوة، وأوقد النيران [1] ، فتجمع أصحابه مغذين، وقدم عليه من الأماكن من أجاب.
فلما كان يوم الفطر أمر أبو مسلم سليمان بن كثير أن يصلي به وبالشيعة، ونصب له منبرا في العسكر، وأمره أن يبدأ بالصلاة قبل الخطبة [بغير] [2] أذان ولا إقامة- وكانت بنو أمية تبدأ بالخطبة بأذان [3] ، ثم الصلاة بإقامة على صلاة يوم الجمعة، ويخطبون على المنابر جلوسا في الأعياد والجمع- وأمر أبو مسلم سليمان بن كثير أن يكبر في الركعة الأولى ست تكبيرات، وفي الثانية خمس تكبيرات- وكانت بنو أمية تكبر في الركعة الأولى أربع تكبيرات يوم العيد، وفي الثانية ثلاث تكبيرات- فلما قضى سليمان بن كثير الصلاة والخطبة انصرف أبو مسلم [والشيعة إلى طعام قد أعده لهم أبو مسلم] [4] ، فطعموا مستبشرين.
وكان أبو مسلم في أول الأمر يكتب إلى نصر بن سيار: الأمير نصر. فلما قوي أبو مسلم بمن معه بدأ بنفسه فكتب إلى نصر، وأمر أن يقطع مادة نصر بن سيار من مروالروذ ومن بلخ، فوجه نصر خيلا لمحاربة أبي مسلم وذلك بعد ثمانية عشر شهرا من ظهوره، فوجه إليه أبو مسلم مالك بن الهيثم الخزاعي، فالتقوا بقرية فانهزم أصحاب نصر وقتل منهم جماعة وجيء برءوسهم، فأمر أبو مسلم بنصب تلك الرءوس، فهي أول حرب كانت بين الشيعة العباسية [5] وشيعة بني مروان.
وفي هذه السنة: غلب خازم بن خزيمة [6] على مروالروذ، وقتل عامل نصر بن سيار الذي كان عليها، وكتب بالفتح إلى أبي مسلم [7] .






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید